الوجوه الأربعة لفساد الفيفا (1)‎

تحقيق | أليف سبع –
 
“الفيفا: منظمة إجرامية عالمية تنظم أحياناً مباريات لكرة القدم!” بهذه الجملة القصيرة والمعبرة اختصر الكوميدي البريطاني جون أوليفر التاريخ الأسود للمنظمة المسؤولة عن اللعبة الشعبية الأولى في العالم. مصداقية الفيفا أصبحت في أسوأ مستوياتها في التاريخ بعد سيل الحقائق والمستندات التي كُشفَ عنها مؤخراً والتي تؤكد أن الفساد كان جزءاً أساسياً في ثقافة في الفيفا. رئيس الفيفا المستقيل/الموقوف جوزيف سيب بلاتر، وفي محاولة بائسة لإنقاذ ماء الوجه، أعلن عن تشكيل “لجنة إصلاحات” مهمتها تقديم إقتراحاتها لكونجرس الفيفا الإستثنائي الذي سيعقد في السادس والعشرين من شباط المقبل. لكن قبل ذلك فإن مقترحات هذه اللجنة ستطرح أمام لجنة الفيفا التنفيذية خلال إجتماعها الذي سينعقد في الثاني والثالث من الشهر القادم في زيورخ. لكن إن كنا سنتمكن من سماع هذه الإقترحات والحكم على مدى فعاليتها فيجب علينا في البداية فهم المشكلة التي تحاول هذه اللجنة حلها، أو بمعنى آخر: كيف كان يجري الفساد داخل الفيفا؟ خلال السطور التالية (التي قد تكون طويلة لكن كيف تلخص عقوداً من الفساد ببضع كلمات !!!) سنحاول أن نوضح لكم النقاط الأساسية التي يستغلها مسؤولو الفيفا لتحقيق مصالحهم الشخصية بإستخدام أمثلة حقيقية من تاريخ الفيفا الأسود.
 
1-     التلاعب بالأصوات
 
في “المدينة الفاضلة” يجب أن تكون الحملات الانتخابية عرضاً لمشاريع المرشحين ومحاولة لإقناع المصوتين بقدرة المرشح على قيادة المؤسسة نحو الأمام، لكن ليس في الفيفا. الحملات الإنتخابية في الفيفا هي مناسبات لتوزيع الخدمات والهدايا على المصوتين وشراء الأصوات بكافة الطرق الممكنة. جواو هافيلانج، الرجل الذي يعتبره الكثيرون الأب الروحي للفساد في الفيفا، بدء عادة شراء الأصوات في أوائل السبيعينات عندما كان يسافر حول العالم وهو يوزع الوعود والهدايا على دول أفريقيا وآسيا الشرقية قبل أن يتمكن من إزاحة السير ستانلي راوس من رئاسة الفيفا. سيب بلاتر، التلميذ النجيب، أعاد في العام 1998 ما فعله هافيلانج من قبله، لا وبل تفوق عليه، فبعد أن استغل منصبه كسكرتير للفيفا للتنقل حول العالم على حساب الفيفا، وزع الرجل السويسري خمسين ألف دولار في ظروف صغيرة على المصوتين في الفندق الذي استضاف كونجرس الفيفا في باريس. بلاتر لا ينكر توزيع هذه المبالغ لكنه يفضل تسميتها “دفعات مسبقة على منح من الفيفا” (من كان يعرف أن الفيفا توزع منحها في ظروف بنية توضع تحت أبواب غرف الفنادق!!).
 
الوصول إلى السلطة المطلقة لا يمكن أن يتم بمجرد الوصول للرئاسة، لذلك كان من المهم لبلاتر من أن يضمن وصول أشخاص “يمكنه الإتفاق معهم” إلى مناصب مهمة في رئاسة الإتحادات الوطنية والقارية حول العالم. أبسط وأوضح الامثلة عن هذه السياسة كان الدعم المطلق الذي تلقاه جاك وارنر من بلاتر في حملته لزيادة عدد اتحادات منطقة أميركا الوسطى والسيطرة المطلقة على أصوات المنطقة والتي تحولت إلى أكبر مراكز الدعم لبلاتر. ميشيل بلاتيني هو الآخر تلقى دعماً مالياً ومعنوياً كبيراً من بلاتر قبل أن يتمكن من إزاحة لينارت يوهانسون من رئاسة اليويفا.
 
لكن كالعادة فإن مثل هذا الحجم من الفساد لا يحدث دون قليل من الدعم. فكيف كان باستطاعة بلاتر وهافيلانج من قبله دفع التكاليف الخيالية لرحلاتهم حول العالم أثناء حملاتهم الإنتخابية، ومن كان يعمل في الخفاء لإقناع المصوتين بالتصويت لمرشح بلاتر؟ ببساطة: رجال شركة أديداس!! الشركة الألمانية التي كان يرأسها هورت داسلر، أو عراب الترويج الرياضي، كانت من أولى الشركات الرياضية التي أدركت حجم الأموال التي يمكن جنيها عبر رعاية فرق ومسابقات كرة القدم. لذلك كان من الضروري لها أيضاً أن يصل مرشحوها إلى مناصب السلطة. داسلر وضع يده بيد هافيلانج منذ اليوم الأول لوصول البرازيلي إلى رئاسة الفيفا، وسويةً غيّر الرجلان وجه كرة القدم. أموال داسلر وعلاقات رجاله والذين كانوا يعملون كـ”مديري حملات” لبعض المرشحين أوصلت رجال هافيلانج وبلاتر إلى المناصب العليا ومكنته من وضع شعار شركته على كل حدث ترعاه الفيفا.
 
وبالرغم من أن كل هذا يبدو معقداً وغامضاً إلا أن بعض الأساليب التي ابتعها بلاتر وأتباعه للتلاعب بالأصوات كانت بسيطة جداً. في العام 1996 قدم جواو هافيلانج إقتراحاً لزيادة عدد أعضاء اللجنة التنفيذية. الدكتور جان-ماري كايس، رئيس إتحاد هاييتي اتصل قبيل بداية الكونجرس برئيس إتحاد الكونكاكاف مخبراً إياه أنه لن يتمكن من الحضور بسبب نقص الأموال في الإتحاد. لكن جاك لم يكن بإمكانه التفريط بأي صوت، فمعظم دول الإتحاد الأوروبي كانت تعارض هذا المقترح والذي رأته كمحاولة من هافيلانج لمنح مؤيديه (خصوصاً منطقة الكونكاكاف) مقاعد إضافية في اللجنة الأهم في الفيفا. وبكل بساطة قام وارنر بوضع صديقة رئيس إتحاد جامايكا، أحد أعوان وارنر المخلصين، في مقعد إتحاد هاييتي وطلب منها التصويت بنعم. “الغريب” في الموضوع أن جميع ممثلي إتحادات الكونكاكاف الذين كانوا حاضرين لم يستطيعوا تمييز الإختلاف في مظهر الدكتور كايس رغم أنه كان حاضراً معهم قبل شهر في كونجرس الكونكاكاف في المكسيك. عامان بعد هذه الحادثة كان موعد إنتخاب الرئيس الجديد للفيفا، والمنافسة كانت محتدمة بين يوهانسون وبلاتر وكل صوت كان يهم. بطل هذه القصة مرة جديدة كان الدكتور كايس من هاييتي، والذي منعه نظام الحكم القمعي حينها في هاييتي من السفر. فما كان منه إلا أن اتصل بجاك وارنر مرة جديدة، لأنه لم يخبره أحد بما جرى بمقعده من سنتين، وأخبره بأن يشير أثناء خطابه أمام الكونجرس إلى مقعد هاييتي الفارغ كإشارة إلى التدخل السياسي في شؤون كرة القدم. لكن وارنر لم يكن لديه الوقت لمثل هذه اللحظات العاطفية، فهدفه الأساسي كان إنتخاب سيب بلاتر رئيساً للفيفا. وبما أن رئيس إتحاد جامايكا جاء بمفرده هذه السنة، اضطر وارنر إلى الإستعانة بمساعده الترينيدادي نيفيل فيرغسون للجلوس في مكان كايس. ومرة أخرى لم يلحظ أي أحد إختلاف المظهر حتى عندما تكلم فيرغسون بالإنجليزية بدلاً من الفرنسية التي هي اللغة الرسمية في هاييتي.
 
كل هذه الطرق الفاسدة في كسب الأصوات كانت في السنوات الأولى لحكم بلاتر، والذي أيقن أنه لن يكون بإمكانه الإستمرار بهذا النسق للأبد وفعل كل ما بإمكانه لملأ كافة اللجان الأساسية في الفيفا بمؤيديه. وبالتالي، فإن النصف الثاني من العقد الماضي لم يعد يشهد أي من هذه المظاهر بشكل واضح، سوى أثناء عمليات التصويت على مكان إقامة كؤوس العالم، ولكن ذلك كان بسبب السيطرة المطلقة التي كان يفرضها بلاتر على الفيفا. أحد أساليب فرض هذه السلطة كان “مشروع الهدف” الذي استخدمه بلاتر كوسيلة شرعية لتوزيع الأموال على الإتحادات الفقيرة المالية وضمان أصواتها. 

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة