بعد تجربته القاسية هذا الصيف مع ريال مدريد، حيث كان قاب قوسين أو أدنى من التخلي عنه لمصلحة مجيء ديفيد دي خيا، ها هو كايلور نافاس يبرع في حراسة مرمى الملكي في بداية الموسم خلفاً لإيكر كاسياس محققاً إنجازاً تاريخياً، ومثبتاً صلابته في مواجهة التحديات وجدارته بحراسة مرمى الملكي.
حسن زين الدين –
قمة النجاح أن تُصنع القوة من لحظات الضعف. كايلور نافاس فعل ذلك بامتياز. الحارس الكوستاريكي، كانت العاصمة مدريد قاب قوسين من أن تلفظه خارج أسوارها حاله كحال كثيرين ارتدوا قميص ريال مدريد، ووجدوا أنفسهم، بين ليلة وضحاها، وهم يحزمون حقائبهم ليشدوا الرحال عنها، لا لشيء، سوى لأمر مجحف من الإدارة الملكية لا يزال حتى الساعة غير مفهوم!
هكذا، وبعد التخلّص من إيكر كاسياس مطلع سوق الإنتقالات، بدأ الملكي مساعيه الحثيثة لضم «إسم كبير» في حراسة المرمى، لم يكن إلا حارس المنتخب الوطني ومانشستر يونايتد الإنكليزي، ديفيد دي خيا، من دون أن يقيم أي اعتبار لنافاس، والأكثر إيلاماً كان الزج به في الصفقة مضافاً إليها 35 مليون يورو ليونايتد في اليوم الأخير من سوق الإنتقالات، إلا أن تأخير إتمامها لدقائق معدودة أبقى الكوستاريكي في مدريد، والإسباني في مانشستر، وألزم ريال أن يتقبّل نافاس حارساً أساسياً له، على الأقل حتى الشتاء المقبل.
لحظات صعبة جداً وقاسية عاشها لا شك هذا الحارس، وهو في موقف العاجز والمتفرج لما سيؤول إليه مصيره بين دقيقة وأخرى، هو الحالم بمدريد التي تمكّن من الوصول إليها بعرقه الذي سال منه في مونديال 2014 حين تألق في الذود عن مرمى منتخب بلاده وقاده إلى ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخه، وكذا في موسم 2013-2014 مع ليفانتي في إسبانيا حين حقق أعلى نسبة في التصديات وتوّج في نهايته بجائزة أفضل حارس متفوّقاً على البلجيكي ثيبو كورتوا الحارس السابق لأتلتيكو مدريد والحالي لتشلسي الإنكليزي، وإذا بالإدارة الملكية تتخذ القرار الظالم بكسر هذا الحلم في ريعان شبابه، لولا أن شاء القدر غير ذلك وقال كلمته في اللحظة المناسبة حين وقف إلى جانب هذا الحارس في وجه ما خطط له فريقه في ليل مظلم.
الآن، وبعد أربع جولات في الدوري الإسباني ومباراة في دوري أبطال أوروبا، بدأ حلم نافاس يزهر، بدأ عطره الجميل يفوح في أرجاء العاصمة الإسبانية. الآن، وبعد أقل من شهر على تلك الحادثة، بدأت مدرجات ملعب «سانتياغو برنابيو» تنظر بعين مختلفة ملؤها الإعجاب بهذا الحارس الذي كان احتياطياً لكاسياس في الموسم الماضي، فإذا به يُجلس الوافد الجديد كيكو كاسيا على مقعد البدلاء. الأرقام تحكي هنا: 5 مباريات أولى لم تتلق فيها شباك نافاس أي هدف ليحقق إنجازاً تاريخياً بتخطيه ميغل أنخل الذي حافظ على نظافة شباكه في أول أربع مباريات مع الملكي في موسم 1975-1976، وكذلك فقد أصبح عاشر حارس في تاريخ «الليغا» يُبقي شباكه نظيفة في الـ 360 دقيقة الأولى من البطولة.
… نافاس صنع من لحظات الضعف قوة، هذه الحقيقة الأولى للنجاح الحالي للحارس الكوستاريكي بعد تجربته المؤلمة في الصيف، إذ ما يبدو واضحاً أن ما مرّ به هذا الحارس من موقف قاس منحه القوة والتصميم والإرادة ليثبت على مرأى المدريديين أنه جدير بحراسة مرمى فريقهم الملكي، وأنه يملك من الكفاءة ما يخوّله أن يحتلّ مكان كاسياس، وأن يكون من الحراس القليلين من خارج إسبانيا الذين يحمون عرين الملكي.
هكذا، فقد أثبت نافاس جدارته بحراسة مرمى ريال بالأرقام التي يحققها حالياً. صحيح أن دفاع الملكي قوي، لكن لا أحد ينكر أن السبب في نظافة شباك «الميرينغيز» حتى الآن هو هذا الكوستاريكي، وخير دليل على ذلك المباراة الرائعة الأخيرة التي قدمها أمام غرناطة، أو تصديه لركلة جزاء روبن كاسترو في المباراة أمام ريال بيتيس.
قصة جميلة ومعبّرة إذاً يكتب فصولها الآن في مدريد حارس آت من كوستاريكا كلّف ريال مدريد مبلغ 10 ملايين يورو فقط لضمه من ليفانتي. هو هنا، بطبيعة الحال، أبعد ما يكون عن فئة «النجوم المليونيين» والمستحوذين على كامل الأضواء كزملائه البرتغالي كريستيانو رونالدو أو الويلزي غاريث بايل أو سيرجيو راموس، هو هنا ليس إلا لاعبا طموحا ومثابرا في وجه التحديات والمواقف الصعبة. لاعب تروي والدته أنه وقف في المطار إلى جانب جده، وهو في الرابعة من عمره، يذرف الدموع حين كانت عائلته تتّجه إلى الطائرة لتهاجر إلى الولايات المتحدة هرباً من فقر منطقة «بيريز زيليدون» الكوستاريكية، ويصرخ: «لا ترحلوا أرجوكم، لا تتركوني»… هو كايلور نافاس الذي صنع، منذ صغره، من لحظات الضعف قوة.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي