فرنسا: السياسة على مائدة وجبات المدارس

هيو سكوفيلد – تمر فرنسا بواحدة من فترات “العلمنة”.. هذا الداء الذي يصيب الروح الوطنية في البلاد، وتظهر أعراضه في محاربة أية مظاهر للدين.
 
والأمر يتعلق هذا المرة بوجبات المدارس، فيما يعلق بالجدل حول إلزام مجالس المدينة بتقديم وجبات للأطفال المسلمين خالية من لحوم الخنزير.
 
وقد يبدو الأمر بسيطا في بعض البلدان، بحيث تتم الاستجابة لهذا المطلب. لكن في فرنسا، الأمر ليس بهذه البساطة.
 
وثمة مبدأ مترسخ في أسلوب الحياة الفرنسي، وهو منع أية لمحة لأي مظهر من مظاهر العقائد في المؤسسات العامة. وهذا الأمر متأصل في العقد الاجتماعي الفرنسي منذ أكثر من مئة عام.
 
لذا، فالأمر لا علاقة له بصحة أو خطأ مبدأ فصل الدين عن الحياة العامة، فجميع أطياف الفرنسيين يعتبرونه جزءا أساسيا من التراث السياسي الفرنسي.
 
الأمر الآن يتعلق بطريقة ممارسة هذه العلمانية، إن كان يجب الالتزام بها حرفيا كما في الماضي، أو إن كانت الظروف الجديدة، مثل وجود ملايين المسلمين، تتطلب نوعا من المرونة.
 
الأصولية أم البراغماتية
 
وعادة ما يجري صراع في فرنسا بين الالتزام بالمبادئ والأصولية أو البراغماتية. وعادة ما تنتصر الأصولية.
 
وثار الجدل الأخير بعد قرار من بلدية برغاندي بوقف ما يُعرف بـ “الوجبات البديلة”.
 
وعلى مدار ثلاثين عاما، كانت المدارس في البلدة تقدم وجبات بديلة للأطفال المسلمين واليهود في الأيام التي تقدم فيها وجبات تحتوي على لحم الخنزير.
 
لكن مع بداية العام الدراسي الشهر الماضي، قرر عمدة البلدة اليميني، جيل بلاتريه، إلغاء هذه الوجبات، بحجة أنها تخالف مبادئ العلمانية في البلاد.
 
ومنع هذه الوجبات من وجهة نظر مؤيدي القرار ليس هجوما على أقلية، بقدر ما هو خطوة إيجابية نحو تطبيق الحياد الصارم.
 
والقرار لا يستهدف الجالية المسلمة، لكنه يحافظ على المجتمع من التفتت إلى قطع منفصلة، وهو ما يرى بعض الفرنسيين أنها أحد مظاهر “التعددية الثقافية” التي تعاني منها المملكة المتحدة.
 
ويقول بلاتريه إن الأطفال بإمكانهم تناول المقبلات والخضروات، أو إعداد طعامهم الخاص، أو الذهاب إلى منازلهم. أو يمكن للآباء إلحاق أبناءهم بالمدارس الإسلامية الخاصة.
 
كما أشار إلى أن الأطفال عادة لا يقربون لحوم أخرى غير الخنزير لأن اللحوم المقدمة في العموم ليست حلال. لذا، يرى أن الجدل حول قراره أمر مصطنع.
 
استفزاز غير ضروري
 
وفي المقابل، يرى البعض أن القرار كان تصرفا استفزازيا، وغير ضروري، وبدافع سياسي.
 
وتتهم الحكومة الاشتراكية بلاتريه بـ “اتخاذ الأطفال المسلمين رهائن”.
 
وبحسب وزيرة التعليم الفرنسية، نجاة بلقاسم، إن الأمر أشبه “بمنع الأطفال من دخول صالة الطعام” لأن آباء الأطفال المسلمين سيوجهونهم للابتعاد عن المكان.
 
ويرى اليسار أن هذا القرار محاولة من الجمهوريين (حزب الرئيس السابق نيكولا ساركوزي) لكسب أصوات الجبهة الوطنية، وهو أمر يصعب تجاهله.
 
ويبدأ ساركوزي حملته للترشح للانتخابات الرئاسية عام 2017، ويعلم تماما أن هذا الكثير من الأصوات اليمينية.
 
وقد أعلن ساركوزي تأييده لقرار بلاتريه، حتى أن الكثيرون يرون أن القرار ما هو إلا جزء من حملة ساركوزي.
 
ويقول نقاد إن القرار ليس تنفيذا للعلمانية، وإنما “استغلال للعلمانية”.
 
وبحسب نيكولا كادينيه، رئيس “مرصد العلمانية” التابع للحكومة الفرنسية، فإن العلمانية “لا تهدف إلى محو كل علامات الاختلاف في المجتمع”. وأضاف أنه لا توجد أي مطالب بإلغاء الوجبات البديلة، مما يرسخ الاعتقاد بأن القرار سياسي.
 
وقال إن حل الأمر في غاية البساطة، وهو تقديم وجبات أكثر تنوعا، وهو الأمر الذي تنفذه أغلب المقاصف المدرسية بعد توافر الخدمة الذاتية. كما أنه لا يوجد سبب لخلق حالة غير لازمة من الجدل حول الدين.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة