فوائد غير متوقعة للشعور بالحرج

ديفيد روبسون –
الشعور بالحرج أو بأنك في موقف يدعو للخجل قد يكون مفيدا لك بطرق غير متوقعة، كزيادة جاذبيتك الجنسية، وتعزيز مكانتك الاجتماعية، وأكثر من ذلك.
 
بعد بضعة أيام من تسلمي لوظيفتي الأولى، دخل أحد الزملاء إلى مكتب فريقي ليشكو من وضع فوضوي في دورة المياة. لن أخوض في تلك التفاصيل؛ لنقل فقط إن الزميل الذي تسبب في ذلك لم يتعلم جيدا كيفية استخدام المرحاض.
 
لا فكرة لدي عن السبب (ولا زلت لا أعلم من الفاعل)، ولكن وسط حديث زميلي الصاخب، شعرت بحرج بالغ.
 
وفي الحال، كانت موجات من الحرارة ترتفع من صدري إلى أعلى رأسي؛ وسريعا كانت أذناي حمراوين. وفي الواقع، لم يتهمني أحد بارتكاب تلك الجنحة، إلا أن أعينهم قالت كل شيء.
 
لم يكونوا يعرفون أن بإمكاني أن أغضب بسهولة. وفي الحقيقة، وبالنظر إلى الماضي، يبدو أنني أمضيت كل عمري كمراهق وعشريني في حالة من الإحراج الدائم.
 
فلماذا تؤثر علينا تلك المشاعر إلى هذا الحد؟ ولماذا تطور البشر لإظهار انزعاجهم بهذا الوضوح؟ في حالتي، فإن احمرار خدي جعلني أبدو مذنبا في الوقت الذي كنت فيه بريئا تمام.
 
تشارلز داروين كان في حيرة لإيجاد جانب إيجابي لشعورنا بالحرج. وكتب عن الحرج يقول: “إنه يجعل محمر الخدين يعاني والناظر غير مرتاح، دون أن يكون في خدمة أي منهما”.
 
ومع ذلك، فإن علماء النفس التطوري يجدون هذه الأيام أن مشاعر الحرج الشديد قد تكون مهمة جدا لصحتك على المدى الطويل.
 
وتقول واحدة من النظريات إن ذلك رد فعل طبيعي للخوف من أن “تكتشف”. وقد أجرى العالم النفسي ري كروزير من جامعة كارديف مقابلات مع العديد من الأشخاص عن الحالات التي تسبب لهم احمرار الوجه، ووجد أنها تنطوي على الأغلب على الكشف المحتمل عن شيء خاص- كما المرأة الحامل التي يصيبها احمرار قرمزي داكن عندما يأتي ذكر الأطفال أثناء محادثة ما، وليس عند ذكرهم صدفة أو كزلة لسان.
 
هنا، قد يكون احمرار الوجه رد فعل جسديا على الصدمة من أن يصبح سرك علنيا، حتى لو كان أمرا يجب الاحتفاء به. ويقول: “إن الانكشاف بدا سببا مشتركا جدا حسب الروايات المختلفة التي كنت أجمعها”.
 
ومع ذلك، فإن تلك الحالات بدت مختلفة جدا عن المشاهد المؤلمة التي تتمنى فيها أن تشق الأرض وتبتلعك- كما يحدث عندما تدعو معلمتك أو رئيستك بكلمة “أمي” عن طريق الخطأ، على سبيل المثال، (وإن حدث ذلك لك، فلك مواساتي).
 
وكما أشار داروين، فإن احمرار الوجه إنما يعمل على تضخيم انزعاجنا على ما يبدو. وفي الواقع، فإن العكس قد يكون صحيحا.
 
بعض القرائن تأتي من مملكة الحيوان والطرق التي تتعامل بها القرود الأدنى مرتبة مع الصراع مع قرود الشمبانزي. ويشير “مارك ليري” من جامعة ديوك إلى أنه بدلا من المهاجمة فورا، فإن قردة الشمبانزي ذات المرتبة الأعلى، عادة ما تحدق وحسب في تلك القرود عندما يثار غضبها – وهي طريقة في القول “ابتعد عني” أو “اترك طعامي” أو “أذعن لي”.
 
ومع ذلك، فإن ما يثير الاهتمام بشكل خاص هو طريقة القرود الأدنى مرتبة بعدئذ في محاولة تهدئة الوضع باستخدام إجراءات تعكس بشكل مقارب سلوكنا عند الاحمرار: إذ تتوقف عن النظر في عيني الشمبانزي، تماما كما قد تتصرف أو أتصرف، وتدلي رؤوسها وكأنها تشعر ” بالخجل”.
 
“ثالثا، فإن هذا التصرف غالبا ما يتضمن ابتسامة تافهة وساخرة، تبدو تماما كابتسامة تعبر عن الحرج لدى البشر”، حسب قول ليري. وكل التصرفات تبدو وكأنها تقول “آسف” وتشير إلى حقيقة أنها تريد تجنب مواجهة أكثر مباشرة.
 
ويقول ليري إن البشر ربما تقدموا في هذا السلوك أكثر، فتكون الحمرة في منزلة “اعتذار غير لفظي” آخر لنزع فتيل وضع محرج. وقد تفسر السبب في أن مجرد التفكير في إساءة التصرف يجعل خديك يحمران- كما وجدت أثناء أزمة المرحاض في مكتبي.
 
ويشرح ليري قائلا: “حتى لو كنت بريئا، فلن يضيرك أن تظهر الانزعاج حيال اتهامك، لتقول “آسف لإعطائكم سببا عن غير قصد للشك بي”.
 
ربما كنت عن غير وعي تستبق أي عدوان. ويعتقد ليري أن منطقا مماثلا قد يفسر سبب احمرارنا عندما ندرك أن الغير ينظر إلينا (كما يحدث عندما نتحدث بصوت عال في اجتماع)، أو حتى عندما يشاد بنا؛ فاحمرار الوجه هو طريقة لإظهار أننا نريد تجنب أي انتباه غير مرغوب فيه.
 
كما أن ذلك يجعلنا نبدو أقل غرورا، بحيث تبدو أنك لا تتحدى سلطة الآخرين. وإذا وجدت نفسك تحمر لسوء تصرف شخص آخر، فإن ذلك إشارة غير محكية إلى أنك ميزت خطأه، وأنك أنت نفسك غير مرتاح لكسر القواعد.
 
وكما شرحت كلوديا هاموند على موقع “بي بي سي فيوتشر” سابقا، فاحمرار الوجه لا يمكن تزييفه، بمعنى أنه واحدة من الإشارات القليلة على الصدق الذي يمكننا الوثوق به دون أدنى شك. والنتيجة هي أن الناس الذين يحمرون خجلا يميلون لأن ينظر إليهم بدفء أكثر من الناس الذين لا تصيبهم حمرة الخجل.
 
ويمكن للحرج حتى أن يؤخذ على أنه علامة على أنك شخص غير أناني. فعندما صور ماثيو فينبرغ وهو في جامعة كاليفورنيا بيركلي أشخاصا وهم يتذكرون حوادث من ماضيهم، وحكمت هيئة فيما بعد على كيفية إظهارهم للإحراج، تبين أنه كلما زاد شعورهم بالإرباك، كلما عبروا أكثر عن وجهات نظر غير أنانية في استطلاع لاحق. وكانوا على الأرجح سيلعبون بصدق في لعبة تتضمن جائزة نقدية.
 
وفي تجربة لاحقة، عرض فينبرغ على المشاركين صورا لأشخاص يحملون تعابير بالحرج على وجوههم، وطرح عليهم سلسلة من الأسئلة، مثل: “إذا كانت هذه طالبة زميلة، فما هي الاحتمالات لدعوتها للانضمام إلى مجموعة دراسية أنت عضو فيها؟ فكان الناس الذين أظهروا ارتباكا أكثر ترجيحا لأن ينضموا إلى المجموعة من أولئك الذين بدوا باردين وهادئين.
 
والأمر المثير للدهشة، هو أن الإحراج الذي يرافقه احمرار الوجه قد يزيد من جاذبيتك الجنسية عندما تواجه شخصا تحبه. ويقول فينبرغ، وهو الآن في جامعة تورنتو، “إذا كانوا يبحثون عن شريك على المدى الطويل، فإن ذلك قد يظهر أنك اجتماعي ومتعاون- أي شخص لن يخدع. لذا فإن الناس قد يجدون الإحراج جذابا على ذلك النحو”.
 
ويقول إن الأمر قد يكون مختلفا إذا كانوا يتطلعون إلى علاقة قصيرة الأمد وحسب، بحيث أنهم يميلون إلى الانجذاب إلى شركاء أكثر بهرجة وثقة بالنفس- فكر مثلا في شخصية دانييل كليفر الواثقة والمتماسكة (التي جسدها الممثل هيو غرانت في فيلم يوميات بريدجيت جونز) مقارنة بشخصية مارك دارسي المضطربة (التي جسدها كولن فيرث).
 
وإذا لم تساعدك تلك المعرفة على التخلص من ألم الشعور بالإذلال، فيمكنك أن تتذكر أنك ربما كنت تعاني من تأثير “دائرة الضوء”: فنحن دائما نبالغ في تقدير مدى الاهتمام الذي نحظى به، وهذا صحيح بشكل خاص عندما نشعر بالإحراج. ولنقل صراحة، نحن لسنا مثيرين للاهتمام بقدر ما نرغب أن نعتقد أننا كذلك.
 
وكما هو الأمر، فقد تعلمت أن أقارن تلك اللحظات من الشعور بالحرج الشديد بالحمى التي ترافق الإنفلونزا- فهي مزعجة مؤقتا، ولكنها ضرورية لصحتنا على المدى البعيد.
 
ويقول فينبرغ: “نحن حقا لا نريد أن نشعر بتلك المشاعر، ونفعل أكثر مما في وسعنا لقمعها وضبطها، ولكن رغم أن الشعور بالإحراج مزعج، فإنه يخدم غرضا ما”.
 
أنا واثق أننا جميعا نعرف أشخاصا كذلك. هل تريدون حقا أن تكونوا مثلهم؟ الأسوأ من الشعور بالحرج هو عدم الشعور به بالمرة.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

اضف تعليق