جواو هافيلانج: الوحش الذي خلق الوجه القبيح للفيفا‎

كتب | أليف سبع –
 
قد تكون الأشهر القليلة الماضية  الأسوأ على الإطلاق في تاريخ الفيفا منذ تأسيسها في عام 1904. دوامة الفساد التي أحاطت بالفيفا من جميع الجوانب أصبحت الشغل الشاغل لجميع عاشقي كرة القدم والذين يملأهم شعور بالسخط وهم يكتشفون حجم الفساد المتغلعل داخل المنظمة المعنية بتسيير أمور اللعبة الشعبية الأولى في العالم. معظم المشجعين والصحفيين ألقوا باللوم على رئيس الفيفا جوزيف سيب بلاتر، بالرغم من محاولات الرجل السويسري المتكررة لإظهار نفسه كالملاك الأبيض الذي يسعى لإيصال سفينة الفيفا إلى بر الأمان. سيب بلاتر ليس ملاكاً أبيضاً بكل تأكيد، لكنه كذلك ليس السبب الرئيسي للحال الذي وصلت إليه الفيفا. السبب لديه اسم واحد: جواو هافيلانج.
 
السباح البرازيلي السابق، المولود لأبوين بلجيكيين، تسلم رئاسة الفيفا لأربع وعشرين سنة كاملة غيّر خلالها وجه كرة القدم كلياً. هافيلانج، وصديقه المقرب سيب بلاتر، سيخبرانكم بأن فترة حكم هافيلانج كانت منعطفاً تاريخياً في تاريخ كرة القدم. وبالفعل، فإن الأدلة والحقائق تؤكد ذلك، لكن ذلك المنعطف كان نحو الأسوأ بالتأكيد. محاولة سرد كافة هذه الحقائق والأدلة التي تدين هافيلانج يحتاج إلى كتاب كامل (وإن كنتم من هواة القراءة يمكنكم قراءة كتاب How they Stole the Game للكاتب دايفيد يالوب) ولذلك سوف نكتفي بسرد أهم ثلاث جوانب تمثل أهم الأشياء التي غيرها جواو هافيلانج في عالم كرة القدم، نحو الأسوأ بالتأكيد.
 
أولاً: طريقة إنتخابه.
 
ستينيات القرن الماضي شهدت انقساماً كبيراً على الساحة الكروية بين قارتي أوروبا وأميركا الجنوبية. عدم وصول أي رئيس لاتيني إلى سدة الرئاسة في الفيفا منذ تأسيسها إضافة إلى عدة حوادث خلال كؤوس العالم أقنعت مسؤولي كرة القدم اللاتينين بأن نظرائهم الأوروبيين، بقيادة ستانلي راوس رئيس الفيفا، يتأمرون ضد كرة القدم اللاتينية. 
 
رؤوساء اتحادات كرة القدم اللاتينية اختاروا هافيلانج، والذي كان رئيساً للإتحاد الرياضي العام في البرازيل، لمنافسة راوس. هافيلانج اعتمد على السخط الذي كان يملأ معظم الإتحادات القارية تجاه نظرائهم الأوروبيين من أجل جمع أكبر عدد ممكن من الأصوات. هافيلانج تجول، بدءاً من العام 1971،  حول العالم مقدماً الخدمات للعديد من المصوتين مقابل ضمان أصواتهم. معظم هذه الخدمات كانت مالية بطبيعة الحال ومنها ما كان لها علاقة بزيادة عدد الفرق المنافسة في كأس العالم (من أجل جذب أصوات افريقيا وآسيا)، وبعضها كان مقتصراً على جلب منتخب البرازيل أو سانتوس إلى بلد معين من أجل منح مواطنيه فرصة مشاهدة ظاهرة ذلك الزمان بيليه وبالتالي تلميع صورة النظام الحاكم أمام شعبه.
 
 هافيلانج أكد خلال إحدى المقابلات الصحفية أنه زار 86 بلداً خلال الأسابيع العشرة التي سبقت الإنتخابات فقط. مثل هذه التصرفات قد تعتبر بديهية الآن لكنها لم تكن كذلك في بداية السبعينيات، وخصوصاً في الفيفا والتي كانت تدار بمنطق الشرف وعدم الغش. لكن حملة هافيلانج، والتي استمرت لثلاث سنوات كاملة، كانت البداية لمثل هذه الممارسات داخل الفيفا. هافيلانج تمكن من التغلب على منافسه الانجليزي بعد أن انسحب الأخير قبل بداية الجولة الثانية (علماً أن الجولة الأولى انتهت 62-56 لمصلحة هافيلانج) لتبدأ أسوأ فترة في تاريخ الفيفا. فترة مازالت مستمرة حتى اللحظة بفضل ولاء سيب بلاتر لممارسات استاذه الروحي هافيلانج.
 
ثانياً: إدارته المالية للفيفا.
 
كما أسلفنا سابقاً فإن هافيلانج قضى أكثر من ثلاث سنوات وهو يطوف العالم لشراء الأصوات، وذلك يحتاج إلى كم هائل من الأموال بكل تأكيد ! هافيلانج أكد دائماً بأنه موّل حملته الإنتخابية بنفسه من خلال الأموال التي جمعها من خلال امتلاكه لعدة شركات في البرازيل. لكن تحقيقات الصحفي دايفيد يالوب ومقابلاته مع العديد من شركاء هافيلانج السابقين أثبتت أنه لم يكن يمتلك معظم الشركات التي كان يدعي أنه يملكها، بل كان مجرد موظف فيها. بينما كانت الشركات التي يملكها تعاني من مشاكل مالية. فيليبي لوبو، شريك هافيلانج السابق، أكد ليالوب أن معظم الأموال التي استخدمها هافيلانج في حملته تم اختلاسها إما من حسابات الإتحاد البرايزيلي أو من حساب إحدى الشركات التي كان يملكها دون التشاور مع شركائه. وبالفعل فقد وجدت إحدى اللجان التي خصصها البرلمان البرازيلي للتحقيق في شؤون الإتحاد البرازيلي المالية عجزاً كبيراً في ميزانيته بعد انتقال هافيلانج إلى رئاسة الفيفا. لكن كل ذلك لا يشكل شيئاً يذكر مقابل الطريقة التي أدار هافيلانج بها حسابات الفيفا والتي يدعي أنها كانت مفلسة قبل وصوله، الأمر الذي لم يستطع إثباته أبداً.
 
هافيلانج كان بحاجة لشريك مالي عملاق ليستطيع أن يحول الفيفا إلى ما هي عليه اليوم. هذا الشريك كان هورست داسلر، ابن ادولف هاسلر مؤسس شركة Adidas. هاسلر الابن، الملقب بعراب الترويج الرياضي، افتتح شركة خاصة بها أطلق عليها Adidas France. ولكن “خدمته ” الكبرى لعالم كرة القدم تمت من خلال شركة ISL للترويج الرياضي والتي تسلمت حقوق الترويج لجميع كؤوس العالم منذ لحظة وصول هافيلانج إلى الرئاسة. علاقة هافيلانج وداسلر، بحسب الكثيرين، لم تكن علاقة شريكين في الجريمة بل كانت أشبه بعلاقة السيد والعبد. حيث كان داسلر يتحكم بكل قرارات الفيفا المالية من خلال هافيلانج والذي كان دائماً ما يتخذ القرارات المالية دون أي استشارة للجنة الفيفا التنفيذية أو أي أحد.
 
 
 
الطريقة التي تمكن من خلالها داسلر وهافيلانج من سرقة أموال الفيفا كانت بسيطة جداً. هافيلانج، مستخدماً سلطته المطلقة التي خلقها لنفسه، كان يبيع حقوق الترويج لكأس العالم لشركة ISL لكي تبيعها هي بدورها إلى الرعاة أمثال CocaCola، Canon، Adidas وغيرهم. لكن الخدعة كانت تتمثل في أن العقود المبرمة بين الفيفا و ISL كانت تتضمن بنداً يتعلق بعدم حصول الفيفا على أي أموال زائدة في حال تمكنت ISL  من بيع حقوق الرعاية بمبالغ أكثر من المتوقعة. أي أنه وببساطة فإن شركة ISL كانت تشتري الحقوق بمبالغ قليلة نسبياً ومن ثم تبيعها للرعاة بمبالغ خيالية دون أن تحصل الفيفا على أي زيادة. وإن كنتم تظنون أن ذلك مجرد ذكاء من قبل داسلر ولا يحمل أي صفة من صفات الفساد فربما قد تغيرون رأيكم حين تعلمون أن المبلغ الذي حصلت عليه اللجنة الأولمبية الدولية نتيجة بيع حقوق رعاية أولمبياد برشلونة 1992 في السوق المفتوح كان أكثر بسبعة أضعاف من ذلك الذي حصلت عليه الفيفا جراء بيع حقوق كأس العالم ايطاليا 1990 لشركة ISL. وإن لم يقنعكم ذلك، ربما تقنعكم حسابات شركة ISL والتي أظهرت بعد افلاس الشركة عام 2001 أن هافيلانج وصهره ريكاردو تيكشيرا (رئيس الإتحاد البرازيلي) تلقيا رشاوي بمبالغ تزيد عن 27 مليون دولار !!!
 
ثالثاً: أسلوب حكمه.
 
إن كان كل ما سبق لا يكفي لكي يعتبر هافيلانج أحد أسوأ الشخصيات في تاريخ كرة القدم، فإن شخصيته المتكبرة واسلوب حكمه الدكتاتوري سيضمنان ذلك. رئيس الفيفا الفخري، قبل أن يستقيل من المنصب عام 2013 بسبب اكتشاف تورطه في تلقي رشاوي خلال فترة حكمه للفيفا، كان يضع نفسه في مصاف أهم الشخصيات على سطح الكوكب مستمداً ذلك الشعور من كونه مسؤولاً عن تسيير أمور ما كان يصفه “بالديانة الأولى في العالم”. هافيلانج لم يتردد مطلقاً في أي مناسبة أن يؤكد للصحفيين أنه يعتبر بمثابة رئيس ويجب معاملته بنفس الإحترام الذي يحظى به رؤوساء الدول. وأي صحفي كان يجرأ على طرح أي سؤال يتعلق بممارسات هافيلانج المالية المشبوهة أو بعلاقته الوطيدة مع هورت داسلر فإنه كان يطرد مباشرة من مكتب هافيلانج.
 
أي إنسان يمتلك مثل هذه الثقة بالنفس فإنه بالتأكيد لن يكون مهتماً بإقامة نظام حكم ديمقراطي داخل المنظمة التي يديرها. وبالفعل، فإن هافيلانج عامل الفيفا مثل ما عامل العديد من أصدقائه الدكتاتوريين في أميركا الجنوبية بلدانهم، كملكيته الخاصة. حيث حرص على إفراغ الفيفا من موظفيها الكفوئين وملأ لجنته التنفيذية بمجموعة من الرجال الذين لم يكن لديهم مشكلة بأن يتولى هافيلانج التفاوض مع شركة ISL بمفرده. أشهر الأمثلة عن ديكتاتورية هافيلانج يمكن تلخيصها في كيفية تخلصه من سكرتيره هيلمت كيزير والذي كان يشغر منصب سكرتير الفيفا العام منذ العام 1960 وعاصر كل من أرثور درويري وستانلي راوس قبل وصول هافيلانج إلى الرئاسة. مشكلة كيزير الأساسية مع هافيلانج كانت الطريقة التي تصرف بها الأخير مع أموال الفيفا. كيزير نبه هافيلانج أكثر من مرة أن الأموال التي تحصل عليها الفيفا من عقود الرعاية ليست أمواله الشخصية ليصرفها على سفراته الفخمة واسلوب حياته المترف. الأمر الذي أزعج هافيلانج بكل تأكيد. والحل كان بكل بساطة طرد الرجل الألماني الذي كان أحد أركان الفيفا وتعيين شاب سويسري لم يلعب كرة القدم في حياته اسمه جوزيف سيب بلاتر في مكانه، والمضحك في الأمر أن بلاتر تزوج من ابنة كيزير بعد أن احتل مكان والدها في العام 1980 !!
 
تصرفات هافيلانج في رئاسة الفيفا كانت تحمل كل مواصفات الدكتاتور. ففي العام 1994 تمكن من وأد محاولة كان تقوم بها بعض الإتحادات الأوروبية لترشيح سيب بلاتر لرئاسة الفيفا. ولكي يثبت للجميع أنه مازال قوياً قام بتغيير أعضاء أبرز لجان الفيفا بمفرده ودون استشارة أحد، ومن ثم انتظر انتهاء أعمال كونجرس الفيفا الذي سبق كأس العالم في أميركا ليتلو إلى الحاضرين التعيينات الجديدة.  كما هو متوقع، فإن التعيينات الجديدة أبعدت أي شخص أوروبي عن رئاسة أي لجنة في الفيفا وسلمت صهره، جواو تيكشيرا، مناصب مهمة وحساسة وهو لم يكن يفقه أي شيء في عالم كرة القدم. تلك الحادثة بالتحديد مثلت الشعرة التي قسمت ظهر البعير في علاقة الإتحاد الأوروبي مع هافيلانج، ليعلن لنيارت يوهانسن رئيس الإتحاد الأوروبي حينها عزمها منافسة هافيلانج خلال الإنتخابات المقبلة في عام 1998. لكن هافيلانج سرعان ما أعلن نيته عدم الترشح وعدم التدخل في العملية الإنتخابية. قبل أن ينكث بعهده، كما هو متوقع، ويتحول إلى الداعم الأول لجوزيف سيب بلاتر إلى كرسي الرئاسة.
 
 
كل ما سبق لا يهدف إلى تحطيم هيبة هافيلانج، إن كان قد تبقى أي شيء منها، لكنه يهدف إلى تسليط الضوء إلى الخلل الأساسي في الفيفا: نظام الحكم. فمن المعروف أنه لا يمكن لأي شخص، مهما كان دكتاتورياً، أن يتحكم بأي منظمة ديمقراطية كما فعل هافيلانج ومن بعده بلاتر بالفيفا. وبالتالي فإن تغيير”شخص” سيب بلاتر خلال الإنتخابات المزمع إقامتها في 26 شباط القادم لن يغير شيئاً من واقع كرة القدم. المطلوب هو تغيير كامل في أساسيات قوانين الفيفا. خصوصاً المبالغ الطائلة التي يحصل عليها أعضاء اللجنة التنفيذية، شفافية حسابات الفيفا، وإيصال أكبر عدد ممكن من اللاعبين السابقين إلى المراكز المهمة بدلاً من خبراء التسويق والإقتصاد. على أمل أن يكون ذلك خطوة في طريق العودة إلى المبادىء التي كانت تروج لها كرة القدم قبل أن يقتحمها هافيلانج. 

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة