إن تعسف المحاكم في مصر، التي تستخدم لمعاقبة المعارضين السياسيين للحكومة، يتجسد في حكم السجن المؤبد (مدى الحياة)، الذي صدر بطريق الخطأ على ما يبدو، بحق طفل (3 سنوات) في 16 فبراير/شباط 2016.
قال أحد أعضاء فريق الدفاع لـ هيومن رايتس ووتش إن محكمة عسكرية في القاهرة، تنظر في قضية جماعية لـ 116 متهما، منهم أحمد منصور قرني شرارة، أصدرت الحكم بعد أن أخفق المحققون وأعضاء النيابة في إزالة اسم الطفل رغم من معرفتهم أنه أدرج خطأ ضمن المتهمين.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط: “هذه القضية مثال على القمع المتفشي في مصر اليوم. الشرطة والنيابة العامة والقضاة لا يكلفون أنفسهم عناء التحقق من الحقائق الأساسية، يسارعون بإرسال المتهمين إلى السجن”.
حكم على جميع المتهمين الـ 116 بالسجن المؤبد، رغم أنه 16 فقط منهم كانوا محتجزين، ليس من بينهم الطفل أحمد منصور. أمام المتهمين فرصة واحدة لاستئناف الحكم أمام محكمة الاستنئاف العسكرية.
قال محامي الدفاع إن الشرطة داهمت منزل أسرة الطفل في 2014 معتقدة أنه شخص راشد، لإلقاء القبض عليه عقب مظاهرة. عندما قال منصور قرني أحمد علي – والد الطفل – إن المطلوب هو ابنه الصغير، لم يصدقوه، فأحضره لهم مع شهادة ميلاده (اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش). ألقت الشرطة القبض على الأب، بدل الطفل، واحتجزته 4 أشهر.
ردا على استفسارات وسائل إعلام، قدمت السلطات تفسيرات ناقصة ومتناقضة.
قال المتحدث العسكري للقوات المسلحة، في بيان على فيسبوك في 21 فبراير/شباط، إن الشخص المحكوم في القضية لم يكن الطفل ذي الثلاث سنوات بل طالبا (16 عاما) حاولت الشرطة القبض عليه في 2014 لكنه هرب. لم يوضح المتحدث العسكري سبب توجه الشرطة في 2014 إلى منزل الطفل (3 سنوات) أو سبب القبض على والده.
قال اللواء أبو بكر عبد الكريم المتحدث باسم وزارة الداخلية، في مكالمة هاتفية خلال مقابلة تلفزيونية من الاستوديو مع الأب والابن في 20 فبراير/شباط، إن المحكوم عليه هو عم الطفل. لكن والد الطفل رد بأن العم عمره 52 عاما. قالت والدة الطفل، في اتصال هاتفي خلال المقابلة التلفزيونية، إن الشرطة جاءت لمنزل العائلة، مرة أخرى، في ذلك اليوم؛ للقبض على الأب والابن.
تعود القضية إلى يناير/كانون الثاني 2014، جراء تظاهرة مناهضة للحكومة في الفيوم (65 ميلا جنوب القاهرة) أنحت فيها السلطات باللائمة على مؤيدي جماعة “الإخوان المسلمين”. فرقت قوات الأمن المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والذخيرة الحية، ما أسفر عن مقتل مدرس (52 عاما)، وطالب (18 عاما) وعامل بناء (28 عاما). كما أصيب عدة أشخاص.
قال محام لحقوق الإنسان بحث القضية لـ هيومن رايتس ووتش إنه في أعقاب الواقعة، أوصى ضباط “قطاع الأمن الوطني” في وزارة الداخلية بتوجيه تهم – وافقت عليها النيابة العامة – ضد عينة عشوائية، على ما يبدو، من سكان الفيوم، شملت شقيقي قتيلين من قتلى التظاهرة، ورجلا مُتَوَفّى، ورجلا آخر لم يكن في البلاد وقت التظاهرة. في فبراير/شباط 2015، أحالت النيابة العامة القضية إلى النيابة العسكرية.
وُجهت لجميع المتهمين الـ 116 اتهامات بقتل المحتجين الثلاثة القتلى، والشروع في قتل 8 آخرين، وإتلاف عمدي لممتلكات حكومية، وفقا للائحة الاتهام التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش. كما شملت الاتهامات استخدام القوة والعنف ضد موظفي الحكومة، بمن فيهم عناصر الجيش والشرطة.
أحالت النيابة العامة المصرية، بأثر رجعي، الآلاف من المدنيين للمحاكمات العسكرية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014، عندما أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بقانون يوسع كثيرا اختصاص المحاكم العسكرية. ينص “القرار بالقانون رقم 136 لسنة 2014 في شأن تأمين وحماية المنشآت العامة والحيوية” على أن تتولى القوات المسلحة معاونة أجهزة الشرطة والتنسيق الكامل معها فى تأمين وحماية المنشآت “العامة” و”الحيوية”، بما فى ذلك محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والجسور وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل فى حكمها.
كل المدنيين تقريبا الذين أحيلوا على المحاكمات العسكرية منذ صدور القرار بقانون كانوا يحاكمون بالفعل أمام محاكم مدنية. أحيلت قضاياهم على محاكم عسكرية بعد أن أصدر النائب العام، وقتذاك، هشام بركات، قرارا في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، يلزم أفراد النيابة في أنحاء البلاد بـ”تجميع وإحالة أية قضايا تتعلق بالجرائم المذكورة في أية مرحلة [من مراحل التحقيقات] إلى النيابة العسكرية متى طلب منهم هذا”.
تحظر المادة 111 من قانون الطفل في مصر (القانون رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008) معاقبة الأطفال بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو بالسجن المشدد. كما رفع القانون الحد الأدني لسن المسؤولية الجنائية من 7 إلى 12 سنة. لجنة الخبراء التي تفسر وتراقب مدى التزام الدول مع “اتفاقية حقوق الطفل” للأمم المتحدة التي صدقت عليها مصر، حثت مصر على “ضمان عدم مثول الأطفال أو ملاحقتهم قط أمام نظام القضاء العسكري، واعتبار أي حكم صادر من المحاكم العسكرية في حق الأطفال لاغيا وباطلا”، وفقا لحقوقهم في قانون الأحداث.
تعمل المحاكم العسكرية في مصر تحت سلطة وزارة الدفاع، لا السلطات القضائية المدنية. قضاة هذه المحاكم من ضباط الجيش العاملين. إجراءات المحكمة العسكرية عادة لا تراعي توفر إجراءات التقاضي السليمة الأساسية، ولا تتوفر فيها شروط استقلال القضاء ونزاهته. المحاكم العسكرية تحاكم الأطفال أيضا، وهو ما تعارضه هيومن رايتس ووتش في جميع الظروف.
الدستور المصري يسمح بالمحاكمات العسكرية للمدنيين، لكن هذه الممارسة تنتهك القانون الدولي، بما في ذلك “الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب” الصادر في 1981، وصدق عليه البرلمان المصري في 1984. كما أن “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” أكدت على عدم جواز محاكمة المدنيين عسكريا في الظروف كافة.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي