إذا تزعزعت إيران

نبيه البرجي-

الآن، باراك اوباما «واثق الخطوة يمشي ملكاً». كسر «التابو» مع كوبا، وعقد الاتفاق التاريخي مع ايران، بعدما اعلن 41 عضوا ( من اصل 100) في مجلس الشيوخ تأييدهم للاتفاق. هذا يعطل مفعول الاكثرية في مجلس النواب كما يحول دون تعليق الاجراءات البرلمانية الذي يحتاج الى 60 صوتاً.
لا داعي للفيتو الرئاسي في هذه الحال، الرئيس الاميركي «خاض حربا نووية لتسويق الاتفاق النووي»، حتى ان الرئيس السابق للاستخبارات المركزية مايكل هايدن يلاحظ انه ما من رئيس اخر واجه مثل تلك المحاولة لتفخيخ البيت الابيض وتفجيره بمن فيه. تعرية الرئيس واظهاره مجرد هيكل عظمي ويقبع قرب الموقد.

اركان اللوبي اليهودي حاولوا العثور على ثغرة في شخصيته، وحتى في طفولته، وخلال مسيرته الاكاديمية او الحزبية. قال فريد زكريا «كان اوباما يسطع في النهاية كرجل لم يخلق من الطين بل من الكريستال». الكريستال الاسود.

البنتاغون وقف الى جانبه، كذلك اجهزة الاستخبارات التي كانت تضع التقرير تلو التقرير حول ضرورة احداث تغيير في العلاقات الجيوسياسية والجيوستراتيجية في الشرق الاوسط.

تردد ان الرئيس الذي يتحدر من قعر العالم الثالث، ومن قعر السفن، قال لضيف عربي كبير «اذا تزعزعت ايران فلن يبقى هناك عرش في المنطقة». الاميركيون الذين لا تمكن تبرئتهم من صناعة «الايديولوجيات المجنونة» سألوا «ماذا لو تركنا آيات الله يحصلون على القنبلة النووية»، وكانت، فعلا، عند رؤوس اصابعهم؟

واثقون من ان التنظيمات المتشددة هي التي تمسك بالزمام ليس في سوريا والعراق فحسب، بل وايضا في دول اخرى لم توفر لمواطنيها الحد الادنى من الديموقراطية، والحرية، والعدالة. الكائنات البشرية اكياس بشرية مختومة بالشمع الاحمر.

لا بد من جولة فاعلة، وموحدة، وقادرة، للتعامل معها في التفكيك التدريجي لدولة الخلافة التي اذ بدأت في الرقة فهي لا تنتهي عند الموصل ولا عند العريش، وربما لا تنتهي عند طبرق او القيروان…

الاميركيون متشائمون جدا حيال مستقبل الاوضاع في تركيا. لا احد يمكنه اخماد النيران الكردية التي لا تتواجد في مناطق محددة من الاناضول، بل هي موجودة في كل مدينة، وفي كل جامعة، وفي كل مسجد، وفي كل زقاق…

العلويون ايضا يتململون بعدما رفض اردوغان الاعتراف بكونهم يشكلون مذهبا اسلاميا، سعى الى تدجينهم، وحتى التشكيك في صلتهم العقائدية بالاسلام. بمعنى اخر، ان السياسات البهلوانية التي انتهجها اردوغان اصابت تركيا بالدوار. في بروكسل، وحيث قيادة حلف شمال الاطلسي يقولون ان تركيا تترنح، متى تسقط؟

في واشنطن، لا يثقون بالرئيس التركي، تركوه يلاعب تنظيم الدولة الاسلامية، ويقيم له المعسكرات، ويمده بالمقاتلين الآتين من اصقاع الارض، الى ان ازفت الساعة التي شعر فيها اردوغان ان الخليفة ابا بكر البغدادي بدأ يدخل الى رؤوس طلاب الجامعات، ورجال الدين، وصولا الى رؤوس الضباط والجنود..

الاميركيون ليسوا بحاجة الى من يلفتهم بأنه لولا اساطيلهم لسقطت انظمة، وسقطت دول. هذا لا ينطبق على ايران التي ظلت حتى الآن في مواجهة مع الولايات المتحدة، وهي اذ وقعت الاتفاق النووي، لوحت تكتيكيا، ولمواجهة الضغط بالضغط، بأنها لن تفاوض الاميركيين على اي مسألة اخرى، بعدما تردد عن ضغط عربي على الرئيس باراك اوباما لكي يثير مع الايرانيين مصير الرئيس بشار الاسد..

ديفيد اغناثيوس لا يكن اي ود لنظام ايات الله، واذ يصفه بالتيوقراطي والتوتاليتاري، وبتسويق ثقافة الغيب في الشرق الاوسط (مع ان عدة انظمة ضالعة في هذه اللعبة)، يذكر من يعنيهم الامر بأن ايران تقع بين افغانستان، وحيث المتاهة الصغرى والعراق، وحيث المتاهة الكبرى، وبأنها تتمتع بحساسية جيوستراتيجية استثنائية لوقوعها بين الشرق الاوسط و الشرق الاقصى، اي انها في وسط المسرح (مسرح العمليات) الاميركي..

يقول ان محاولات ترويضها بالمطارق لم تأت بنتيجة. لا مناص من القفازات الحريرية. هذا ما فعله اوباما الذي دعا، وسيدعو، الاخرين في المنطقة الى الاقتداء به والدخول الى ردهة المفاوضات. لا الازمة السورية ستحل عسكريا، وبعدما بدا ان الروس عقدوا العزم على التعويم العسكري للنظام كي لا يدخل منهكا، او محطما، الى الردهة، ولا الازمة العراقية التي بدأت تداعياتها تتفاعل في المحيط. ايضا، الازمة اليمنية التي، وبفعل التضاريس الجغرافية و القبلية و الطائفية، يمكن ان تستمر لمائة عام…

لا طهران بامكانها اجتثاث المعارضة، او المعارضات، في سوريا، ولا الرياض بامكانها اجتثاث النظام وبعدما اخذت الدوامة الدموية ذلك البعد الميتولوجي. لاحظوا كيف يستخدم الاوروبيون كلمة Exodus، ببعدها اللاهوتي، في وصف هجرة السوريين وضياعهم عند حدود الدول، حتى ان اليمين المتشدد يتحدث عن « زحف البرابرة»!

حين يعبر اتفاق فيينا اروقة الكونغرس، يفترض ان نعي ان ساعة الديبلوماسية دقت. من يريد ان يحارب فليسلم امره الى الشيطان. انتبهوا، المفاوضات لا تعني، بالضرورة، ان التسوية على قاب قوسين او ادنى!

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة