من أسس داعش؟

العميد المتقاعد بسام سعد –
ان المقالات المتتالية الحاضرة ليست من جعبة كاتبها الا قطعا بسيطة. ذلك لان الموضوع المطروح وهو «الدولة الاسلامية» طرح غامض لا تتراءى عناصره بسهولة للمراقب.
 
لذلك اكثرنا الاستعانة بالاخصائيين الذين قاربوا هذا التنظيم، ومنهم قلّة دخلوا به وعاشوا فترة في ارجائه، كالصحافي الالماني كريستوفر رويتر.
 
ان ما سيجده القراء الكرام معلومات مثيرة ومنوّرة، ذلك لانها صحيحة وقائمة. هذا ولا يزال يبقى الكثير من الوقائع خفيّة علينا. ربما ان المستقبل يتيح لنا سبر اسرارها.
 
ان الرواية تبدو سهلة في الظاهر لكن فهمها عسير. فكل شيء بدأ سنة 1989 عندما غادر ابو مصعب الزرقاوي الاردني – تنفيذا لاوامر مرشديه الاسلاميين – والتحق بالجهاديين في افغانستان. مضت عشر سنين وابو مصعب الزرقاوي يجاهد في وسط اسيا، في افغانستان ولم يبتعد بالفعل عن الساحة الشرق اوسطية. فقد حضر اغتيالات شتى في منطقتنا وهذا ما جعله يدخل السجن لعدة سنوات في الاردن. الا ان المنظمة الارهابية العظمى انذاك، «القاعدة» حررته من الاعتقال وساعدته لاقامة معسكر في «حرات» غربي افغانستان.
 
وابو مصعب الزرقاوي هذا، هو حسب اسمه بالولادة. احمد فاضل، ولد في الزرقا سنة 1966. ان احمد لم يكن تلميذا لامعا، لذا فقد ترك مقاعد الدراسة باكرا وعمل في محل «فيديو» متواضع للغاية.
 
اين نبتت الدولة الاسلامية ومن اسسها؟
 
قامة احمد فاضل معتدلة وجسمه ميال قليلا للسمنة. نظره ضعيف لذا، يضع نظارتين سميكتين على وجهه. يشرب الكحول بكثرة ويتعاطي المخدرات وفق تقارير امنية غربية وقد استدعته الشرطة عدة مرات للتحقيق معه بتعاطي الممنوعات.
 
هذه التصرفات تفيد التقارير التي نشرت بعد وفاته سنة 2006 ان والدته كانت قررت ان تسلم رعايته الى مؤسسة رعوية اسلامية بغرض اعادة تأهيله، لكن الشاب ذهب غير مذهب ويعتقد انه هو الذي وضع اسس الدولة الاسلامية التي احتوت فيما بعد وفاته زهاء ثمانية عشرة ملايين نسمة ما بين العراق والشام.
 
وهذا ما هو مذهل وصعب التفسير والفهم. كيف ان رجلاً بهذه الصفات الساذجة قد تمكن من ارساء «دولة» ولو عابرة – وفق بعض المتكهنين – مترامية الاطراف في شمال العراق وشرق سوريا.
 
ان جانبية «ابو مصعب الزرقاوي» لمن عرفه عن كثب هو طبعه عنيف يميل الى الاذية. لا ثقافة لديه البتة ولا تربية مدنية. هو من حرض على قتال الشيعة وابادتهم في العراق وقد تابع عناصر «داعش» ما بدأه الزرقاوي بابادة اليزيديين والصائبة والقاقايس والشباق والمسيحيين وغيرهم. والمعروف ان العراق، تاريخيا هو موطن رحب لجماعات واديان غريبة على معرفتنا بعقائدها وثقافاتها. قبل قدوم «الدولة الاسلامية» وقرائنها، كانت هذه الجاليات تعيش بوئام تام فيما بينها ومع الاسلام السائد…
 
لنعد لبطلنا الزرقاوي، فقد قتلته غارة جوية شنتها القوات الاميركية سنة 2016. مات الزرقاوي لكن حركته بقيت بل ترعرت واتسعت حتى اصبحت حديث الناس وحصرية الوسائل الاعلامية.
 
تكهن الجميع من المحللين والخبراء انه بقدوم القوات الاميركية الى العراق ستتداعى فلول الاسلاميين والارهابيين. لكن ما حدث هو العكس… فقد تعاظم امر القوى التقويضية بشكل مذهل. ولا يزال. فكان في العراق ما بين 2003 و2011 زهاء 000،180 جندي واسطول جوي مرعب وبوارج في المياه المحيطة وميزانية حرب شهرية تفوق المئة مليون دولار…
 
رغم ذلك فقد تنامت الحركات الاصولية حتى انست جميع النزعات السياسية والحزبية وتصدرت موقع التهديد الاول للمحتل الاميركي وحلفائه.
 
صحيح ان المنظمة التي تركها الزرقاوي والتي اضحت «الدولة الاسلامية» قد غيرت اسمها عدة مرات وتبوأ قيادتها اربعة امراء. الا ان «الداعشيين» لا يزالون يعتبرون «الزرقاوي» زعيمهم التاريخي ومؤسس تنظيمهم ولا تزال هناك تكهنات وشروحات حول الاسباب التي رسخت اقامة «الدولة الاسلامية» رغم الموانع.
 
فالحقيقة ان بعض هذه الاسباب المذكورة صحيح لكن في الواقع تبقى علامة استفهام كبيرة حول وضع الدولة الاسلامية وتعاظمها منذ سنة 2013 حتى الآن.
 
ومما يذكره المحللون – وهم على حق – هو السخط السني اجتاح العراق خلال السنوات العجاف التي مارس فيها نوري المالكي سياسته المنحرفة نحو الشيعية السياسية.
 
هذا دون شك ما فتح الباب للدول النفطية الخليجية السنية ان تدعم الحركات السنية المتطرفة ولو انها ترى ريباً مستقبلياً تجاه انظمتها.
 
فقد ذكرت السيدة البريطانية Enna Sky في كتابها المتعمق «الانحلال والامال المحبطة والفرص الضائعة في العراق»، الذي نشر سنة 2015 من قبل «الشؤون العامة» الاميركية Public Affairs.
 
هذا العمل يحكي عن تفاقم غضب السنّة العراقيين، وقد استجلبها الاميركيون لتكون خبيرة في الشرق الاوسط بقربهم وان تسدي لهم نصائح ميدانية، وذلك ما بين سنين 2003 و2010، وكانت السلطات الاميركية قد حذفت من القوات المسلحة العراقية جميع الضباط البعثيين المقربين سابقاً من صدام حسين. مما اغاظ الفصيل السنين في الجيش والبلاد.
 
وما زاد من نقمة السنة العراقيين ما اقترفته بعض الجماعات الشيعية في العراق، محمية من اجهزة الامن الدولية. فكان كل يوم، في بغداد، يتم ايجاد عشرات الجثث من الشباب السنّة وهم مقتولون بواسطة مقدح كهربائي سلّط على رؤوسهم. هذا ما اثار حفيظة السنة العراقيين اجمعين… ومن هذه المنطلقات لم تعد توجيهات اناس مثل ابو مصعب الزرقاوي في مجال التحريض على الشيعة صعبة وعسيرة…

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة