يتصاعد الجدل في الأوساط الرسمية والشعبية الأميركية حول اقتناء السلاح الشخصي لأغراض الحماية الذاتية ومدى خطورة الاستمرار في إصدار التراخيص بشرائه وحمله ومحاذير استخدامه، كما يتسع النقاش ليشمل مخاطر التساهل في الاستخدام وما نجم عن ذلك من مجازر وكذلك في المقابل ما ترتب على التشدد في إصدار الأذون والرخص.
الحماية للجميع
ترفع منظمة «كرايم شيلد، يو إس إيه» لمحاربة الجريمة، شعارها الذي يقول «كل شخص يستحق الحماية»، وتقول إن قلة من الاميركيين هي التي تمتلك مهارات وقدرات قتالية ويمكنها الاعتماد على الذات في الدفاع، وتورد بعض أرقام الجرائم التي تقع سنوياً:
95 ألف حالة اغتصاب.
400 ألف حالة سرقة.
850 ألف هجوم.
جريمة قتل واحدة كل 22 دقيقة.
جريمة اغتصاب كل خمس دقائق.
جريمة سرقة كل 94 ثانية.
جريمة سطو كل 10 ثوانٍ.
ومنذ عام 1960 ارتفع معدل الجريمة في أميركا بمعدل 300٪.
وبين عامي 1989 – 2002 وقعت 159 مليون جريمة.
واستناداً الى تقارير صحافية فإنه ورغم تفاقم الازمة المالية العالمية تشهد الولايات المتحدة إقبالاً متزايدًا على شراء الأسلحة لأغراض الامن الشخصي نتيجة قلق الأميركيين المتزايد من احتمال ارتفاع نسبة الجرائم ذات الصلة بزيادة معدلات البطالة. وتقول صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية إن شركة «سميث أند ويسون» التي تنتج الأسلحة النارية تتوقع مضاعفة مبيعاتها في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، بعد أن حققت بالفعل زيادة قدرها 13٪ العام الماضي بينما قفزت مبيعات شركة أخرى هي «ستروم أند روغر» بنسبة 70٪ مقارنة بما كانت عليه عام .2008
عاطلون
وتضيف أن من بين أولئك الذيـن حصلـوا على سلاح جديد خلال العامـين الاخـيرين الكثير من الأميركيين الذين يشترون أسلحة للمرة الأولى في حياتهم، وكذلك عدد كبير من النساء وهي الشريحة الاكثر تعرضاً للاعتداءات. وترجع الصحيفة هذا التوجه إلى الحاجة المتزايدة إلى الحماية بعد أن تجاوزت نسبة البطالة 10٪، وهو رقم قياسي، ما عزز اعتقاد الكثيرين بجدية المثل القائل «العاطل عن العمل يساوي قوة قاتلة»، في خطورته.
جاء الارتفاع في نسبة شراء الأسلحة الشخصية بعد سلسلة أحداث اجرامية وقعت أخيراً، منها ما قام به مهندس تم الاستغناء عنه في السادس من نوفمبر الماضي بقتل شخص وإصابة خمسة آخرين في مكان عمله السابق فى أورلاندو بولاية فلوريدا.
شائعات
وهناك تفسير آخر لارتفاع نسبة مبيعات الأسلحة، وهو الشائعات التي يروج لها البعض عن أن الرئيس الاميركي باراك أوباما يعتزم إغلاق محال الأسلحة النارية باعتباره معارضاً للتعديل الثاني في الدستور الأميركي الذي يقضي بحرية حمل السلاح، الأمر الذي جعل عشاق امتلاك الأسلحة يهرعون أخيراً لشراء الكثير منها خوفاً من عدم التمكن من ذلك في المستقبل القريب.
جاءت مجزرة جامعة فيرجينيا تيك التي راح ضحيتها 33 من طلاب وأساتذة الجامعة، والتي قام بها طالب كوري جنوبي يقيم في الولايات المتحدة لتسلط الضوء من جديد على قضية من له حق حمل السلاح في أميركا، وخلفية هذا الحق دستورياً وتداعياته السياسية بين مؤيديه ومعارضيه.
وعبر كثير ممن هم خارج الولايات المتحدة من أميركيين وغيرهم عن صدمتهم من موقف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عندما عبر عن أسفه لسقوط الضحايا نتيجة استخدام السلاح الشخصي، لكنه بادر الى التأكيد على حق المواطن الاميركي دستورياً في اقتناء السلاح، وفي الوقت الراهن تتركز الأغلبية الساحقة من مؤيدي تقييد حق حمل السلاح في أتباع الحزب الديمقراطي الذين يتمركزون في المدن الكبيرة وعلى الساحلين الغربي والشرقي للولايات المتحدة، بينما يوجد أنصار ممارسة حق حمل السلاح وهم غالباً من اليمين المتطرف أو أعضاء في الحزب الجمهوري في الولايات الداخلية. وحتى التسعينات ظلت قضية حق حمل السلاح إحدى القضايا الرئيسة، لكنها تراجعت على سلم الأولويات في السنوات الأخيرة بسبب عدم تمتعها بشعبية كافية بين الناخبين الأميركيين المحافظين.
وتعتبر منظمة «اتحاد الأسلحة الخفيفة» الأميركي أقوى لوبي (جماعة ضغط) في هذا الشأن، وتضم 4.3 ملايين عضو، وتبرعت بنحو 15 مليون دولار بصورة مباشرة لحملات سياسية ولجان حزبية منذ عام ،1989 وذهب 84٪ من هذه الأموال لمصلحة الحزب الجمهوري، والدليل على النفوذ المتزايد لهذه المنظمة في السياسة الأميركية ما ذكرته مجلة «فورتشن». وتعد الولايات المتحدة الدولة الأكثر تعاملا بالسلاح في العالم، وطبقا لاستطلاع أجري قبل عامين حول الأسلحة الخفيفة فإن هناك ما لا يقل عن 84 بندقية أو مسدساً لكل 100 شخص في أميركا، ثم تأتي اليمن في المرتبة الثانية، حيث إن هناك 50 سلاحاً لكل 100 شخص، ثم بلدان الاتحاد الأوروبي بفارق كبير وهو 17 بندقية لكل 100 شخص. وتؤيد 56٪ من الاميركيين استمرار ممارستهم الحق الدستوري في حمل السلاح حتى خارج البيت، لكن نسبة المعارضين تتجلى بوضوح في الحزب الديمقراطي.
مذابح:
عام 1998 فتح مسلح النار على طلاب مدرسة فقتل أربعة طلاب ومعلماً في جونسبورو في آركنساس.
في مدرسة كولومباين الثانوية في كلورادو عام ،1999 أطلق شابان النار على زملائهما ما أسفر عن مقتل 12 تلميذاً ومدرساً قبل أن يطلقا النار على نفسيهما.
في يوليو 1999 قتل 31 شخصاً برصاص مسلح فتح النار في اطلنطا، وفي ديسمبر 1999من ذلك العام قتل خمسة اشخاص في فندق راديسون باي هاربور في مدينة تامبا بولاية فلوريدا.
في ديسمبر 2000 قتل سبعة أشخاص في ويكفيلد في ولاية مساتشوسيتس.
دفاعاً عن النفس
يعتقد أميركيون بضرورة اقتناء السلاح الشخصي لاعتبارات عدة أهمها الدفاع عن الذات وهواية الصيد المنتشرة في المناطق الريفية، وإشباع الرغبة الفردية في الوجاهة والقوة وإظهار السلطة، بالإضافة إلى التصدي للاستبداد والفساد من قبل الحكومة في حال تجاوزها صلاحياتها الدستورية. لكن معارضي امتلاك الاسلحة الشخصية يرون أنه لا مبرر للتوسع في اصدار التراخيص لهذا الغرض في بلد يتمتع بمؤسسات ديمقراطية منتخبة وقوة تنفيذ القانون بشفافية، ولا يسمح فيه بتجاوز ما نص عليه الدستور مما يحول دون ظهور الديكتاتورية.
كما يجادل فريق آخر بأن الدستور يعطي الحق لكل ولاية أميركية في تشكيل ميليشيا منظمة لحفظ الأمن، وهو ما يسمى الحرس الوطني في الوقت الراهن. ولا يستطيع «الكونغرس» نزع سلاح هذه الميليشيات وليس له الحق في ذلك، ويستطيع فقط تنظيم امتلاك الأسلحة الشخصية كما يريد. كما تتضارب الآراء حول فاعلية تحديد حمل السلاح في مختلف الولايات الأميركية التي تستطيع وضع بعض القوانين التي تحد من امتلاكه وتقيد استخدامه الأسلحة، إلا أنه لا يمكنها في نهاية الامر جعل امتلاك السلاح غير قانوني بصورة مطلقة رغم ان الارهاب يختلط احياناً بالعنف والجريمة الجنائية العادية، كالقتل غير العمد والشجار الزوجي أو العائلي والعنف الناجم عن مرض نفسي او عصبي كالانتحار.
مفيد
ويقول مؤيدو حمل السلاح إن حمله من قبل الاميركيين الذين يتقيدون بالقوانين يخفّض نسبة الجرائم، لأن وجود الأسلحة يردع المجرمين والسلاح الشخصي أداة مثالية للمرأة للدفاع عن نفسها في مواجهة محاولات الاغتصاب والاختطاف والسرقة، بينما تزاد نسبة تعرضها لمثل هذه الامور إذا لم تكن مسلحة.
وتتفادى المحكمة الدستورية العليا مناقشة مسألة حق حمل السلاح منذ تناولها قضية ميلر عام ،1939 وهي القضية التي كانت الشرطة في ولاية اركنسو قد ألقت فيها القبض على مجموعة من الأشخاص الذين كانوا قد ارتكبوا جريمة لتوهم وكانوا يحملون نوعاً من البنادق لا تستخدمه أي ميليشيات من الولايات الأميركية، زاعمين ان الدستور يكفل لهم حق حمل تلك الأسلحة. ويختلف الديمقراطيون والليبراليون من جهة والجمهوريون والمحافظون من جهة ثانية على تفسير الدستور بهذا الشأن، إذ يقول مؤيدو تقييد حمل السلاح إنه لا يحق للفرد الذي لا ينتمي إلى أي ميليشيا حمل السلاح، بينما يقول الفريق الآخر إن حق الفرد في حمل السلاح لا يشمل امتلاك أسلحة غير تقليدية.
وازدهرت تجارة السلاح في العالم لتحقيق أهداف تسويقية وامنية واجتماعية ولاسيما بعد تزايد العمليات الإرهابية في العالم، ورواج عمليات التهريب وتجارة السوق السوداء في الاسلحة وغيرها مما زاد من الحاجة إلى وضع الأنظمة والقوانين للحد من مخاطرها، والحد من سماسرة «السلاح الأبيض» الذي يباع وينقل من يد الى أخرى بلا رقيب أو ضوابط. وكشفت دراسة دولية نشرت في بريطانيا عن وجود 640 مليون قطعة سلاح في العالم تقتل أكثر من 1000 شخص يوميا، ويتم إنتاج ثمانية ملايين قطعة سلاح أخرى كل عام.
وأشارت حملة «كونترول آرمز» التي أعدت الدراسة أن 60٪من المشاركين أبدوا قلقهم من احتمالات أن يصبحوا ضحايا لعنف مسلح. وتشير تقارير منظمات دولية الى أن ما يقارب نصف حجم التصدير العالمي في مجال الأسلحة الخفيفة يأتي من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، كما يبلغ حجم التجارة السنوي بالأسلحة الخفيفة على مستوى العالم ما بين أربعة إلى ستة مليارات دولار، تضاف إليها سوق سوداء يزيد حجمها على مليار دولار.
نقلا عن الإمارات اليوم
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي