«لم أقل إنّه لا يجوز الترحُّم على الأموات من الفنانين، بل قلتُ إنّه يجوز الترحّم عليهم بشرط ذكر مفاسد الفن والفنانين». هكذا صحّح الداعية السلفي سامح عبد الحميد ما نقلته عنه بعض وسائل الإعلام المصريّة خلال الأيّام الماضية، مشيراً إلى أنّه ليس ضدّ الترحم على الفنانين، بشرط «ذكر مفاسدهم».
قبل أيّام، وفي خضمّ تبادل مستخدمي «فايسبوك» لصور الممثلين الراحلين ممدوح عبد العليم وحمدي أحمد، كتب عبد الحميد على صفحته الفايسبوكيّة: «الترحُّم على الفنانين! منذ متى كان هذا سلوكنا من موتى الفنانين؟ وما هي المصلحة المرجوة من ذلك؟ يا أخي ترحَّم عليه في سرك وليس في الفايسبوك. طيب كنت وضَّح مدى فساد وإفساد هذا الممثل ثم ترحَّم عليه». كلامٌ أثار جدلاً كبيراً، وتداوله الإعلام المصري بكثافة.
يقول عبد الحميد لـ «السفير» إنّه لا يدعو إلى عدم الترحّم على الفنانين. فـ «الترحُّم على الفنان لا يعني عدم ذكر المفاسد التي تسبب بها فنّه للمجتمع، وهي ليست فقط مفاسد شرعيّة، هناك مفاسد في التعليم، فمثلاً مسرحية «مدرسة المشاغبين» كانت سبباً في تخريب التعليم. وهناك أعمال فنيّة أخرى، سبّبت شرخاً في العلاقات الأسرية، ونشرت أفكاراً مغلوطة، ووصل فساد الفن إلى تخريب الاقتصاد! ماذا قدم الفن المصري للمجتمع؟ لا شيء سوى الخراب».
يأتي كلام عبد الحميد بعد وفاة عدد من الفنانين المصريين خلال الفترة الماضية، وانتشار سؤال بين السلفيين حول صحّة الترحم عليهم من الناحية الشرعية. تعليقات عدة على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبرت أن كلام الداعية السلفي يجسّد كره السلفيين للفن، لكنه ينفي ذلك لـ «السفير»، قائلاً إنّ «السلفيين ليسوا ضدّ الإبداع ما دام خالياً من المحظورات الشرعية». ولكن لا تحاول أن تسأل عن تلك «المحظورات الشرعية»، لأنها من وجهة نظر السلفيين هي كل شيء يقدّمه الفنانون: الأغاني، الموسيقى، قصص الحب، وغيرها…
على مواقع التواصل الاجتماعي بدا واضحاً ترحيب المستخدمين ذوي التوجه السلفي برأي عبد الحميد. يكتب أحدهم تعليقاً على كلام عبد الحميد: «كلامك سليم، الفن هو مخطّط صهيوني لتدمير المجتمعات المسلمة، والفنانين أحد أدوات هذا المخــطط». ويضيف آخر: «شــكراً للشــيخ سامح، أنت بالنســبة لي مجاهد حقيقي».
في المقابل ترفض نسبة كبيرة من المستخدمين كلام الداعية السلفي، ويكتب أحدهم: «ألله يخرب بيوتكم كما خربت قلوبكم، أنتم لا تملكون صك الرحمة والعفو، تدخلتم فيما يخص الله وحده». ويعلّق آخر: «نشرتم السواد والقبح والتخلف والعنصرية والإرهاب، أفقرتم ودمرتم الشعب بأفكاركم القذرة العفنة». ووجه مستخدمون آخرون سؤالاً للسلفيين «من أنتم أساساً لتتحدثوا عن مفاسد الناس، تناولوا مفاسد شيوخكم أفضل»، في إشارة إلى انتشار جرائم تحرّش بأطفال في المساجد من قبل شيوخ سلفيين، والقبض على رموز سلفية في «أوضاع مخلّة». وذكَّر بعض المستخدمين بواقعة الداعية السلفي أنور البلكيمي الذي أدّعى أنه تعرض لهجوم من مسلحين في الشارع، قبل ان يعترف انه خضع لعملية تجميل لتعديل أنفه، لكنّه اضطر للكذب «لأن السلفية تحرِّم عمليات التجميل».
المخرج المصري مجدي أحمد علي يقول في اتصال هاتفي مع «السفير» إنّ «الفكر السلفي لا يعبّر عن الإنسان الطبيعي السوي، وكلامهم لا يستحق الرد عليه». ويضيف: «السلفيون يصنعون إسلاماً جديداً وفق منهج اذكروا سيئات موتاكم»… من جهته، يحذّر الداعية الإسلامي محمد الأباصيري من نقطة مهمة، وهي أنّ هذا النوع من «الفتاوى مقدمة للتكفير العلني للفنانين». يقول لـ «السفير» إنّ «كلام عبد الحميد يعبّر عن قطاع كبير جدًا من السلفيين، أغلبهم إن لم يكن كلهم، ومنطلقه الفكري وأساسه الأيديولوجي هو التكفير، إذ لا يمكن منع الترحم على أي أحد إلا بعد تكفيره». ويضيف: «من ناحية دينيّة بحتة يجوز الترحّم على المسلم مهما كانت ذنوبه، حتى المنتحر يجوز الترحم عليه، وما يقال يشبه الحكم بتكفير كلّ الفنانين». من جهته ينفي عبد الحميد ذلك، قائلاً: «من يفعل محرمًا فهذه معصية وليست كفرًا… ومن يُقدم العري فهو على معصية وليس على كفر».
يأتي موقف السلفيين كحجر جديد في حائط من الكراهيّة للفنّ بناه التيّار الإسلامي بطوائفه المتعدّدة، ولا تتوقّف على وسائل التواصل الاجتماعي كتابات لأعضاء جماعة الإخوان تشمت بموت أي فنان (خصوصاً من دعموا «الانقلاب»)، معتبرين أنّ «الموت عقاب إلهي لهم».
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي