كيف يتعلم قائدو الطائرات مواجهة الكوارث؟

جاك ستيوارت –
كيف يتدرب قائدو الطائرات على مواجهة أسوأ السيناريوهات المحتملة؟ يحدث ذلك في نماذج محاكاة عملاقة تعمل بالطاقة الهيدروليكية، الصحفي جاك ستيوارت يروي لنا تجربته بعد أن استقل أحد هذه النماذج.
 
بعد وقت قصير من “الإقلاع”، بدأ ضوء أحمر اللون يومض فوق رأسي لبعض الوقت قبل أن يتحول إلى إصدار صوت تحذير مستمر.
 
هنا بدأت دقات قلبي تصبح أشبه بقرع الطبول المتوالية العنيفة، وأنا أنظر حولي في “قُمرة قيادة” الطائرة وهي من طراز (آيرباص أيه 320) مُحاولاً فهم ما تظهره لوحة العدادات الموجودة في القمرة، والتي توضح القراءات الخاصة بأجهزة الطائرة، وذلك بهدف تحديد العطب الذي وقع فيها.
 
“إنه حريق في المحرك” !
 
قبل بضع دقائق كان كل شيء قد بدا على أفضل وجه. فالثلوج كانت تنهمر بلطف على مطار إنسبروك النمساوي، وأنا أجلس على الجانب الأيمن من قُمرة القيادة، أنظر إلى الجبال الممتدة أمامي، والتي بدت قريبة للغاية.
 
كنت على وشك خوض أول تجربة للإقلاع بطائرة من طراز (آيرباص أيه 320). كانت الظروف تبدو صعبة، ولكن ليست شديدة الصعوبة، بقدر يسلب المرء القدرة على التصرف.
 
وهنا قال لي دَيف توماس، رئيس برنامج التدريب على الرحلات الجوية بشركة “بريتيش آيروايز” البريطانية للطيران، ضاحكا: “أجلّ. الأمر عسير للغاية، لذا فإن (هذا) يشكل مكانا جيدا لتبدأ منه”.
 
ولبث الاطمئنان في نفسي، ظل توماس معي في قُمرة القيادة على استعداد لتولي القيادة بدلا مني في أي وقت.
 
لحسن الحظ، لم نكن على متن طائرة حقيقية، بل بداخل نموذج محاكاة (simulator) لطائراتٍ من طراز (آيرباص أيه 320)، وهو أحد أحدث النماذج المتاحة في هذا الصدد.
 
ويُستخدم هذا النموذج لتدريب قادة الطائرات العاملين بشركة “بريتش آيروايز” على مواجهة المواقف شديدة الصعوبة والتعقيد، التي نأمل ألا يُضطروا للتعامل معها وجها لوجه.
 
ولكن الأهم فالمهم، ففي البداية كان مقعدي في ذلك المحاكي بحاجة لضبطٍ وتهيئة قبل الجلوس عليه، تماما كما يفعل المرء في سيارته، وهكذا فقد أعددت الدواسات الخاصة بالمقعد؛ حتى يتسنى لي الإمساك بمقبض قيادة الطائرة بأفضل شكل ممكن.
 
بعد ذلك، سمح لي الكابتن توماس بتحريك ما يُعرف بـ”عتلة الدفع” إلى أعلى، لتبدأ “الطائرة” في الحركة.
 
في الواقع، كان من العسير تذكر أننا بداخل مُحاكي. فالمشهد الذي نراه أمامنا ثلاثي الأبعاد، والاضطجاع للخلف في المقعد بهدوء يعطي الإحساس بوجود دفعٍ وحركة بالفعل.
 
وهكذا مضت عملية الإقلاع دون أدنى شائبة (أقولها وأنا أعلم أن في ذلك شبهة إطراء مني عليّ لأنني أنا الذي توليت هذه العملية)، ولكن – بعد ذلك – بدأ قرع أجراس الإنذار.
 
وتقبع نماذج المحاكاة التي تستخدمها “بريتش آيروايز” في مبنى مخصص للأغراض الصناعية يقع على أطراف مطار هيثرو بلندن. ورغم أن المبنى لا يبدو ذا تصميم متطور للغاية من الخارج، لكنه من الداخل مُجدد بالكامل، ومُطليّ بلون أبيض برّاق.
 
وهناك تصطف ثلاثة نماذج محاكاة؛ جنبا إلى جنب، أحدها مخصص لطائرات من طراز “بوينغ 787″، والآخر لطائرات “آيرباص” العملاقة من طراز “أيه 380″، أما الأخير فمخصص لطائرات “آيرباص أيه 320”.
 
وكانت هذه النماذج عبارة عن قباب بيضاء اللون ترتكز على قوائم طويلة. بالنسبة ليّ، بدت هذه النماذج أشبه بخوذات جنود قوات العاصفة (التي كانت تتبع الحزب النازي في عهد أدولف هتلر)، وعليها شريط أسود اللون، في المكان الذي يُفترض أن تكون فيه العينان.
 
ويصل ارتفاع هذه النماذج إلى نحو طابقيّن، ويمكن دخولها عبر صقالة (لوح متحرك) قابلة للسحب والتحريك.
 
ويمثل حريق المحرك، الذي خبُرناه في هذه التجربة، مثالا دقيقا عما تدرب عليه شركات الطيران طياريها للتعامل معه في نماذج المحاكاة هذه، التي تتميز بتقنيات هي الأحدث على الإطلاق في هذا المضمار.
 
وتستخدم تلك النماذج بيانات مُستقاة من رحلات طيران فعلية، كما تتألف من مكونات لقُمرات طائرات حقيقية، وذلك لجعل التجارب التي تجري فيها شبيهة بما يحدث في الواقع بأقصى قدر ممكن.
 
أما نظام الحركة المسؤول عن تحريك المحاكي فيوّلد “إيحاءات بالحركة” المشابهة لحركة الطائرة؛ إذ أن إمالة النموذج قليلا إلى الأمام أو إلى الخلف يخدع نظام التوازن لدى من يستقلونه، لحملهم على الشعور بأنهم يتحركون بالفعل.
 
ويقول مارتِن بريسوِل، كبير مهندسي شركة “إل ثري لينك سيميولاشِن آند ترايننغ”، التي تولت تصنيع نماذج المحاكاة تلك، إن نظام الحركة هذا يُحرك المحاكي للخلف “عندما تزيد السرعة، مما يدفع بك إلى الخلف بداخل مقعدك، وحينما تكون بصدد إبطاء السرعة يُميل (النظام) مقدمة النموذج إلى أسفل”.
 
ويوضح بريسوِل بالقول: “كل ذلك يحرك العناصر الخاصة بالجاذبية في جسدك كله، لجعله يحسب أن هناك ما يتسارع أو يتباطأ”.
 
ومن جهته، مازحني الكابتن توماس بالقول إن تجربة نماذج المحاكاة هذه “أمر مفعم بالمرح، لا تسئ فهمي”. لكن الاستخدام الفعلي لتلك النماذج، من واقع تجربتي الشخصية، شديد الجدية والخطورة إلى أبعد الحدود.
 
ويقول الكابتن توماس: “بوسعنا تدريب طيارينا بسبلٍ لا يمكننا قط اتباعها في طائرة حقيقية، وهذا مهم للغاية بالنسبة لنا. الأمر كله يتعلق بـ(الاحتمالات) غير المتوقعة والافتراضية.” ويضيف أن هذا ما تُستخدم تلك النماذج لأجله.
 
إذاً، فلتضع ذلك في الاعتبار – عزيزي القارئ – عندما تستقل الطائرة في المرة المقبلة. فمهما كان ما يمكن أن تأتي به تقلبات الرحلات الجوية في وجه الطيار الجالس في مقدمة طائرتك؛ ثمة فرصٌ لأن يكون قد دُرِبَ على التعامل مع مثل هذه المواقف من الأساس.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة