الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذا خرج اليوم الى الساحة العسكرية في الشرق الأوسط بعد طول صمت، إنما خرج لتحقيق مصالح معروفة أكان لروسيا أم لسوريا. بوتين “القيصر” لم يستعرض الدب الروسي عبثا، لمعرفته المسبقة أن في الإستعراض، إذا ما فشل، إنهاك خطير للقدرات العسكرية وضرب لمعنويات الجيش.
نموذج المدرسة العسكرية التي إنبثق منها بوتين، المتمرس في العسكر والإستخبارات، ليس نموذج المتسرعين في إتخاذ القرارات المصرية الحساسة لكنه في الوقت عينه الأجرء في اتخاذها.
اليوم وفي ظل الضربات الجوية الروسية في سوريا، ووحدات التدخل السريع بحرا وبرّا لحماية المنشآت الحساسة، وفي ظل إنشاء غرفة عمليات مشتركة للسيطرة والتحكم (روسية – إيرانية – سورية – عراقية) صوّبت البوصلة باتجاه حرب لاطائفية قائمة على تحارب محورين يضمان بالأعم الأغلب اللاعبين الأساسين في الحرب. تدخل العسكر ليس وليد قرار آني بضرب داعش ولا يختصر حتى بتأمين مصالح روسيا، بل هو االمرحلة الأولى لإعادة إرساء تعددية الأقطاب في نظام القوى العالمية. روسيا التي إنتهجت تكتيك المفاجآت أنهت بالضربة القاسمة الجولة الأولى من عرض العضلات، مركزة على عاملين إثنين: السرّية والتمويه في نقل الطائرات من قواعدها الى سوريا، وإطلاق الصواريخ الطوّافة كاليبر وكشفها عن مداها الحقيقي.
نقل الطائرات الحربية الروسية في منطقة نزاع جوي – راداري متقدم كمثل الأراضي السورية، دون أن يتمكن النظام الإستخباراتي الأمريكي من رصدها يعد تفوقا أمنيا – عسكريا كبيرا وصفعة موجعة وجهها الدب الروسي للنسر الأمريكي. حتى طائرات الإستطلاع والصور الفضائية فشلت بمنع المناورة الروسية من تحقيق هدفها بإنتقاء الزمان والمكان المراد منه إرباك الأعداء.
أما صواريخ كاليبر العابرة للقارات التي أصابت أهدافها بدقة عالية، فهي المفاجأة الكبرى حتى الآن، إذ قدرت وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية مداها بما لا يتجاوز ثلث مداها الحقيقي. الفشل الأمريكي بجمع المعلومات ينذر بما هو أعظم إذا ما تطورت الحرب الأمنية على محور تسليح المملكة العربية السعودية للمتطرفين للرد على التدخل الروسي.
هنا، يظهر جليا التخبط العلني للدول الحليفة للولايات المتحدة والعصب المشدود لمن يدور في فلك روسيا. المملكة المنغمسة بحربها في اليمن وكل دول التحالف، أفلسوا بعد فشلهم تحقيق أبسط أهداف العدوان. أما حلفاء روسيا الصامدين منذ ما يقارب الخمس سنوات إستحقوا دعما مباشرا من الأخ الأكبر لرد أهوال الأعداء. إيران التي خرجت بحلة جديدة بعد الإتفاق النووي، الإنجاز الديبلوماسي الأهم، تتجرء تقديم نفسها اللاعب الأقوى إقليميا وتذهب باتجاه عملية برية واسعة في سورية.
لطالما أصر الأمريكيون على عزل روسيا قدر المستطاع سياسيا، فإذا بالروس يدخلون ساحة اللعب العالمي من بابها العريض، باب العسكر. بينما يحبس العالم أنفاسه منتظرا ما سيحدث، تخطّ روسيا رسما النظام العالمي الجديد رويدا رويدا علها بذا تعيد بعض حقوقها المسلوبة وبعض حقوق الشعوب التي سلبت معها.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي