من السهل اقتلاع السلاح من يد الإرهابي، أو تفكيك عبوة زرعها تكفيري ليفجّر بها أبرياء، أو حتى نزع حزام ناسف زنّر إنتحاري به نفسه، إلّا أنّ نزع الفكرة التكفيرية الذي شرّع به الإرهابي لنفسه قتل الآخرين هو الأصعب. وعليه يستحيل أن تتمّ مكافحة الإرهاب بالذراع العسكري والأمني فقط، بل يحتاج ذلك إلى استئصالٍ من الدماغ قبل الذراع… وهنا الأساس.تدرك روسيا الإتحادية وعلى رأسها الرئيس فلاديمير بوتين أنّ الإتحاد السوفياتي السابق قد تمّ تفكيكه بالذراع الإسلامي التكفيري (الأفغان العرب) المستند الى الفكر التكفيري الذي أجاز قتالَ «الشيوعية» وأهلها.
وهزم الإتحاد السوفياتي بالثقافة التكفيرية المحمولة في الأدمغة قبل ساحات القتال والصواريخ المحمولة على الأكف التي استهدفت طائراته وآلياته العسكرية، لتجتاح من بعدها الأفكار التكفيرية مساحة واسعة عن تلك التي كانت تشغلها الإشتراكية ذات الجذور السوفياتية في العالمَين العربي والإسلامي، فخلع كثرٌ من مريدي الماركسية عنهم ثوب العلمانية لينخرطوا في الجماعات الإسلامية المتشدّدة.
وعليه لن يكتفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المصنّف أقوى رجل في العالم للسنة الثالثة على التوالي، بحسب لائحة لمجلة «فوربس» الأميركية، باستخدام ذراع السوخوي في مواجهة الإرهاب الذي بدأ يشكل خطراً جدّياً على روسيا الإتحادية التي تحاكي اليوم الإتحاد السوفياتي في ذروة نفوذه في العالمَين العربي والإسلامي، بل إنّ توجيهات مبكرة وقبل عاصفة السوخوي قدّ أصدرها الرئيس بوتين الى فريقه ومستشاريه لمقاربة العلاقة مع العالم الإسلامي وتشريع باب النقاش الفكري على مصراعَيْه مع المكوّن الإسلامي داخل دول الإتحاد الروسي الذي يُقدَّر عدد المسلمين فيه بقرابة الثمانية وعشرين مليوناً، يشكلون حوالى 20 % من السكان (مسلم واحد من كلّ خمسة روس) وتعتبر اكبر أقلية دينية. فضلاً عن المسلمين الموجودين في المحيط القريب في دول البلقان الذين انفصلوا عن الإتحاد السوفياتي.
ومن ضمن الآليات التي وضعتها الحكومة الروسية لذلك، إضافة الى الفضائيّات والإذاعات ووكالات الأنباء الناطقة بالعربية تمّ تأسيس «مجموعة الرؤية الاستراتيجية- العالم الإسلامي و روسيا» في عام 2006 تحت قيادة رئيس الوزراء الروسي السابق بريماكوف والرئيس السابق لجمهورية تتارستان مينتيمير شايمييف.
وقد حرص رئيس الاتحاد الروسي فلاديمير بوتين على تخصيص المجموعة بالدعم المباشر الذي كان يعبّر عنه برسائل ترحيبيّة عند كلّ اجتماع، مؤكداً في كلّ خطاب على الشراكة الاستراتيجية مع العالم الإسلامي، إلّا أنّ عمل هذه المجموعة التي تعتبر واحدة من أبرز صلات الوصل الفكرية بين روسيا والعالم الإسلامي قد تجمّد بعد خمسة اجتماعات في موسكو، قازان، اسطنبول وجدة والكويت، لتعود وتتزخّم بقرار من بوتين نفسه مع وصول المسمى «الربيع العربي» الى ذروته وقبيل عاصفة السوخوي في العام الحالي.
وتحت عنوان «الدين الإسلامي ضدّ التطرّف» عقدت المجموعة في موسكو في تشرين الاول مؤتمرها السادس بناءً على اقتراح من وزير الخارجية سيرغي لافروف. وحضره مفتون وعلماء مسلمون في محاولة لتأسيس حلقة نقاش فكرية- علمائية لصياغة مرحلة جديدة من خلال معالجة واحدة من المشكلات الأكثر إلحاحاً، مكافحة الإرهاب والتطرّف على وجه التحديد كما جاء على لسان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.
وفي الخامس من الشهر المقبل وفي إطار إعلامي اكتملت التحضيرات لعقد مؤتمر بطابع بحثي- إعلامي سيشارك فيه إعلاميون من العالمَين العربي والإسلامي وللبنان حصة ثنائية لشخصيّتين إعلاميّتين.. فهل بدأت العاصفة الفكرية الروسية في العالم الإسلامي تشقّ طريقها الى العقول والشاشات العربية؟
وماذا بعد المؤتمر المقبل؟ وأيّ استراتيجية ستنتهجها روسيا لمواجهة حملة شيطنتها؟
اسئلة يجيب عليها دبلوماسي روسي بالقول: «روسيا اليوم في قلب المشهد العالمي وصياغة نظامه الجديد، والعالم الإسلامي شريك إستراتيجي سيُصار الى تعميق العلاقة معه أكثر وأكثر وهذه المرة بمصالحة مع جوهر الدين الإسلامي القائم في جذوره على الإعتدال وليس على التطرّف».
ويكشف الدبلوماسي الروسي المعني بالتعاطي مع العالم العربي أنّ أجندة العام 2016 حبلى بالعصف الفكري والإعلامي الى جانب السوخوي لاستئصال الإرهاب من جذوره العقائدية قبل أشواكه التفجيرية.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي