دول تُرسم خرائطها الجديدة بالجماجم ( سامي أبو فيصل )

كانت وزيرة الخارجية الأمركية كوندوليزا ريس أول من استخدم مصطلح الشرق الاوسط الجديد، وذلك في تل أبيب قي تموز 2006 حيث صرحت: ” بأن ما نراه ما هو إلا آلام المخاض لولادة الشرق الاوسط الجديد ويجب أن نكون على يقين من أننا ندفع نحو شرق أوسط جديد ولن نعود الى القديم …” , وكان هذا الاعلان بمثابة خارطة طريق عسكرية تُمكن الولايات المتحدة من إعادة ترسيم خريطة الشرق الاوسط وفقاً لاهدافها الجيوستراتيجية وبعيداً عن طرفي سايكس بيكو أي بريطانيا وفرنسا اللتان تخليتا طوعاً أو كرهاً عن نفوذهما قي المنطقة لصالح أميركا رغم المحاولات المستميتة من فرنسا لضمان حصة لها في أي قسمة جديدة للمنطقة ، حيث حاول الرئيس الفرنسي الاسبق ساركوزي عام 2008 بإعلان عن مشروعه ( الاتحاد من أجل المتوسط ) يجمع فيه الدول التي استحدثت في الشرق الأوسط إثر معاهدة سايكس بيكو وأضاف اليها دول الشمال الافريقي العربي بهدف تأسيس ظاهره اقتصاد ومصالح مشتركة مع الاتحاد الاوروبي لكن كان يضمر بذلك محاولة إقصاء المشروع الاميركي للشرق الاوسط الجديد. 

فمخططات الاميركية الصهيونية لتفتيت المنطقة قديمة العهد ولم يجف حبرها يوماً والأمثلة كثيرة قغولدا مئير رئيس الكيان الصهيوني صرحت عام 1973 انه باستثناء مصر واسرائيل وهما دولتان حقيقيتان ، فأن بقية الشرق الاوسط ليس سوى قبائل تلوّح بأعلامها ، وجدد وزير الخارجية للكيان الغاصب اوديد يينون عام 1983 إقتراح بتقسيم منطقة الشرق الاوسط الى كيانات أصغر على أساس طائفي ومذهبي وعرقي ، فاسرئيل باتت تدرك تماماً أن لا قابلية لها للعيش بسلام وثمة من يرفع شعارات بزوالها ، لذا جعلت إسرائيل تُخرج مخططات سابقة كانت قد أعدتها لتقسيم المنطقة وتضعها خيز التنفيذ فسيادتها لن تقوم إلا بتفتيت المنطقة الى دويلات طائفية ومذهبية متناحرة.

أما بالنسبة لوشطن فالهاجس المُستجد كان لها هي أيران ، حيث أصبحت ايران تنافس أميركا في الشرق الاوسط ، فقبل حادثة 11 أيلول كانت ايران غير قادرة على فعل أي شيء تحت ضغط طالبان وسلطة صدام حسين ما أعطى الفرصة لاميركا أن تلعب دوراً كبيرا في المنطقة في غياب القطب الروسي عن المشهد يومها ، لكن بعد إطاحة أميركا بنظام صدام حسين وطالبان عام 2001 و 2003 تمكنت طهران من التحرر النفسي والتمدد والتوسع في المنطقة في حين فقدت أميركا قوة الدولة الكبرى في المنطقة وخسارة ايران كورقة رابحة ، لذا كانت إدارة اوباما بحاجة الى ايجاد سبل الحدّ من قوة ايران أو استمالتها أو بالحد الادنى فتح صفحة جديدة معها ، فأتى تنظيم داعش في الوقت المناسب لها هذا إن لم نقل بأنها أحد صناعه ، وذلك كفرصة لتمكين السّنة المتطرفين على مساعدة أميركا في كبح أيران أو تطويعها للخيارات الاميركية وتجعل منهم ورقة ضغط أثناء مفاوضاتها مع أيران .

لذلك نجد بأن التحركات الداعشية في كل من سوريا والعراق بوجه خاص مخطط لها أن تصل الى نقطتين هامتين :
أولاً : التوجه الى تقسيم سوريا والعراق على أساس طائفي وهو هدف استراتيجي سعت اليه واشطن من خلال مشروع الشرق الاوسط الجديد وهذا ما أكده وكشفه الكولونيل رالف بيتز الضابط في الاكاديمية الحربية الامركية.

ثانياً : فإذا كان تنظيم القاعدة هو تنظيم الام للاسلام الجهادي وكافة التنظيمات تدين له بالولاء فمن المؤكد أن انتصارات داعش على الارض في سوريا والعراق ستمنح الاخير ثقلاً نسبياً على حساب القاعدة وهو ما وضح بالفعل من تصريحات أيمن الظواهري فور إعلان البغدادي زعيم داعش بأنه خليفة المسلمين وينبغي على الظواهري مبايعته وهذا ما رفضه الظواهري.

من ثقاقة الدم وصناعة الجثث الى صناعة دولة :
يدور النقاش اليوم حول، هل أن العالم أضفى هالة خرافية على تنظيم داعش أم انه حالة ممنهجة الادارة والهيكلة ، فداعش لم تتحول الى وحش بالصدفة فقد نشأ هذا التنظيم وشهد على نموه وتوسعه عوامل كثيرة أهمها المال والشحن المذهبي والمباركة السياسية على كافة أنواعها .

العامل المادي وهو الاهم :
العامل المادي أو التمويلي لتنظيم داعش متعدد المصادر، وهو ما جعل من هذا التنظيم الارهابي الاغنى بين التنظيمات الارهابية ، وتقدر ثروة داعش والتي تجاوزت 4 مليار دولار أميركي، وهو مبلغ ما يتعدى بكثير ثروات حركة طالبان وتنظيم القاعدة وبعض المافيات الكبرى في العالم .
فمصادر الايرادات لخزينة داعش متعددة ومتنوعة ومنها تُنفق رواتب الهيكلية العسكرية والبشرية للتنظيم والامداد اللوجستي لهم ، وبما أن هناك عمليات قبض ودفع للاموال وجب وجود إدارة وسياسة مالية لادارة هذا المال وهذا ما يُثّبت نظرية أن داعش هيكلية منظمة وممنهجة ومنسقة.
أيرادات الضرائب وأنواعها : –

ضرائب تصل قيمتها تصل الى ثمانية ملايين دولار شهرياً من مدينة الموصل وحدها .
ضرائب جهادية على الشركات والاقليات الدينية في سوريا والعراق.
ضرائب على الشاحنات في شمال العراق للسماح لها في كل مرة بعبور الطرقات بأمان.

أيرادات بيع الاثار: –
تقدر إيرادات بيع الاثار بتوفير نحو مليون دولار يومياً من بيع داعش للارث الثقافي والتاريخي للعراق وسوريا.

إيرادات الغنائم : –
فقد أستولت داعش على 500 مليار دينار عراقي أي ما يعادل أكثر من 420 مليون دولار من البنك المركزي بمدينة الموصل، كما تمكنت داعش من السيطرة على ما يقارب خُمس المساحات المزروعة بمحصول القمح بالعراق فضلاً على إستيلاء على عدد كبير من العنابر الحكومية لتخزين القمح في مناطق سهل نينوى وتمكنت من نقلها الى عدد من المطاحن وطحنها وبيعها في الاسواق، بل قام تنطيم داعش ببيع المحصول الى الحكومة العراقية من خلال تجار ووسطاء.

أيرادات النفط : 
النفط هو من أهم مصادر تمويل داعش وتشير التقديرات الى أن ايرادت التنظيم من بيع وتهريب ما يقارب من 9000 برميل بترول يومياً أي حوالي 8.1 ملايين دولار كما تقدر قيمة الايرادات من التجارة المحلية حوالي 5 ملايين دولار.

هذه هي أبرز أيرادات تنظيم داعش بالاضافة الى عمليات السطو والاستيلاء وصفقات الرهائن ما يجعل ويؤكد من هذه الهالة الخرافية التي اسمها “داعش ” هي واقع جديد وجدي و يفرض نفسه كمشروع دولة إن بقي تنظيم داعش ودولته أم زالت, لكن الذي لن يزول هي الدولة السنية الجديدة في المشروع الشرق الاوسطي الجديد وتثبيت موارده .

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة