مثل غالبية المراهقين في تسعينيات القرن الماضي، كان الصبي الأوكراني أليكسي كروبنيك يقضي غالبية وقت فراغه في ممارسة ألعاب الكمبيوتر.
لكن بخلاف أقرانه من الصبية؛ نجح كروبنيك في نهاية المطاف في كسب قوت يومه من خلال تصويب “نيرانه” على الأشرار الافتراضيين.
وبحلول عام 2003؛ فاز كروبنيك – الذي كان في الثالثة والعشرين من عمره وقتذاك – بأول بطولة كبيرة له في مضمار الألعاب الإليكترونية. الجائزة تمثلت في جهاز كمبيوتر محمول؛ سارع هو ببيعه بمبلغ وصل إلى 1430 دولارا أمريكيا، وهو ما كان يمثّل – في ذلك الوقت – مبلغا كبيرا، حين يُحوّل إلى العملة المحلية في أوكرانيا، “هريفنا”.
“إنه مال مجنون”، هكذا قال كروبنيك؛ مضيفا: “كان بوسعي شراء سيارة” بهذا المبلغ في أوكرانيا.
على أي حال، فعندما بدأ هذا الرجل الأوكراني ممارسة ألعاب الفيديو بهدف الربح؛ كانت صناعة الألعاب الإليكترونية – التي يتبارى فيها ممارسو تلك الألعاب ضد بعضهم البعض – لا تزال في مراحلها الأولى.
وقد جلبت له هذه “المهنة” ما يكفيه للعيش الكريم، ففي ذروة نشاطه عام 2011؛ بلغت أرباح كروبنيك من الانتصارات التي حققها في البطولات المختلفة 33,500 دولار أمريكي، كما جمع ما يصل إلى ألفي دولار شهريا من الجهات الراعية له.
ومع تنامي شعبية “الرياضات الإليكترونية”، زادت قيمة الجوائز الممنوحة في البطولات التي تُقام لممارسيها، وكذلك الأموال التي يُخصصها الرعاة لهؤلاء الممارسين، وأيضا فرص العمل التي توفرها تلك الألعاب والأنشطة المرتبطة بها.
ووفقا لما يذكره موقع “إي-سبورتس إرنينغس”؛ فإن أربعة من محترفي هذه الألعاب الإليكترونية كسبوا ما يزيد على 1.73 مليون دولار خلال عام 2015، بينما زادت دخول لاعبين عديدين آخرين على مئة ألف دولار في العام نفسه.
وبينما لا يزال أمام “الرياضات الإليكترونية” شوط طويل، قبل أن تصبح من بين الألعاب الجماهيرية الراسخة والمُعترف بها مثل كرة القدم وكرة السلة؛ قالت شركة “سوبر داتا ريسيرش” المعنية بقطاع “الألعاب” ومقرها نيويورك، إن حجم السوق العالمية الخاصة بـ”الرياضات الإليكترونية”” سينمو من مستواه الحالي البالغ قرابة 748 مليون دولار إلى نحو 1.9 مليار دولار بنهاية عام 2018.
وتشير المعطيات إلى أن عدد من شاهدوا ألعابا تجري ممارستها على شبكة الإنترنت وعلى شاشة التليفزيون بلغ نحو 188 مليون شخص في عام 2015، مُقارنةً بـ 71.5 مليون مشاهد لمثل هذه الألعاب في 2013.
وثمة أسباب عدة تقف وراء الازدهار الذي تشهده سوق الألعاب الإليكترونية؛ من بينها ازدياد عدد ممارسيها على نحو غير مسبوق (فقد بلغ حجم مبيعاتها في 2015 على مستوى العالم قرابة 114 مليار دولار).
إلى جانب قدرة هؤلاء اللاعبين على التباري ضد بعضهم البعض على الإنترنت، وبطبيعة الحال؛ حسبما يقول “يوست فان دريونين” الرئيس التنفيذي لشركة “سوبر داتا” فإن المعلنين – التواقين لاستهداف الشريحة العمرية من 15 إلى 35 عاما والتي تشكل مطمعا بالنسبة لهم – بدءوا في تمويل هذه المنافسات.
أن تصبح لاعبا محترفا
يمكن القول إن هناك المئات من ممارسي هذه الألعاب ممن يعتبرون أنفسهم لاعبين محترفين وعدد هؤلاء سيزيد؛ كما يؤكد رالف ريتشِرت؛ وهو مدير عام في شركة “ترتلز إنترتاينمنت” التي تتولى إدارة عدد من المنافسات والبطولات الكبرى في عالم الألعاب الإليكترونية والتسويق لها كذلك. ويقوم ريتشِرت بعمله من مدينة كولونيا الألمانية.
ويقول هذا الرجل إنه كما هو الحال في رياضات أخرى، لا يحقق العديد من اللاعبين سوى القليل من الأرباح. فمن بين 500 لاعب مدرجين في قائمة موقع “إي-سبورتس إرنينغس”؛ لم تتجاوز أرباح 300 منهم من انتصاراتهم خلال البطولات التي أقيمت العام الماضي 50 ألف دولار. لكن ريتشِرت يشير إلى أن فرص تحقيق مكاسب أكبر ستزيد مع دخول هذا القطاع من الرياضات في طور النضوج.
أما “فان دريونين” فيرى أن تحول المرء من ممارسة الألعاب الإليكترونية من داخل غرفة نومه إلى تحقيق النجاح فيها على مستوى البطولات يتطلب ساعات طويلة من الممارسة، والتحلي بمهارة كبيرة، وكذلك امتلاك أصابع سريعة الحركة.
فعدد الحركات التي يقوم بها الشخص العادي بيديه خلال ممارسته لإحدى الألعاب الإليكترونية يصل إلى مئة حركة في الدقيقة، بينما يتراوح متوسط العدد بالنسبة للمحترفين ما بين 350 إلى 500 حركة.
أما الفوز بإحدى هذه الألعاب – مثل “ليغ أوف ليجندز” أو “ستار كرافت تو” أو “دوتا تو”؛ وهي في غالبيتها ألعاب تقوم على المغامرات المثيرة ويتنافس فيها عدة لاعبين – يتطلب تفكيرا سريعا وتبني استراتيجيات مُعدة بعناية ودقة.
ولذا لا تختلف هذه الألعاب عن الشطرنج على سبيل المثال، وإن كانت تتطلب التصرف على نحو أكثر سرعة بكثير. ويقول “فان دريونين” إن الألعاب الإليكترونية تبدو كما لو كانت وليدة اقتران “بين هوكي الجليد والشطرنج .. فهي سريعة ومفعمة بالتوتر، ولكنها تتعلق كذلك بالصورة الأشمل، فأنت ترى منافسا يفعل شيئا ما، وينبغي أن يكون لديك ردٌ على ذلك”.
ارتقاء الدرج
وفي هذه الألعاب ليس هناك سوى طريق واحد لتحقيق الربح المالي؛ ألا وهو الفوز. ففي أوكرانيا، لم يكن لدى كروبنيك جهاز كمبيوتر في منزله، ولذا التحق بنادٍ للكمبيوتر في منطقته. وعندما تحسن مستواه في اللعبة التي كان يمارسها؛ “ستار كرافت بروود وور” – وهي اللعبة التي سبقت لعبة “ستار كرافت تو” – صار بوسعه إلحاق الهزيمة بالأعضاء الآخرين في النادي.
وقتذاك، دُعي كروبنيك لمواجهة لاعبين من أندية مختلفة، وتمكن من هزيمتهم أيضا. بعد ذلك، بدأ التنافس على شبكة الإنترنت مع لاعبين من كوريا الجنوبية، التي يعتبرها الكثيرون مهدا لـ”الرياضات الإليكترونية”. وفي هذه المواجهات؛ كان لـ”كروبنيك” قصب السبق كذلك.
رغم ذلك، فمن الضروري للمرء أن ينضم إلى فريق ما حتى يتسنى له الوصول إلى القمة في مثل هذه الألعاب. فعلى شاكلة رياضات أخرى؛ يوجد في عالم “الألعاب الإليكترونية” إداريون وكشافون يبحثون عن اللاعبين الأكثر تميزا للتعاقد معهم ثم التكفل بنفقات إشراكهم في مختلف البطولات الكبرى.
وقد كان 2004 هو العام الذي وقّع فيه كروبنيك العقد الأول في مسيرته. وفي ذلك الوقت، لم تكن أرباحه تتجاوز مئة دولار شهريا. ولكنه في نهاية المطاف انضم إلى فريق آخر بلغت معه أرباحه السنوية 24 ألف دولار، دون أن يشمل ذلك ما تُدره عليه انتصاراته في البطولات التي يشارك فيها.
وتكمن جاذبية “الألعاب الإليكترونية” في كونها صناعة ذات طابع عالمي، وهو ما يعني أن بمقدور الجميع في مختلف بقاع الأرض الانخراط فيها وتحقيق أهدافهم من خلالها.
ويقول “فان دريونين” إنه على الرغم من أن كوريا الجنوبية لا تزال تشكل الساحة الأبرز على مستوى العالم لممارسة الألعاب الإليكترونية، فإن أكبر معدلات النمو لتلك الألعاب تُسجل في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
ويشير إلى أن حجم الاستثمارات المرتبطة بهذا المجال بلغ ذروته في آسيا خلال العام الماضي بعد أن وصل إلى 321 مليون دولار، وهو ما يزيد بنحو مئة مليون دولار عن نظيره في أمريكا الشمالية.
أكثر من مجرد ممارسة للألعاب
رغم ذلك، فإن احتراف “الألعاب الإليكترونية” لا يشكل مجالا مهنيا مستقرا على المدى الطويل. فغالبا ما تطرأ تغيرات على شعبية هذه اللعبة أو تلك، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض دخل محترفيها على نحو كبير.
فضلا عن ذلك، فإن تكريس ساعات طويلة لممارسة تلك الألعاب لا يساعد على تكوين أسرة، كما يقول كروبنيك الذي تراجعت فترات مشاركته في المنافسات كثيراً منذ أن رُزِقَ بطفل.
ولكن لحسن الحظ، هناك وظائف أخرى مرتبطة بتلك الألعاب يمكن للمرء العمل فيها. فكروبنيك يعمل حاليا مديرا مشاركا في موقع “تويتش تي في”، وهو بمثابة منتدى على شبكة الإنترنت يجمع اللاعبين في مجال “الرياضات الإليكترونية”.
أما الشركة التي يعمل ريتشِرت مديرا عاما فيها، فلديها 400 موظف في مختلف أنحاء العالم. كما أن هناك نحو أربعين فرصة عمل متاحة فيها حاليا.
وفي هذا الصدد، يحتاج الرجل لتوظيف ذات الخبرات التي تريد أي شركة عاملة في المجال الإعلامي توظيفها؛ من عاملين في مجال التسويق، إلى مقدمي برامج تليفزيونية، بجانب متخصصين في مجال الإنتاج، وخبراء في شؤون إدارة البطولات، ومحاسبين وموظفين في الشؤون المالية.
ورغم أن احتراف المرء خوض المنافسات في مجال الألعاب الإليكترونية له في حد ذاته ما يشبه “فترة صلاحية” تنقضي بعد حين، فإن من ينخرطون في هذا المضمار لا يتركونه قط في واقع الأمر.
فكما يقول كروبنيك: “بمجرد أن تصبح ممارسا محترفا لتلك الألعاب، ستظل كذلك طيلة حياتك”.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي