هاني قاسم – الثبات
عُقد في مدينة “أوف” الروسية اجتماع لمنظمة “شنغهاي” للتعاون، والتي تضم روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزيا وطاجيكستان وأوزبكستان، وتغطي مساحاتها 30 مليون كلم2، وتضم نحو ملياري بشري (ربع العالم)، وسيصل عدد سكانها إلى حوالى نصف سكان العالم، في حال انضمام الهند وباكستان وإيران إليها بشكل دائم، ومجموعة “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا).
تعمل روسيا والصين للاستفادة من هاتين المجموعتين، وتسعى من خلالهما لتكريس حلف عالمي جديد، في مواجهة الحلف الأطلسي والأحادية الأميركية، التي تسعى للسيطرة على العالم، وتتصرف على أساس أنها القوة الوحيدة القادرة على فعل ما تريد، خصوصاً بعد تفكيكها للاتحاد السوفياتي في نهاية القرن الماضي.
من أهداف هاتين المجموعتين: مكافحة الإرهاب والمخدرات والجرائم عبر الحدود، ومواجهة حركات الانفصال والتطرف الديني أو العرقي، وإنشاء منطقة للتجارة الحرة بين دولها، وإنشاء مشروعات مشتركة في قطاع النفط والغاز والموارد المائية، وإنشاء مصرف مشترك، والسعي إلى إصدار عملة موحّدة بين دولها، والمساهمة في التنمية المستدامة، والعمل على اجتثاث الفقر والبطالة في العالم.
تجهد روسيا والصين من خلال هاتين المجموعتين إلى تكوين صمام أمان على المستوى الأمني والاقتصادي، يحمي دولها من الهيمنة الأميركية، ويكون لهما دور رئيس في العالم، على قاعدة الشراكة مع الآخرين، وعلى نحو خاص مع أميركا، وليس على قاعدة الإلغاء أو الهيمنة، كما تفعل أميركا في علاقتها مع الدول، وتحديداً النامية منها، ولديهما الفرصة لإعطاء النموذج الصالح لمفهوم الشراكة في العالم، والاستقرار الاقتصادي والأمني، في الوقت الذي يتعرض الغرب لأزمات اقتصادية، واضطراب أمني من جراء عمليات التفجير والقتل الأخيرة في فرنسا ولندن من قبَل المجموعات التكفيرية، إضافة إلى فشل أميركا في سياستها الخارجية، والتي جرّت عليها الخسارة في الحروب التي خاضتها في العراق وأفغانستان، وفي سورية ولبنان، وفشلها من جراء دعمها للإرهاب التكفيري الذي أوجدته، ليكون أداتها العسكرية تحارب به في المنطقة، وتستفيد منه في تأجيج الصراع المذهبي فيها من أجل رسم معالم جديدة للمنطقة، والذي أصبح يشكّل خطراً على أميركا والغرب ودول العالم العربي والإسلامي.
أقدمت هذه المجموعة، وتحديداً الرئيسين الروسي والصيني، على إنشاء بنك التنمية الجديد برأسمال قدره 100 مليار دولار، فضلاً عن صندوق احتياطي برأسمال 100 مليار دولار، إضافة إلى مشروع الحزام الاقتصادي لـ”طريق الحرير” الجديدة، وهو مشروع تاريخي تقوده الصين لربط الاقتصاديات من أقصى شرق آسيا حتى قلب أوروبا بشبكة من المواصلات البرية والبحرية ومشاريع الطاقة، ويهدف هذا البنك إلى تمويل المشاريع والبنى التحتية المستدامة لدول “البريكس”، إضافة إلى مجموعة من الإجراءات التي قام بها بوتين، ومنها التعامل بالعملة المحلية في التبادل التجاري مع بعض دول المجموعة، لمواجهة الحصار الاقتصادي الذي يفرضه الغرب على روسيا.
هذه التفاهمات ستؤسس لنظام عالمي جديد على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري متعدد الأقطاب، وستكون الصين وروسيا وإيران ومعها دول المنظومة قطباً أساسياً (كما عبّر عنه الرئيس بوتين بأنه سيقود العالم في المرحلة المقبلة) له بنية اقتصادية خاصة به، ولها سياساتها المالية والنقدية، واستراتيجية أمنية وعسكرية في مواجهة القطب الأميركي في مختلف المجالات، وما نلمسه اليوم من فشل لسياسات أميركا في منطقة الشرق الأوسط هو أحد إرهاصات هذا القطب الجديد.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي