نبيه البرجي-
لن نناقش التعليقات الفظة لبرنارد لويس حول العرب «هؤلاء الذين يراقصون الغيب، في مهرجان وثني قد لا يتوقف عند الابد» او «لكأنك امام من يعتبرون ان محمداً قال انه خاتم الانبياء، لكن الله لم يقل انه اخر الآلهة». او «كيف لذلك الاسلام الذي قاتل الكهنوت ان ينتج هذا الطراز من الكهنة؟».
ولن نتوقف عند باحثين في سوسيولوجيا التاريخ «الان علمنا لماذا قال الحجاج بن يوسف ما قاله في اهل العراق». مثلما ساور جلجامش، وهو النموذج الاسطوري، هاجس الخلود، ساور صدام حسين، حتى ان الانكليزي ديزموند ستيوارت تساءل ما اذا كان العراقيون يكنون كل ذلك العشق للدم ليغسلوا به خطيئتهم الاصلية اي الرغبة في الخلود.
بعد كل هذا نسأل لماذا يموت العراقيون؟ ولماذا يموت العراق؟ الكل يلعبون بالعراق. الايرانيون الذين تربطهم به حدود طولها 1458 كيلو مترا، والاتراك الذين تربطهم به حدود طولها 331 كيلو مترا، والسعوديون الذين تربطهم به حدود طولها 814 كيلو مترا.
ليس ثمة من بلد عربي يتمتع بتلك الحساسية الجيوستراتيجية الهائلة. لعنة الجغرافيا هنا مثل لعنة الخلود لكأنها ابدية. حتى لو عدنا الى ما قبل ونستون تشرشل وعاد العراق ثلاث ولايات (ولاية الموصل، وولاية بغداد، وولاية البصرة) هل تنتهي المشكلة هنا؟
لا ننسى ان العراق يتاخم سوريا (605 كيلو مترات)، وحيث الحرائق تمتد الى باريس وجاكارتا واوغادوغو، فكيف لا تمتد الى ارض الرافدين. في التأويل الغيبي لبعض النصوص ان الحرب الكبرى التي تسبق يوم القيامة تكون في العراق.
اصوات عاقلة في الخليج وتحذر من انفجار او تفجير العراق لان ذلك يعني، حتما، الصراع العسكري بين ايران وتركيا والسعودية. هنا الايديولوجيا تلعب بكل الرؤوس، وحيث المسافة الملتبسة بين عالمنا والعالم الاخر. اذاً، تعالوا ندق على كل الابواب لوقف ذلك الجنون.
ندرك ان الشيعة الذين زعزعهم شبق السلطة، بعد طول افتراق، قدموا النموذج الرديء في الاداء. العراقيون الذين لا يتقنون الظرف بل النحيب يتحدثون عن ذلك المسؤول الذي ابتلع دجلة دون ان يرتوي. انتبهوا كان يبدأ بـ«بسم الله الرحمن الرحيم» وينتهي بـ«الحمد لله رب العالمين». علي السيستاني ذهل امام الارقام التي نهبت، وسأل عن علاقة هؤلاء بالبيت وبأهل البيت…
وندرك ان السنّة الذين وُضعوا جانبا، كما لو انها لحظة الثأر، لم يتحملوا ان تسقط الكرة الذهبية، وهي كرة النار، من ايديهم. ليس صحيحا انهم يقاتلون من اجل العراق بل من اجل السلطة، وكما الشيعة استسلموا، في معظمهم، للايرانيين، استسلم السنة، في معظمهم، للاتراك والسعوديين…
هكذا استنفرت اجهزة الاستخبارات، وتعاونت الى اقصى الحدود، مع تنظيم الدولة الاسلامية، على ان يكون عرش البغدادي في بغداد لا في الرقة ولا في الموصل (تماما حيثما كان الخلفاء). آلاف السيارات المفخخة، وبتمويل معروف، تم تفجيرها في مدن العراق حتى وصلنا الى من يدمر المآذن في سامراء ومن يدمر القباب في المقدادية…
هل يقل اداء الشاشات هولا عن اداء «داعش» السني و«داعش» الشيعي؟!
وندرك ان الاكراد الذين عانوا الامرين من ذاك التطبيق النازي للقومية العربية (ولم يسلم من ذلك العرب بأي حال) كانوا الدمية في يد الشاه، وهاهم الان الدمية في يد السلطان، دون ان يدروا بأن الانفصال يعني الانتحار بعدما قيضت لهم قيادة، وبحسب شخصية كردية معارضة للاستقلال، تكاد لا تمتلك خيال القطط..
ولكن الا يعتبر مسعود برزاني، والصراع بين السعودية وتركيا من جهة وايران من جهة اخرى، فيما سوريا غارقة في جراحها، انها الفرصة الذهبية للدفع بالاقليم نحو الدولة؟
قطعا لا نشعر بأي مسافة اتنية او تاريخية بين العرب والكرد، ولكن ماذا تفعل البيشمركة حين تدمر آلاف المنازل في قرى عربية تمهيدا للاستفتاء في المناطق المتنازع عليها؟ وحين تحفر خندقا طوله الف كيلو متر ويبدأ من منطقة ربيعة، على الحدود مع سوريا، وصولا الى قضاء طوزخورماتو، عابرا الى مناطق ديالي وصولا الى حدود قضاء خانفين. خندق الفصل بين العرب والاكراد على غرار جدار الفصل بين اليهود والعرب…
عين برزاني على كركوك التي الصراع حولها، وحول نفطها، قد يوحد السنة والشيعة لتندلع الحرب الكبرى بين العرب والاكراد ويتهاوى الامل الاخير في اعادة الدولة الى العراق…
لكل الامم، وما دون الامم، ولكل القبائل، وما دون القبائل، اللعب داخل العراق وبالعراق هو اللعب داخل جهنم وبجهنم!!
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي
