محمد بن سلمان في سوريا؟!

– حسن غندور –

آخر ما كان يتوقعه الجميع أن يزور رئيس جهاز الاستخبارات السورية علي مملوك بلدًا كالسعودية، ويلتقي فيها بابن ملك الاستهداف العدواني لسورية. خبرٌ ينفع للاستعمال في أول نيسان، ولكن من كان يصدق أنّ “محور الشر” الإيراني سيوقع اتفاقًا مع “الشيطان الأكبر”؟ أو أنّ لقائين مع مسؤولين كوبييّن كفيلان بإنهاء خمسة عقود من العداء والمواجهة؟

الواقعية تقول أنّه ليس كل لقاء بين خصمين أو عدويين كسوريا والسعودية، يعني بالضرورة انتهاء العداء والخلاف، ولكنّ توقيت اللقاء، بالتزامن مع توقيع الاتفاق النووي، وبعيد زيارة ديميستورا لإيران، وزيارة محمد بن سلمان إلى روسيا، يؤكد أنّ هذا الزخم الذي أضافه الاتفاق النووي، بدأ يُترجم بمبادرات جدية وإيجابية، نقلت محاولات حلحلة الأزمة السورية من إطارها الضيق في جنيف وموسكو، التي كان يفاوض فيها السعودي بالوكالة عبر ائتلافه المعارض، إلى الأصيل الذي قبل بفتح باب التفاوض على مصرعيه، وإن كان يمسك بيده الأخرى ورقة التهديد بتشكيل حلف أمريكي خليجي لإسقاط الرئيس الأسد، كما رشحت لقاءات كيري “بمندوبيه الساميين” في الخليج منذ يومين.

بدأت الحكاية بزيارة ديمستورا إلى إيران بعيد الاتفاق، نقل خلالها ما سماه “مقاربة حل الأزمة السورية بمفهوم جديد”، فقام الروسي بتلقف هذه الرسالة وسعى إلى تأمين لقاء بين مملوك ومحمد بن سلمان، برعاية وحماية ومتابعة روسية. بعدها، حضر كيري إلى المنطقة ساعيًا إلى تثبيت سياسة بلاده الحالية والقاضية بالحفاظ على توازن الصراع وتوزان القوى داخل هذا الصراع. طالب بتشكيل حلف أولويته محاربة الإرهاب والانتصار عليه ثم استكمال محاولة تغيير النظام في سوريا. وفي ذلك لعب على حبال التوازن الإقليمي وانعكاس لسياسة الدجل الأمريكي المستمر حيال ملفات المنطقة. ولا شك في أنّ الأمريكي وأتباعه الآن، يسعون إلى طرح الملفات الملتهبة من اليمن إلى العراق وسوريا في سوق جني الأرباح لمرحلة ما بعد الاتفاق ورسم الخرائط الجديدة التي سيفرضها الاتفاق على الجغرافية الإقليمية ومستقبلها الجيو-سياسي والجيو-اقتصادي.

إلا أنّ إيران التي سبقت خصومها بخطوة عبر “تصريحات رسم الخطوط الحمر” التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي، شكلت خارطة طريق واضحة لكل من يضل الطريق، أو يعتقد أنّ ثمن الاتفاق سيكون على حساب محورها الممانع في سوريا أو العراق أو لبنان أو اليمن. هذا الخط البياني الواضح عززه الإيرانيون بمبادرة للحل في سوريا، مبنية على حوار سوري سعودي مباشر ورعاية روسية أمريكية، فكانت دعوة كل من بوغدانوف والمعلم لزيارة طهران للتشاور من أجل صياغة مسودة ورقة تفاوض تكون منطلقًا لأي عملية تسوية يسعى خصوم هذا المحور لتحقيقها.

السعودية من جهتها ستحاول مقايضة ملف اليمن بسوريا، والأمريكيون سيحاولون ابتزاز إيران من بوابة دمشق وبغداد وعدن لترتيب تفاهم اقتصادي لمنطقة الحديقة الخلفية لإيران والممتدة من كشمير إلى بحر الصين. لكنّ الموقفين الإيراني والروسي فيما يتعلق بملف طريق الحرير ومؤتمر شانغهاي أقوى وأهم بكثير من موقفي واشنطن والرياض فيما يتعلق بملفي سوريا واليمن، فكلاهما غير قادرتين على حسم المعركة في سوريا أو في اليمن بينما الماردان الروسي والصيني يرتبان مع إيران شكلاً جديدًا لخريطة الشرق الأقصى، أكبر المتضررين منه هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي فهمت جيدًا رسالة البنك الدولي الصيني، ورسالة طريق الحرير ورسالة قمة شنغهاي الاقتصادية. ولذلك فخيارات واشنطن في هذا المجال ضيقة ووضع المملكة التي خسرت وتخسر المليارات بسبب هبوط أسعار النفط والتكلفة الباهظة لإدارة الحروب بالوكالة وبالمباشر ستضعها أمام القبول بأية تسوية لوقف هذا التهور الخطير الذي وقعت به ولا تجد سبيلاً للخروج منه.

على ضوء هذا المشهد، يبدو أنّ من قبل في المحور الأمريكي الخليجي باستقبال على المملوك بوساطة روسية في الرياض، قد يذهب إلى آخر الطريق بقبول دعوة مملوك لزيارة دمشق، سيما وأنّ الوزير المعلم أعطى اليوم الضوء الأخضر من خلال تصريحه أو دعوته إلى حلف إقليمي غربي لمواجهة الإرهاب ومنع انتشاره في المنطقة وما يترتب على هذا التمدد من خطر قد يطيح بالجميع.

فهل ستلبي المملكة الدعوة لزيارة دمشق؟ أو أنّ تكبرها الأعمى واستعلاءها الخُلبي سيمنعها من مقاربة حقيقة الوضح جيدًا وسيقودها إلى مزيد من الانتحار القاتل؟
أيام قليلة ونعرف الإجابة عن هذا السؤال، أيام غير كافية ليقدر الشعب السوري أن ينسى ما عاناه من المملكة، ولكنها كافية لتغيير قناعات المكابرين في المنطقة وعلى رأسهم حكام الرياض. فهل يستفيدون من هذا الوقت القصير ويقومون بالمراجعة المطلوبة وبالمبادرة المطلوبة ويزورون دمشق تائبين؟ أم سيبقى خيار محمد بن سلمان هو المواجهة العمياء حتى آخر وتد من بنيان مملكة الرمال… الحارة والمتلهبة؟

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة