سيناريوهات الحل على ضوء التفاؤل النووي

د. ليلى نقولا الرحباني –

تزامناً مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، سرت موجة من التفاؤل بانسحاب التفاهم على ملفات المنطقة، ما يؤدي إلى تسويات إقليمية تُخرج سورية من محنتها المتمادية منذ سنوات خمس. ولقد ارتدت موجة التفاؤل هذه طابعاً أكثر جديّة بعد اللقاءات التي حصلت في الدوحة بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف، والتصريحات التي أطلقت بعد اللقاءات المنفصلة التي عقدها كل منهما، سواء مع وزراء مجلس التعاون الخليجي، أو مع أقطاب المعارضة السورية، وبروز المبادرة الايرانية المعدّلة.

ومع تأكيد أن الاتفاق النووي بين إيران والدول الست سينسحب إيجاباً على المنطقة، ولصالح شعوبها على المدى الطويل، لكن ما هو واقع هذه السيناريوهات المفترَضة التي يمكن أن تُنتج حلاً للأزمة في سورية؟

السيناريو الأول: أن يكون هناك اتجاه لتسوية إقليمية ما، تبدأ باليمن وتمتد إلى سورية ولبنان، ثم باقي الملفات في المنطقة، ويكون هذا السيناريو على الشكل الآتي:

تُحقق السعودية وحلفاؤها في اليمن مكاسب ميدانية، تسمح بقبولها بحل سياسي تشترك فيه جميع الأطراف الفاعلة في القضية اليمنية، ويكون اعتراف بمصالح السعودية الاستراتيجية ونفوذها في اليمن. في المقابل، يحقق الجيش السوري وحلفاؤه مكاسب ميدانية هامة على الساحة السورية، تؤدي إلى فرض موازين قوى جديدة تفرض نفسها على طاولة المفاوضات المقبلة. وفي هذا السيناريو الافتراضي، يكون شعار المرحلة “القضاء على الإرهاب”، باعتبار أن جميع الدول باتت متضررة منه، فتعترف إيران للسعودية بنفوذها الإقليمي في مناطق لها فيها نفوذ تقليدي، بينما تسلّم السعودية بخسارتها في كل من سورية والعراق لصالح إيران، ويكون تقاسم نفوذ مشترك بين الاثنين في الدول التي للدولتين نفوذ هام؛ كلبنان على سبيل المثال. أما تركيا فستحقق لنفسها القدرة على ضرب حزب العمال الكردستاني، وعدم السماح للأكراد بتشكيل كيان ذي حكم ذاتي في سورية، وتحتفظ لنفسها بنفوذ في شمال العراق، والذي اكتسبته بتحالفها مع الجماعات السُّنية، ومع أكراد البرزاني.

قد يكون هذا السيناريو هو الأقرب إلى التصور الذي تحدّث عنه الرئيس فلاديمير بوتين، والذي قال عنه الوزير وليد المعلم إنه “يحتاج إلى معجزة”، لكن أمام تحقق هذا السيناريو الذي سيؤدي إلى الاستقرار والتسويات في المنطقة طريق طويل وشاق من المفاوضات، ومن المعارك العسكرية، ومن عدم التسليم والرفض، إلى أن يصبح أمراً واقعاً في نهاية المطاف.

السيناريو الثاني: استمرار المعارك على جميع الجبهات، مع ما يعنيه هذا من استنزاف لجميع القوى الإقليمية الموجودة في المنطقة، وصرف طاقاتها وأموالها على سباق التسلح وتجييش المنابر والتحريض المذهبي. وفي هذا السيناريو تستفيد الولايات المتحدة من اللعب على التناقضات، ومن بيع الأسلحة لدول الخليج، ويكون انتهاء هذا السيناريو مرهون بتعب اللاعبين، أو بقدرة أحدهم على هزم الآخر هزيمة كبرى، وهذا أمر مشكوك باحتمال حصوله.

السيناريو الثالث: تسويات موضعية لا تؤدي إلى تسويات شاملة؛ تبدأ باليمن، كونها الأكثر إلحاحاً بالنظر إلى الوضع الإنساني المتردّي، خصوصاً بعدما استطاعت السعودية تحقيق بعض المكاسب الميدانية، ما يجعل نزولها عن الشجرة أكثر إمكانية.

يبدو السيناريو الثالث هو الأكثر ترجيحاً في حال استمرت مرحلة التفاؤل في المنطقة، وفي حال اقتنع السعوديون بمد اليد لملاقاة اليد الإيرانية الممدودة، والتي عبّر عنها الوزير محمد جواد ظريف في مقالته في صحيفة السفير “الجار ثم الدار”، أما في حال استمرار الحكم السعودي برفض التسويات، واشتراط انكسار الآخر ضمن مقولة “قاتل أو مقتول”، فإن المنطقة ستكون محكومة بالسيناريو الثاني إلى ما شاء الله.

ويبقى أن السيناريو الأول، وهو السيناريو الذي يأمل الجميع تحققه، مرهون بعامل الوقت، وبتداخل المصالح وتشابكها وتناقضها، كما بكثرة اللاعبين في الساحات، لذا فإن التفاؤل المبني على أساس تسويات شاملة في المنطقة ما زال مبكراً، وهو تفاؤل محمود ولكنه سابق لأوانه.

الثبات

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة