حلمي موسى-
على قاعدة «التراكمات الكمية تؤدي إلى تغييرات نوعية»، غيّرت إسرائيل من تعاطيها مع الهبّة الشعبية الفلسطينية، ولم تعد تعتبرها «موجة إرهاب» وإنما «حرباً وجودية».
وقبيل اجتماع طارئ للمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر للشؤون الأمنية، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قبوله أمر دراسة إعلان إغلاق كامل للأراضي الفلسطينية. وبدلاً من التوصيف الذي درج في الأسابيع الأخيرة على ألسنة قادة الأمن في إسرائيل، والقائل بأن العمليات فردية والتظاهرات عفوية، وإن كان سببها التحريض من جانب السلطة الفلسطينية أو الحركة الإسلامية، صاروا يتحدثون عن وجود «يد موجّهة» للهبّة.
وأمس تغيّر ميزان الدم، وتصاعدت العمليات الفدائية ضد الإسرائيليين في القدس ومناطق أخرى ما أودى بحياة ثلاثة من الإسرائيليين وجرح ما يزيد عن عشرين آخرين.
وبرغم الفارق في العدد، الا أن الأمور في إسرائيل لا تقاس فقط بمقياس الدم، فالخوف كان سيد الموقف في المجتمع الإسرائيلي الذي ارتدى شيبه وشبابه «لباس الميدان»، وحملوا أسلحتهم بعدما عمّت المخاوف المدن والبلدات الإسرائيلية.
وأشارت الصحف الإسرائيلية إلى موجة خوف شديدة دفعت بالكثير من الناس إلى عدم التوجه إلى أعمالهم، بل والبقاء في البيوت تجنباً للاضطرار لحمل أطفالهم إلى رياض الأطفال.
ومن بين الأرقام الدالة، ما أعلن عن تراجع أعمال البناء نظراً لعدم توجه 80 في المئة من العمال إلى مواقع عملهم. كما أن البورصة الإسرائيلية شرعت في تسجيل خسائر ملموسة بسبب الإحساس المتزايد بفقدان الأمن.
وعدا العمليات التي نفذها فلسطينيون ضد إسرائيليين، كان المشهد الأبرز يوم أمس، هو الإضراب الشامل في المناطق العربية داخل الخط الأخضر. وقد توج هذا الإضراب بتظاهرة ضخمة في سخنين ضمّت ما لا يقل عن عشرين ألفا هتفوا لفلسطين وحقها ونصرة للقدس وأقصاها. كما أن قطاع غزة أسهم بدوره في المواجهات مع قوات الاحتلال على طول الحدود، حيث تم اقتحام الحدود من مواقع عدة. وأعلنت القوات الإسرائيلية أنها اعتقلت ما لا يقل عن خمسين فلسطينيا من قطاع غزة اجتازوا الحدود أثناء المواجهات.
واعتبر المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل أن سلسلة العمليات في القدس ورعنانا على وشك أن «تملي تغييراً جوهرياً في طابع الرد الإسرائيلي على الهجمات الإرهابية التي تعربد منذ حوالي أسبوعين».
وأوضح أن هذه العمليات «تعيد إسرائيل بسرعة إلى أيام الخوف في مطلع العقد الماضي وهي ستلزم نتنياهو بخطوات أشد حدة وحزماً. وبعد سبعة أيام متواصلة تقع فيها يومياً عمليات طعن عدة، يتبلور وضع طوارئ على الدولة أن تتخذ فيه خطوات دفاعية مناسبة».
وتكاثرت الاجتماعات التشاورية سواء على صعيد الجيش أو الشرطة، فضلا عن الوزارات المختصة.
وفي أعقاب تزايد العمليات في القدس، عقد وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان اجتماعا تشاوريا طارئا لتقدير الوضع واتخاذ خطوات عاجلة لتهدئة الأجواء. وسادت الاجتماع قناعة بوجوب إغلاق الأحياء العربية في القدس الشرقية وتسهيل منح تراخيص السلاح الفردي لليهود.
ومثّل هذا الاجتماع تمهيداً للاجتماع الطارئ للمجلس الوزاري المصغّر الذي دعا الى انعقاده نتنياهو ليل أمس، للبحث في الخطوات الواجب اتخاذها لمواجهة التطورات.
وقيل إن قادة الأجهزة الأمنية عرضوا خطة لمعالجة العمليات التي تقع داخل الخط الأخضر. وقد قرر نتنياهو بعد الاجتماع الطارئ الأول العودة الى عقد اجتماعٍ ثانٍ ليلة أمس، للمجلس الوزاري تأكيدا على خطورة الوضع.
وقد عرض نتنياهو في الاجتماع الوزاري المصغر أمس تدابير ينوي تنفيذها بينها إلغاء إقامة المتهمين بتنفيذ عمليات في القدس الشرقية وعائلاتهم، وسحب الجنسية الإسرائيلية ممن يكونون من مواطني إسرائيل وتسريع إجراءات هدم بيوتهم. واتخذ الاجتماع الوزاري قرارات من بينها « اغلاق المتنفس» حول أحياء معينة في القدس الشرقية بما في ذلك نصب حواجز على مداخل هذه الأحياء. وتقرر نشر المزيد من قوات الجيش الإسرائيلي على الطرق الرئيسية في القدس في محاولة لمساعدة الشرطة.
وألقى نتنياهو أمس خطابا في الكنيست أعلن فيه أن إسرائيل ستتخذ قرارات «بشأن سلسلة إجراءات حازمة» وأعلن أن «هذه هي الساعة لحكومة وحدة وطنية».
وحذر نتنياهو الرئيس الفلسطيني محمود عباس داعيا إياه لوقف التحريض، ومطالبا إياه «بمحاربة المتطرفين».
وقال: «قبل ساعة عقدت المجلس الوزاري المصغر، ومن هنا سأعود لمناقشاته، وسنتخذ سلسلة تدابير حازمة أخرى في حربنا ضد جهات التحريض والإرهاب. وسيتم تنفيذ التدابير بسرعة على الأرض. وإسرائيل ستصفّي الحساب مع القتلة، ومع من يحاولون القتل ومن يستعدونهم. وهم ليس فقط لن يتمتعوا بحقوق، سوف نجبي منهم الثمن. من يهدد بضربنا، سنقطع يده. سنستخدم، ولن نتردد، كل الوسائل المتوفرة لدينا من أجل إعادة الهدوء لمواطني إسرائيل».
وأضاف نتنياهو: «نحن في صراع، وهذا صراعنا جميعا وسنصمد فيه. لقد صمدنا في مواجهة موجة إرهاب وهزمناها، ولم تحقق أهدافها. نحن نركز على مهمتنا في محاربة القتلة والمحرضين. وأنا واثق أن الخطوات التي سوف نتخذها ستقود إلى فهم في الجانب الآخر بأن إسرائيل باقية إلى الأبد».
وطالب نتنياهو فلسطينيي 48 بعدم «الانخداع» بمن وصفهم بـ «المحرّضين»، قائلاً «نحن نعيش سويا ونؤمن بالتعايش. وسهل قطع الخيوط التي تربط بيننا».
وخلافا للتقديرات الأولية، أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية الى ان أجهزة الأمن، وبعد التحقيق في الهجمات التي ينفذها فلسطينيون، صارت تبلور تقدير موقف يرى وجود يد موجهة خلف الأحداث.
ونقلت عن مصادر في الشرطة و «الشاباك» قولها إن التقديرات تتزايد بأن عمليات الأمس في القدس وفي رعنانا لا تندرج في ظاهرة «المنفذ المنفرد»، وأنها عمليات إرهابية خطط لها سلفا.
ويقول هؤلاء إن التشابه بين العمليات والتزامن في تنفيذها يوحي بوجود تنسيق مسبق وبالتالي يد توجه.
ومع ذلك لا تجزم الجهات الأمنية الإسرائيلية بهذا التقدير لكن من المؤكد أن الإشارة إليه يدخل في دائرة التمهيد لتصعيد إسرائيلي ملموس.
وفي كل حال، وبرغم طلب نتنياهو من وفد الرباعية الدولية عدم القدوم الى المنطقة هذه الأيام، تزايدت التقارير حول محاولات غربية للتدخل. ويبدو أن بعض هذه التدخلات تتم عبر دول عربية للضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للعمل على تهدئة الوضع ومنع انفلات الأمور واندفاعها نحو انتفاضة ثالثة.
وهناك خشية متزايدة في الأوساط الإقليمية والدولية من أن انتفاضة ثالثة تعني عملياً انهيار السلطة الفلسطينية سواء بسبب ضربات إسرائيلية أو جراء عدم تماثل الجمهور الفلسطيني معها.
وخلافا للانطباع الأولي بأن الدول الغربية، ونظرا لعدم قدرتها في الماضي على التأثير في الميدان، عمدت إلى تجنب التدخل ثمة إشارات متزايدة من جانب أميركا والاتحاد الأوروبي بالتدخل حتى مع الإسرائيليين لتهدئة الوضع.
في كل حال، وبرغم التحريض الذي يمارسه قادة الحكم في إسرائيل، ثمة أصوات بدأت ترتفع في الأوساط العسكرية تحذر من الانفجار الهائل المقبل. وتحت عنوان «انتفاضة الشباب» كتب المعلق العسكري لـ «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان أنه «لا حل هادئاً ومنطقياً لانتفاضة الشباب الجارية هنا منذ شهر». وبعد أن يشرح واقع أن من يشاركون في الانتفاضة هم شباب دون العشرين من عمرهم يعرض لاحصائيات حول البطالة الهائلة وانعدام الآمال واحتقار الشباب لإسرائيل والسلطة على حد سواء.
ويتحدث عن جيش العاطلين المتعلم الذي يتخرج سنويا من جامعات فلسطين وكلياتها أربعين ألفا كل عام. ويشير إلى أن 14 في المئة من سكان غزة لديهم شهادات جامعية فيما معدل البطالة عندهم 63 في المئة. ويخلص إلى أن «هذه المادة المتفجرة المعتملة لا يمكن وقفها دفعة واحدة. ويشدد على أن نتنياهو، كما يبدو، ومن يحيط به لا يستوعبون هذه المعطيات ولا تهمّهم.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي