يبدو أن السرعة، التي نفذ الكرملين بها عمليته في سوريا، أصابت الجميع بالحيرة، وبدأ البعض في التحذير من إمكانية تورط روسيا في مستنقع أفغانستاني، سبق أن تورط فيه الاتحاد السوفياتي.
ومن الطبيعي أن تروج دوائر معينة لهذه المخاوف بإصرار بعد خسارة أوباما المدوية أمام بوتين، ونجاح روسيا في تشكيل تحالف مؤلف من سوريا والعراق وإيران. ما سمح لموسكو باستعادة دورها الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والذي لا يمكن من دونه حل أي مشكلة دولية.
وبدا واضحا انشقاق الغرب إزاء “نقلة الشطرنج” البوتينية الجريئة في سوريا، حيث أيدتها بعض دول الاتحاد الأوروبي والناتو وعارضتها أخرى. لكن استقالة الرئيس السوري بشار الأسد رُفعت من جدول الأعمال، وذلك ما اعترفت به حتى واشنطن عدوته اللدود.
بيد أنه لتدبير “أفغانستان جديدة” لروسيا، كما يهدد الأمريكيون والسعوديون ومسلحو “القاعدة” و”داعش” والمعارضة المسلحة للأسد، يجب بناء الجبال وطمر البحر الأبيض المتوسط، كما يسخر الخبراء العسكريون الروس، الذين يشككون في أن تصبح سوريا أفغانستان ثانية لروسيا للأسباب التالية:
خلافا لسوريا بلد السهول المتطور، تعد أفغانستان بلدا جبليا منعزلا تندر فيه الطرق وتكثر فيه الأودية، التي لا مخبأ فيها من كمائن المقاتلين. وكان الجيش السوفياتي عرضة لتلقي الضربات في ظهره، ولا سيما في نهاية الحرب عام 1989، بعد أن تقلصت إمكانيات المروحيات السوفياتية كثيرا إثر تزويد الأفغان بصواريخ ستينغر.
لدى روسيا حلفاء في المنطقة الآن يأخذون على عاتقهم عبء العمليات البرية. وهؤلاء، خلافا للدول الغربية، على أتم الاستعداد لقتال تنظيم “داعش” على الأرض.
تمتلك روسيا، بعكس الاتحاد السوفياتي، تقنيات عسكرية من الجيل الحديث، تضمن فعالية الاتصالات الإلكترونية والاستطلاع وتحديد الأهداف وكشفها وتدميرها.
لا تستطيع الولايات المتحدة رسميا تشكيل تحالف معاد لروسيا في الشرق الأوسط، لأنها ستبدو أمام المجتمع الدولي في دور المدافع عن الإرهابيين، الذين يحرقون الناس أحياء ويقطعون رؤوسهم.
خلافا لأفغانستان، من المستحيل تزويد القوى المعادية لروسيا في سوريا والعراق بالذخيرة ووسائل الاتصالات والمنظومات الحديثة المضادة للدبابات والطائرات (مثل صواريخ ستينغر) على نطاق واسع.
فضلا عن تجربتها الغنية في أفغانستان والشيشان، يعتمد تكتيك موسكو اليوم على تحليل الأخطاء، التي أدت إلى إخفاق واشنطن في العراق وأفغانستان.
إن القاعدة الجوية الروسية المؤقتة في اللاذقية ونقطة الدعم الفني والإسناد للبحرية الروسية في طرطوس عاملان يسمحان لروسيا بإنشاء منطقة مغلقة فوق سوريا والعراق وشرق البحر الأبيض المتوسط ليس على الإرهابيين فحسب، بل وأمام قوات الولايات المتحدة والناتو الجوية.
وأخيرا، تعتمد سياسة بوتين على أساس راسخ من المساندة الشعبية الواسعة. وقد حظي تفويض مجلس الاتحاد الروسي لفلاديمير بوتين باستخدام القوات المسلحة خارج البلاد بترحيب منقطع النظير في الأوساط الرسمية والاجتماعية والدينية الروسية. وساعدت النجاحات الأولى في سوريا الروس الجدد على التغلب على “عقدة أفغانستان”، وإمكان تحمل أي خسائر في سبيل كرامة وطنهم، ما أظهروه بعد عودة القرم إلى روسيا وفرض العقوبات على بلادهم.
حبيب فوعاني
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي