علاء حلبي-
بعد ثمانية أشهر على توقف عمليات الجيش السوري في ريف حلب الشمالي، سعياً لتشكيل طوق يفصل مسلحي الريف عن المسلحين الموجودين داخل أحياء حلب الشرقية، تمكنت القوات الكردية من تغيير الوقائع الميدانية، عبر تمددها في حي محوري شمال المدينة، الأمر الذي أدى مباشرة أو غير مباشرة لإكمال الطوق حول المدينة، وعزل المسلحين وفصلهم عن خطوط الإمداد.
في هذا الوقت، يواصل عناصر وضباط الجيش السوري المحاصرون في مطار كويرس القتال دفاعا عن المطار الذي يحاصره مسلحو «داعش» بانتظار وصول قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره من الشرق لفك الحصار.
ففي مدينة حلب، وبعد خمسة أيام من اندلاع اشتباكات دامية بين القوات الكردية من جهة وعدة فصائل مسلحة، أبرزها «أحرار الشام»، من جهة أخرى، تمكنت القوات الكردية من السيطرة على حي الشيخ مقصود شمال المدينة، وقطع طريق كاستيللو، الأمر الذي قطع آخر خطوط الإمداد بين الفصائل المسلحة داخل المدينة والريف المفتوح على تركيا الذي كان يوفر خط إمداد استراتيجيا في معارك الفصائل على اختلاف مسمياتها.
الاشتباكات التي بدأت قبل عدة أشهر بين القوات الكردية و«أحرار الشام»، التي تؤازرها فصائل من «الجبهة الشامية»، نشأت بداية لخلاف على إنشاء معبر يصل شطري حلب (الشرقي الذي تسيطر عليه الفصائل المسلحة، والغربي الذي تسيطر عليه الحكومة) وسط ضغوط كردية لإتمام إنشاء المعبر، الذي من شأنه أن يرفع مستوى الحياة في حي الشيخ مقصود، الذي يقطنه الأكراد، الأمر الذي وقفت «حركة أحرار الشام» في وجهه وحاولت منع إتمامه، قبل أن تتدخل وساطات بين الأكراد و «أحرار الشام» ليتم توقيع هدنة بين الطرفين.
وكشف مصدر كردي، لـ«السفير»، أن الأكراد، خلال الهدنة التي تم توقيعها مطلع العام الحالي، قدموا عدة مخططات لآلية عمل المعبر الذي من المقرر استحداثه في منطقة بستان الرز في حي الشيخ مقصود، والأهداف الإنسانية من إنشائه، مع تولي زمام إدارته، على اعتبار القوات الكردية تتمتع بعلاقات جيدة مع الجيش السوري من جهة، ومع الفصائل المسلحة من جهة، إلا أن «أحرار الشام» أفشلوا جميع مساعي الأكراد.
وأوضح المصدر الكردي أن أهالي الحي خرجوا في عدة تظاهرات بسبب افتقادهم أدنى مقومات الحياة، الأمر الذي شكل ضغطاً على القوات الكردية، ارتفعت إلى مستوى «فرض إنشاء المعبر بالقوة»، وهو ما أشعل فتيل المعارك في الحي الذي تسيطر على معظمه القوات الكردية، لتندلع اشتباكات عنيفة، تخللها قصف من قبل «أحرار الشام» تسبب بوقوع عدد من القتلى المدنيين، الأمر الذي شكل بدوره حشدا شعبيا داعما لمعارك الأكراد، الذين تمكنوا بعد خمسة أيام من المعارك الدامية من طرد جميع المسلحين من الحي، وحتى من أطرافه الشمالية.
ويرى مصدر ميداني أن التوتر بين الأكراد والفصائل الأخرى وطرد المسلحين من الحي سيشكل منعطفاً مهماً في مجريات المعارك في مدينة حلب، فبالإضافة إلى فتح المعبر بين شطري المدينة، وتشكيل طوق يحيط بالمدينة مباشرة أو غير مباشرة، ووجود علاقات وطيدة بين قوات الجيش السوري والأكراد، وارتفاع منسوب العداء بين الفصائل والأكراد، فإن من شأن سيطرة الأكراد على الحي وأطرافه أن يضيق الخناق أيضا على المسلحين المتمركزين في حي بني زيد، الذي يعتبر من أبرز الأحياء التي يتمترس فيها المسلحون، وينصبون فيه منصات إطلاق القذائف التي تسببت بمقتل مئات المواطنين.
وإضافة إلى ذلك، تعول المصادر الميدانية على المزاج الشعبي في حي الشيخ مقصود الذي أصبح معادياً للفصائل المسلحة على مختلف توجهاتها وتأييدها لقوات الجيش السوري، حيث أثبتت التجارب التي عاشها المواطنون متانة العلاقة بين الجيش السوري والقوات الكردية، على خلاف العلاقات التي سادت في الحي بعد عقد الأكراد اتفاقا مع المسلحين والسماح لهم بالتمركز على أطراف الحي، حيث ارتفعت حوادث السرقة والخطف والاغتيال كثيرا، كما تدنت مستويات الخدمة، واضطر قسم كبير من السكان إلى النزوح، سواء إلى مناطق الريف، أو حتى مناطق سيطرة الحكومة، إضافة إلى المردود الكبير الذي سيعود على الأكراد مع افتتاح المعبر، الأمر الذي سيحول القوات الكردية من «قوات محايدة مدافعة عن مناطقها» فقط إلى «حليف حقيقي بدافع المصالح، بأسوأ تقدير، ما سيساهم فعليا بتغيير خريطة السيطرة، وسيرفع من معدل عمليات الجيش السوري، ويعيد إنعاش خطة «التقسيم ـ الحصار ـ الطرد»، التي كان الجيش السوري قد بدأها في مدينة حلب، وأجبرته المتغيرات الميدانية على إيقافها، خصوصاً أن الحكومة السورية فرضت شرطاً لفتح المعبر يقضي بعودة الدوائر الخدمية والحكومية باستثناء الجيش وقوات الأمن إلى الحي، وهو ما يسحب البساط من «الإدارة المدنية»، التي كانت تتحكم بها الفصائل المسلحة في الحي.
وتوقعت مصادر معارضة أن ترتفع وتيرة المعارك بين القوات الكردية والفصائل المسلحة، خصوصاً مع تحكم «أحرار الشام» بـ «غرفة عمليات فتح حلب»، وبالتالي تحويل عمل «الغرفة» لمواجهة القوات الكردية، وهو ما هددت به «أحرار الشام» مطلع الشهر الحالي عبر بيان أصدرته «الغرفة» عارضت من خلاله إقامة المعبر، ما يفتح الباب أمام معارك عنيفة قد تنتقل إلى مناطق الأكراد في الريف الشمالي في حال فشل المفاوضات الجارية في الوقت الحالي بين الفصائل المسلحة والقوات الكردية.
إلى ذلك، تابعت قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره تقدمها نحو مطار كويرس المحاصر، قادمة من مدينة السفيرة شرق حلب، وذلك عبر استعادتها نقاط سيطرتها بعدما تراجعت منها قبل أسبوعين خلال هجوم عنيف لمسلحي «داعش».
وذكر مصدر ميداني لـ «السفير» أن قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره تمكنت من السيطرة على قرية الصالحية والتلال المحيطة بها، فيما حشد التنظيم مسلحيه على جبهات القتال في محاولة لكسر تقدم وحدات الجيش السوري، والتي يبدو أنها عازمة على متابعة التقدم نحو مطار كويرس العسكري وفك الحصار عنه رغم استماتة مسلحي «داعش».
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي