واشنطن (رويترز) – يصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومساعدوه وهو يستعد لإلقاء خطاب حالة الاتحاد الأخير مساء يوم الثلاثاء أنه لن يقنع بمجرد استهلاك الوقت فيما لا طائل من ورائه في السياسة الخارجية وأنه سيتصرف بحسم لمعالجة الأزمات التي تتراكم في مختلف أنحاء العالم.
غير أن مسؤولين أمريكيين سابقين وخبراء مطلعين على اتجاهات التفكير في البيت الابيض يقولون إنه يركز على سياسات تهدف أكثر ما تهدف إلى احتواء مثل هذه التهديدات وتجنب تعميق الدور العسكري الأمريكي في عامه الأخير في الرئاسة.
ويقول المسؤولون والخبراء إن هذا الموقف يكاد يضمن لمن سيخلف أوباما أن يرث أصعب التحديات الجيوسياسية. ومن المرجح أن يمنح ذلك وقودا للمرشحين الجمهوريين للرئاسة الذين يتلهفون على استخدام مشاكل السياسة الخارجية لدى أوباما لمهاجمة أبرز المرشحين الديمقراطيين هيلاري كلينتون التي كانت وزيرة للخارجية في فترة ولاية أوباما الأولى.
وقد وسع تنظيم الدولة الإسلامية نطاق نفوذه في الشرق الأوسط وخارجه وشن التنظيم أو مؤيدون له هجمات في الآونة الأخيرة في باريس وسان برناردينو بولاية كاليفورنيا.
كما أذهلت كوريا الشمالية العالم الأسبوع الماضي بإجراء رابع اختبار نووي. كذلك فإن مقاتلي حركة طالبان يحققون مكاسب في أفغانستان بينما تستمر الصين في استعراض عضلاتها مع جيرانها.
وما زالت روسيا تتصرف بلا رادع في الصراع الأوكراني كما أنها تحدت النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط بتدخلها العسكري في الحرب الأهلية السورية التي انتهزها منتقدو أوباما باعتبارها دليلا على أن السياسة الخارجية تسير بغير دفة.
ويتفق معظم المحللين في الرأي مع إصرار مسؤولي الإدارة أن جانبا كبيرا من المشاكل العالمية تحركه قوى تتجاوز سيطرة أوباما.
لكن الخبراء يقرون أيضا انتقادات من يقولون إن استجابة أوباما للأزمات اتسمت في كثير من الأحيان بالتردد وإن أخطاء سياسته إما كانت سببا في تأجيج الصراع أو لم تفعل شيئا يذكر للحد منه في أماكن مثل سوريا والعراق وأوكرانيا.
وقال آرون ديفيد ميلر المستشار السابق في شؤون الشرق الأوسط في إدارات جمهورية وديمقراطية “هذا رئيس عازف عن المخاطرة يرسم خطوطا حمراء لا يطبقها. ولا يوجد ميل للمبادرات البطولية فيما تبقى من وقت.”
وكان أوباما تولى منصبه عام 2009 وسط تهليل أنصاره له باعتباره زعيما إصلاحيا ووسط تعهداته بإعادة القوات الأمريكية من الحروب الطويلة التي لا تحظى بتأييد بين الشعب الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان.
وفي أول خطاب له وعد الرئيس الأمريكي بالمساعدة في بدء “عصر جديد من السلام” بما في ذلك التواصل مع المسلمين الذين استعداهم ما رأوا أن سلفه جورج دبليو بوش ارتكبه من فظائع في الحرب العالمية على الإرهاب.
وبعد بدء الانتفاضات التي هزت العالم العربي استغل أوباما خطاب حالة الاتحاد عام 2011 في الإعلان عن تأييده “للطموحات الديمقراطية لكل الشعوب”. لكن الربيع العربي أخذ منحى بغيضا منذ ذلك الحين ليواجه أوباما مزيدا من الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط دون أن يتحقق شيئا من الطموحات الديمقراطية.
* عقبات هائلة
تبين استطلاعات الرأي الحديثة أن أكثر من نصف الأمريكيين لا يقرون أسلوب أوباما في تناول السياسة الخارجية كما أن ثلثي الأمريكيين غير راضين عن رده على تنظيم الدولة الإسلامية والتهديد الإرهابي.
وتنفي إدارة أوباما نفيا قاطعا أنها أصبحت تقنع الآن باحتواء الصراعات التي تبدو مستعصية على الحل. وللدلالة على ما حققته الإدارة من نجاح يمكنها أن تشير إلى الاتفاق النووي التاريخي الذي وقعته مع إيران وكذلك الانفتاح الدبلوماسي التاريخي على كوبا واتفاق التغير المناخي الدولي.
وقال مسؤول إن كل هذه الانجازات ستحظى بالإشارة إليها على الأرجح في الخطاب الذي يلقيه أوباما يوم الثلاثاء. كذلك أبرم أوباما اتفاقا مهما للتجارة مع منطقة آسيا والمحيط الهادي لكنه يواجه معركة شاقة من أجل نيل موافقة الكونجرس عليه.
وفي العام المقبل ترك أوباما الباب مفتوحا أمام استخدام سلطاته التنفيذية لتحقيق وعده القديم بإغلاق سجن جوانتانامو العسكري وربما يتصرف أيضا من تلقاء نفسه لتخفيف الحظر الاقتصادي المفروض منذ نصف قرن على كوبا.
وقال المسؤول الكبير بالإدارة لرويترز “الرئيس سيركز على نهاية قوية لبرنامجه في السياسة الخارجية. هذه ليست سياسة إحتواء حسب مدى علمي.”
ويصر أوباما أن هدفه هو تدمير تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق لكن ثمة شكوكا قوية أن تكفي سياسته التي تجمع بين الاعتماد على الشركاء المحليين المزودين بالسلاح الأمريكي والغارات الموجهة التي تشنها قوات أمريكية خاصة وكذلك الضربات الجوية التي يشارك فيها حلفاء آخرون والعقوبات المالية.
كذلك فإن البحث عن حل دبلوماسي للحرب الأهلية السورية يواجه عقبات هائلة كما أن المؤشرات تدل على أن الرئيس السوري بشار الأسد سيبقى في موقعه رغم قول أوباما عام 2011 إنه لا بد من رحيله.
وقال فريدريك هوف المستشار السابق لوزارة الخارجية بشأن سوريا خلال فترة الولاية الأولى لأوباما ويعمل الآن لدى مؤسسة اتلانتيك كاونسل للأبحاث “محصلة كل هذا محاولة احتواء والمضي في عام 2016 إلى أن يصبح الأمر مشكلة شخص آخر.”
وقد أمر أوباما في الآونة الأخيرة بإرسال نحو 3500 جندي أمريكي مرة أخرى إلى العراق كما أبطأ وتيرة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وأمر بدفع أعداد صغيرة من قوات العمليات الخاصة إلى سوريا لكنه يصر على رفض نشر قوات على نطاق واسع.
ويظل رفضه التورط في صراعات جديدة عنوانا لسياسته الخارجية ويقول منتقدون إن قوى عالمية أخرى تستفيد من ذلك.
وقد أبدت الصين إصرارا متزايدا على أهمية دورها في بحر الصين الجنوبي حيث تحدت الانتقادات الأمريكية لقيامها ببناء جزر صناعية.
كما أبدت السعودية استعدادها تجاهل أوباما بالمضي قدما في إعدام رجل دين شيعي بارز وإثارة خلاف مع إيران تبدو واشنطن عاجزة عن احتوائه.
وأثار إعلان كوريا الشمالية الأسبوع الماضي أنها فجرت رابع قنبلة نووية منذ عام 2006 تساؤلات جديدة حول مبدأ “الصبر الاستراتيجي” لإدارة أوباما التي سعت لاحتواء بيونجيانج دون استثارتها.
وقالت بوني جليزر كبيرة المستشارين المتخصصين في شؤون آسيا لدى مؤسسة سي.إس.آي.إس للأبحاث في واشنطن “أشك أن يبذل الرئيس أي جهد سياسي في هذا الصدد. فما الذي يمكن أن يفعله الرئيس في عامه الأخير؟”
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية – تحرير لبنى صبري)
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي