خليل حرب-
«عاصفة السوخوي» تتلون بما تقتضيه ظروف الميدان، والسياسة. صواريخ «كاليبر» التي عصفت بمرتكزات مشروع الإطباق على سوريا بالكامل، من بحر قزوين، مثلت انتقالا نوعيا في مسار العملية العسكرية الروسية، بالضبط بعد مرور أسبوع على بدايتها، وتسببت بارتباك خصومها المتحالفين إقليميا ودوليا، لكنها تسير على ثلاثة إيقاعات أساسية، بانتظار أن تنجلي معاني تصريحات وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، بأن موسكو ستمنى قريبا بخسائر.
ولا ترقى تصريحات الوزير الأميركي، خلال اجتماع لحلف الأطلسي في بروكسل، إلى حد إعلان حرب، لكنها تنطوي على كثير من المعاني بعدما تبلورت أكثر طبيعة الحملة العسكرية الروسية، ووزعت رسائلها المدوية في كل الاتجاهات.
هل هو تهديد ضمني بـ «الأفغنة»؟ أي العمل على إجهاض الهجمة الروسية، من خلال رفع مستوى السلاح الذي جرى إغراق الفصائل «الجهادية» المتنوعة به من الخارج، بما في ذلك من الأميركيين والأتراك وبعض الخليجيين، طوال السنوات الأربع الماضية، تماما كما فعل الأميركيون لضرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان خلال الثمانينيات؟
وهل يبدو الخيار الأميركي هذا ممكنا، وعلى أي فصائل «جهادية» تعتزم واشنطن الرهان والروس لم يوفروا أحدا من غارات «السوخوي» والطوافات الحربية والصواريخ الخارقة للحدود وللحسابات السياسية والميدانية؟ على أي الفصائل سيكون الرهان، وغالبية المجموعات المسلحة تمارس عاداتها القديمة كلما انكسرت أمام هجمة، بإعادة فبركة انتصارات والحديث خلال اليومين الماضيين، لا على ارض المعارك، وإنما عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن «مجازر دبابات وطائرات» (تبين بعد التدقيق أن بعضها مقتبس من مشاهد قديمة وبعضها من الحرب الأفغانية قبل 30 سنة!)
هل ينكشف المستور، وتتخلى واشنطن عن «خجلها» الشكلي، مثلما يفعل حلفاؤها الأتراك وبعض الخليجيين، بتقديم دعم مباشر إلى الفصائل الأكثر تطرفا على الساحة السورية، نكاية بالخصم الروسي؟ وهل يدفع التحقيق الذي فتحه الكونغرس الأميركي بشأن إخفاق الاستخبارات الأميركية في توقع حجم التدخل الروسي ومداه، الإدارة الأميركية إلى محاولة التخلص من الحرج السياسي والأمني، بالإقدام على خطوات أكثر تهورا على الساحة السورية فيما خصمها فلاديمير بوتين، يمارس بكل هدوئه الاستفزازي لكثيرين، رياضة الهوكي احتفالا بعيد ميلاده؟
غدا ستنجلي الصورة أكثر على مسارين: ماذا سيفعل الأميركيون، وإلى أين ستذهب نتائج الأسبوع الأول من الضربات الروسية التي بدا واضحا من المشاهد المصورة خلال الأيام الماضية، وتغريدات المعارضة المسلحة وأنصارها، أنها أصابت وأوجعت في الصميم، في العديد من المواقع العسكرية المستهدفة بـ «عواصف السوخوي والكاليبر».
ومما قد يكون مؤشرا مهما على ما ينوي الأميركيون الذهاب إليه، إعلان كارتر خلال اجتماع بروكسل السوري الطابع، أن التركيز يجب أن يبقى منصبا على الأزمة الأوكرانية برغم الاهتمام الحالي الذي يبديه حلف الأطلسي بتطورات المشهد السوري الذي بحسب مصادر أميركية عدة، كان مربكا ومحرجا للقيادات العسكرية والأمنية والسياسية في واشنطن.
ومهما يكن، فإن الإناء ما زال يتسع للمزيد من التقديرات بشأن الأبعاد الاستراتيجية للدخول الروسي القوي إلى المشهد الإقليمي في المرحلة المقبلة، في حين أن القراءة الأولية لـ «عاصفة السوخوي» تندرج في إطار ثلاثة إيقاعات روسية أساسية حتى الآن:
1 ـ تمهيد ناري جوي.
2 ـ تحييد القوى الإقليمية وقضم نفوذها داخل سوريا، خصوصا تركيا.
3 ـ إرساء مجموعة أهداف تؤسس للإنجاز الميداني لاحقا (من بينها عرقلة الدور التركي ورفع المعنويات السورية والحلفاء وتأسيس الخطاب الإعلامي للمرحلة الجديدة).
وعلى الرغم من سيطرة الجيش السوري والحلفاء على مساحة عشرات الكيلومترات المربعة في ريف حماه، إلّا أن مصدرا ميدانيا مطلعا وضع ما جرى بأنه في إطار «الهجمة الاستكشافية، والاختبار الأولي لمدى تأثير الضربات الجوية على مناطق الاحتكاك مع فصائل المسلحين ودرجة تشتت صفوفهم وخطوط إمداداتهم الخلفية».
وربط المصدر الميداني تطورات المشهد العسكري على محاور مورك نحو ريف إدلب الجنوبي وخان شيخون واللطامية وغيرها في إطار التأمين التمهيدي للطريق نحو إدلب، وهي معركة آتية لا محالة.
وأشار المصدر إلى أن المعركة التي تكتسب دلالات لا تقل أهمية، هي ما جرى بالأمس في ريف اللاذقية، وخصوصا في تلال الجب الأحمر التي كانت تعرقل قدرة الجيش السوري على خوض معارك أكثر فاعلية في سهل الغاب الذي كان المسلحون استولوا على بعض قراه خلال الشهور الماضية، في حين تبقى الأنظار متجهة إلى قرية جورين التي قد تكون مرتكزا لأي عملية عسكرية باتجاه جسر الشغور المجاورة لها.
وبذلك، فان التحركات العسكرية الآن على الأرض تخدم سلسلة أغراض دفعة واحدة: استعادة جسر الشغور، حماية الساحل السوري واللاذقية، وتعزيز الاندفاعة الميدانية في حماه.
ولهذه المعارك أهميتها أيضا لأنها في الوقت ذاته تفتح احتكاكا مباشرا في ظلال الغطاء الجوي الروسي، مع «جيش الفتح»، الذراع التركية ـ القطرية لغرفة عمليات أنطاكية، وهو تجمع يضم في صفوفه «جبهة النصرة» وحركة «أحرار الشام» وغيرهما من الفصائل بما في ذلك أعداد كبيرة من المقاتلين الشيشان والأوزبك والإيغور، وهم بالمعنى الإيديولوجي المعلن، العدو المعلن صراحة من جانب الدولة الروسية.
وإلى جانب ذلك، فإنّ «عاصفة السوخوي» تتوخى أيضا ترجمة ميدانية لما يعنيه الاحتكاك الحدودي المباشر مع تركيا في مناطق الشمال السوري هذه، ومحاولة من الكرملين لترويض أنقرة وتعديل قواعد الاشتباك التي أرستها عبر جماعاتها المسلحة وحتى عبر القوات المسلحة التركية مباشرة خلال سنوات الحرب، سواء برا أو جوا، وانتهكها الروس مرارا خلال الأيام الماضية.
وبهذا المعنى، فإن المعارك المتعددة في الشمال السوري الآن، تؤسس للانتقال إلى تدحرج للعملية الروسية ـ السورية في المدى الأوسع للأهداف، غداة وجبة صواريخ «كاليبر»، المحرِجة للأميركيين والأتراك على السواء، وكأن بوتين يرسم من خلالها، الحدود الأوسع للمعركة التي يخوضها الآن إلى جانب دمشق وبغداد وطهران، فهل يقرر الأميركي الرد على نقلة الشطرنج الروسية، بحركة تديم الصراع أكثر.. بالسلاح والغرائز المذهبية؟
وكان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر أعلن في بروكسل أمس أن روسيا ستبدأ في تكبد خسائر بشرية في سوريا، بعد توسيعها حملتها العسكرية. وقال الوزير الأميركي خلال اجتماع لوزراء الدفاع في حلف الأطلسي إنه «سيكون لهذا (التدخل) عواقب على روسيا نفسها التي تخشى من هجمات»، مضيفا بشكل أكثر وضوحا: «خلال الأيام المقبلة سيبدأ الروس في تكبد خسائر بشرية».
واعتبر كارتر أن موسكو تبنَّت نهجا عسكريا طائشا حيث أنها تخاطر بحدوث تصادم بين الطائرات الأميركية وغيرها من الطائرات في السماء السورية، موضحا «لقد أطلقوا صواريخ كروز عابرة من سفينة في بحر قزوين دون إنذار مسبق، واقتربوا أميالا قليلة من واحدة من طائراتنا بدون طيار».
وذكرت مصادر دبلوماسية في حلف الأطلسي أنه لم يكن هناك إنذار مسبق من موسكو بإطلاق الصواريخ التي شكلت مفاجأة كبرى.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي