لم يستخدم هذا القاتل المحترف أي نوع من الأسلحة النارية أو المتفجرات، لكن عمله ونظرائه من القتلة المأجورين أودى بحياة الآلاف، وأدى، ولا يزال، إلى إفلاس دول ونهب ثروات طائلة.
إنه أحد أفراد المهمات الخاصة وغير التقليدية للولايات المتحدة، شارك في عمليات “قذرة” كبرى في مختلف أنحاء العالم، كشفها في كتاب سيرة ذاتية، صدر في العام 2004 بعنوان “اعترافات قاتل اقتصادي مأجور”.
مارس الخبير الاقتصادي جون بيركنز دور “القاتل المأجور” في شركة الاستشارات الهندسية “Chas T. Main” بين عامي 1971 -1981. وحصل على وظيفته هذه، بحسب شهادته، بعد أن اجتاز اختبارات قبول أمام وكالة الأمن القومي الأمريكية “NSA”.
طيلة 10 سنوات عمل المستشار الاقتصادي جون بيركنز ضمن فريق من “القتلة المأجورين” الذين يتميزون بمواهب استثنائية وقناعات راسخة ومعرفة اقتصادية واسعة لصالح الشركات الأمريكية الكبرى. وكان دوره يتمثل في تدمير اقتصاديات دول العالم الثالث عبر إقناع قادة الدول “المتخلفة” بالاقتراض لتنفيذ مشاريع البناء والإعمار والتنمية في بلدانهم، وإدارة هذه العملية بحيث تتم التعاقدات مع شركات أمريكية وبكيفية تعطي واشنطن نفوذا سياسيا، يتيح لها السيطرة على الموارد الطبيعية لهذه الدول.
ويوضح القاتل المأجور السابق بأن أموال القروض في الأصل لا تصل أبدا إلى الدولة الدائنة، بل تذهب إلى الشركات الاحتكارية لتنفيذ المشاريع المختلفة، لافتا إلى أن مثل هذه الدول في الغالب تعجز عن سداد هذه الديون لضخامتها، ولذلك تتم مقايضتها عبر القتلة المأجورين بوسائل متنوعة منها بيع النفط للولايات المتحدة بأسعار زهيدة، أو بخصخصة مؤسسات البنية التحتية وبيعها للشركات الأمريكية، أو السماح ببناء قواعد عسكرية أو إرسال قواتهم إلى حيث تريد واشنطن.
هذه العمليات السرية قام بها بيركنز وأمثاله من القتلة الاقتصاديين المأجورين من خلال عملهم كحلقة وصل بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووزارة الخارجية الأمريكية والشركات الاحتكارية الأمريكية الكبرى وحكومات دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.
وتكشف الأسرار التي أماط اللثام عنها هذا القاتل الاقتصادي المأجور السابق، آلية الولايات المتحدة في التعامل مع العالم الثالث وروافد سياساتها ومواقفها من أنظمة هذه المنطقة، سابقا ولاحقا. إنها تعطي إشارات هامة تساعد على فهم مواقف واشنطن وسياساتها وغزواتها في المنطقة، وفي الوقت نفسه تكشف مجددا وجه الولايات المتحدة القبيح في أبشع تجلياته.
فكيف نفذ “القاتل المأجور” مهماته؟ ولماذا أفشى أسرار “مهنته” السرية و”خان” مصالح بلاده؟ ولماذا سُمح له بأن يفعل ذلك؟ وإلى أي حد يمكن الوثوق بالمعلومات التي يسردها عن هذا النوع من “المؤامرات”؟.
التعرف على تفاصيل عمل “القاتل المأجور” يثير الكثير من الأسئلة، لكن الأهم أن ما تحدث عنه الرجل يستحق الاهتمام، إذ أنه كشف فعلا عن المستور، عن عالم خفي وخطر، وآلية هدامة لا تزال تعمل وتنسف دولا، راسمة أقدارا مأساوية لشعوب بأكملها.
من بين العمليات التي سرد تفاصيلها جون بيركنز، واحدة في الأكوادور وأخرى في بنما عام 1981.
كان بطل الأولى، الرئيس الإكوادوري المنتخب ديموقراطيا جيمي رولدوس الذي أراد استعمال عائدات النفط لصالح شعبه، فلم يرض ذلك واشنطن، بحسب بيركنز الذي أُرسل في مهمة الى هناك في محاولة لإثناء رولدوس عن مخططاته ورشوته وتهديده.
المهمة فشلت لأن الرئيس الإكوادوري رفض الاستماع إلى نصائح بيركنز، فقُتل في كارثة جوية بعد أن عجز الأمريكيون عن رشوته.
ووقعت العملية الثانية في بنما مع الرئيس عمر توريخوس، الذي رد على محاولة بيركنز رشوته بالقول: “لا حاجة لي للأموال. ما يهمني هو أن يتم التعامل مع بلادي بعدالة وأن يستعيد شعبنا قناة بنما، وأن نسدد القرض الذي أعطيتموه لنا لإعمار ما دمرتموه هنا، فلا تحاول شرائي”.
قتل توريخوس هو الآخر في كارثة جوية، حيث اغتالته الاستخبارات المركزية بحسب بيركنز الذي يؤكد أن أحد حراسه سلّمه في آخر لحظة قبل صعوده إلى الطائرة، آلة تسجيل صغيرة زُرعت بها قنبلة.
يشير “القاتل المأجور” في شهادته إلى أن هذه المهنة برزت الحاجة إليها بعد حادثة الإطاحة بمحمد مصدق رئيس وزراء إيران بين عامي 1951 – 1953 الذي حاول التخلص من سيطرة الاحتكارات الغربية بتأميم شركات النفط، فكان أن أرسلت واشنطن إلى طهران ضابطا في الاستخبارات الأمريكية هو كريميت روزفلت مع عدة ملايين من الدولارات في عملية انتهت بإسقاط مصدق.
هذه التجربة الخطرة، نبهت الأمريكيين إلى ضرورة الاستعانة بمستشارين خاصين في تنفيذ مهمات شراء الذمم بدلا من عملاء الاستخبارات، حتى لا تحدث مضاعفات دولية في حالة القبض عليهم.
محمد الطاهر
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي