دمشق – عبد الله سليمان علي –
تدخل الأزمة السورية خلال الساعات المقبلة منعطفاً جديداً، حيث تنتهي المهلة الممنوحة أميركياً وروسياً، وبمظلة تأييد أوروبي، للمجموعات المسلحة لتحديد وجهتها، مع الهدنة أم ضدها، ما سيعني حتما ان الخريطة العسكرية لمئات جبهات الاقتتال السوري، وولاءات الفصائل المسلحة على تنويعاتها المعارضة، «المعتدلة»، الاجرامية، الجهادية والتكفيرية، قد تبدأ في التبدل جذريا في الايام والاسابيع المقبلة، إذا قدر لمبادرة «وقف الاعمال العدائية» ان تصمد، محلياً واقليمياً ودولياً.
كما ستحدد الساعات القليلة المقبلة وجهة الحل السياسي، وما إذا كان المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا سيتمكن من تحديد موعد الجولة الجديدة من مفاوضات «جنيف 3» بين السلطات السورية والمعارضة بعد سقوط الموعد الذي كان محدداً للخامس والعشرين من شباط الحالي. واستبقت موسكو دخول وقف الأعمال العدائية حيز التنفيذ ليل الجمعة ـ السبت بمواصلة انتقاد تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري حول اعداد خطة بديلة في حال فشل الهدنة أو عدم حصول «انتقال سياسي خلال شهرين»، مؤكدة انه لا يوجد خطة بديلة عن الاتفاق، الذي سيعقد اجتماع لمجموعة فريق العمل لوقف إطلاق النار بشأنه اليوم.
وما يظهر أهمية الساعات المقبلة، قول دي ميستورا إن «يوم غد سيكون يوما في غاية الأهمية، بل حاسما»، حيث سيجتمع فريق العمل لوقف إطلاق النار في جنيف لبحث سبل تطبيق الهدنة، و «بعد ذلك يعقد اجتماع عبر الفيديو مع مجلس الأمن، وسيكون بوسعي عندها أن أقول لكم إلى أين وصلنا، وإعطاؤكم معلومات حول استئناف محادثات جنيف».
وفي الوقت الذي كان فيه كيري يخفف قليلاً من حدة هجومه على دور إيران في سوريا، مشيراً إلى أن دورها في الميدان يتراجع مع سحب الحرس الثوري عدداً مهماً من عناصره، واصلت أنقرة التغريد خارج السرب، معلنة على لسان رئيس الحكومة أحمد داود اوغلو أن «هذه الهدنة ليست ملزمة، ولا تعني سوى سوريا»، مضيفاً «عندما يتعلق الأمر بأمن تركيا، لا نطلب أي إذن، بل سنقوم باللازم، مع كل من وحدات حماية الشعب (الكردية السورية) وداعش عندما نرى أن الأمر يتطلب هذا».
ونقلت قناة «الميادين» عن رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف قوله إن السعودية تصف الغارات الروسية في سوريا بالعدوان وتتجاهل غارات تحالف واشنطن على هذا البلد، مضيفاً أن «عاماً ونصف العام من القصف الاميركي أدى إلى تمدد داعش، أما غارات الطيران الروسي فأدت إلى تقلصه».
وجاء كلام كوساتشوف رداً على تصريحات السفير السعودي في موسكو عبد الرحمن بن إبراهيم الرسي، الذي قال إن السياسة الروسية في سوريا «لا تخدم المصالح الروسية». وأضاف أن المباحثات مع المسؤولين الروس «كشفت عن خلافات كبيرة»، معتبراً أن الرياض «تصنف جميع المنظمات التي أحضرتها إيران من باكستان وأفغانستان لسوريا بالإرهابية، وأن السعودية تجرّم كل الجماعات المسلحة التي تحارب خارج أراضيها، بما فيها حزب الله». وتابع إن «حزب الله إرهابي، وعلى إيران أن تغير سياستها في المنطقة».
وعلى الرغم من هذا السجال الروسي – السعودي والتحايل التركي، والتباينات الاميركية – الروسية، بدأت الهدنة تفرض إيقاعها على الميدان السوري بتشعباته وتعقيداته، حتى قبل دخولها حيز التنفيذ.
الهدوء المرتقب على جبهات القتال في الشطر الغربي من البلاد، يقابله تطلّع الأطراف المتصارعة إلى إشعال جبهات جديدة في الشطر الشرقي، حيث يسيطر تنظيم «داعش»، لأنها ستكون الأرض الوحيدة التي لا يحرم فيها القتال. وفيما تتسارع بيانات التأييد من قبل غالبية الفصائل للحاق بركب الهدنة قبل فوات الأوان، تتسابق فصائل أخرى مع الوقت لإكمال عمليات إعادة انتشارها، تحسباً من الغضب الذي سيحل بالمحرومين من نعمتها.
ورفع «البنتاغون» من وتيرة السباق نحو محافظة الرقة، معقل «داعش» الأبرز في سوريا، عبر تأكيده أن «حصار الرقة بات قريباً بعد الهزائم المتتالية التي مني بها التنظيم في شمال سوريا مؤخراً»، معتبراً أن سيطرة «وحدات حماية الشعب» الكردية السورية على مدينة الشدادي خطوة على طريق عزل الرقة.
وكان الجيش السوري قد أعلن، في وقت سابق، عن إطلاقه «معركة التوجه إلى الرقة»، بالتزامن مع قيامه بعملية عسكرية واسعة على طريق أثريا – الطبقة، يتوخى منها الاقتراب من حدود المحافظة. ومما لاشك فيه أن فترة الهدنة، التي من المتوقع أن تستمر لمدة أسبوعين، ستشكل فرصة ذهبية لعدد من الأطراف لسحب قواتها من جبهات القتال الهادئة، بفعل الهدنة، إلى خطوط التماس مع مناطق «داعش» لتضمن لنفسها حصة منها.
وسيكون ريف حلب الشرقي، الواقع تحت سيطرة «داعش»، بمدنه الرئيسية الثلاث جرابلس ومنبج والباب، منطقة لاختبار النوايا بين الأطراف المتصارعة، ومدى تمسكها باستمرار الهدنة. فالوضع فيه بالغ التعقيد وشديد الحساسية، نتيجة احتشاد غالبية القوى على أطرافه، فالأكراد من الشرق، والجيش السوري من الجنوب والجنوب الغربي، وتركيا من الشمال، وبعض الفصائل المسلحة من الغرب. وبالتالي فإما أن يدفع هذا الاحتشاد للتهدئة وتحييد المنطقة، وهو ما يخالف مبدأ الهدنة التي تقوم في أحد جوانبها على استمرار «محاربة الإرهاب»، وإما أن يقود ذلك إلى إشعال فتيل حرب ضروس للتسابق على اقتطاع أجزائه، الأمر الذي يمكن أن يهدد الهدنة ذاتها، لأن تركيا لن تقبل باي شكل من الأشكال رؤية الجيش السوري أو «وحدات الحماية» وهما يقتربان من حدودها عبر هذا المحور، بعد أن كادت تهدد المنطقة بحرب إقليمية واسعة لمنعهما من الاقتراب من محور إعزاز.
وفي هذا الإطار، بادرت تركيا إلى جمع قادة الفصائل الناشطة في ريف حلب، بما فيها «جبهة النصرة»، للتباحث حول التحديات التي تفرضها الهدنة وكيفية التعامل معها. وكان ممثلو الفصائل متواجدين أساساً في تركيا منذ أسبوعين، حيث عقدوا سلسلة من الاجتماعات لدراسة موضوع التوحد والاندماج بين فصائلهم، لكن الهدنة فرضت نفسها، وأصبحت هي الموضوع الوحيد المطروح على الطاولة، وذلك وفق ما أفاد «السفير» مصدر من «الجبهة الشامية» المشاركة في الاجتماعات.
وقد تمحور الاجتماع الأخير، الذي ضم عدداً من قادة الفصائل الكبرى، حول احتمال قيام «وحدات حماية الشعب» باستغلال الهدنة لخرق الخط الأحمر التركي، والتقدم نحو منبج أو جرابلس غرب نهر الفرات، حيث تباحث المجتمعون كيفية التعاطي مع هذا التطور، وما هي الخيارات المتاحة للرد عليه. وأكد المصدر أن الاجتماع انتهى إلى تبني قرار واضح بعدم السماح للطرف الكردي بالقيام بذلك، ولو كان الثمن انهيار الهدنة.
وعليه، من غير المستبعد أن تكون التهديدات التي صدرت، خلال الأيام السابقة، عن بعض الفصائل ضد مدينة عفرين، سواء بإعلانها منطقة عسكرية إلى أن ينسحب منها «المقاتلون الأكراد» و «جيش الثوار»، أو بقطع الطرق التي تصلها مع إعزاز لتضييق الحصار عليها، من بين المقررات التي صدرت عن تلك الاجتماعات، لتكون بمثابة تحذير للأكراد لعدم ارتكاب أي مغامرة.
بدورها، بادرت «جبهة النصرة» إلى تنفيذ عملية إعادة انتشار لمقاتليها استباقاً لسريان الهدنة. وقال مقربون منها إن إعادة الانتشار تهدف إلى «حماية المدنيين» وتقليل الخسائر جراء القصف المتوقع على معاقلها، خصوصاً في محافظة إدلب. وقد شهد ريف إدلب الشمالي، أمس، قيام «جبهة النصرة» بإخلاء مقارها ومبنى «دار القضاء»، وإزالة جميع حواجزها المنتشرة على أطراف مدينة سرمدا وداخلها وسلمتها للأهالي.
إلا أن مصادر محلية في مدينة إدلب أكدت، لـ «السفير»، أن تحركات «جبهة النصرة» أوسع مما جرى الإعلان عنه، وتشمل هذه التحركات جميع مقارها المتواجدة في المحافظة، وهي أقرب ما تكون إلى إعادة انتشار كامل. وأشارت المصادر إلى أن بعض المقار التي أخلتها «النصرة» قامت بتسليمها إلى فصائل أخرى مشمولة بالهدنة، وبالتالي محصنة من القصف. وتكمن خطورة هذا التسليم والاستلام للمقار أنه قد يلعب دوراً في تضليل الطائرات التي يمكن أن تستهدف مقار «جبهة النصرة» وفق إحداثيات سابقة على إعادة الانتشار، فتُتَّهم بقصف مدنيين أو فصائل مشمولة بالهدنة. كما أن امتناع الطائرات عن القصف في حال تحديث الإحداثيات سيعني أن «النصرة» نجحت في حماية مقارها.
من جهة أخرى، لم يصدر أي تعليق رسمي عن «حركة أحرار الشام» حول الهدنة، لا بالسلب ولا بالإيجاب.
وتجد الحركة نفسها في موقف بالغ الصعوبة، فهي مضطرة إلى مراعاة جناح واسع داخلها يرفض الهدنة، لأنها تستثني «جبهة النصرة»، وهو ما عبر عنه في وقت سابق عضو مجلس الشورى أبو البراء معرشمارين، في تغريدات على «تويتر»، شدد فيها على أنه «لا هدنة من دون النصرة، لأنها من الفصائل الصادقة». في المقابل لا تستطيع الحركة مخالفة توجهات الدول الداعمة التي يتناغم معها باستمرار جناح الحركة السياسي. والأهم أن الحركة لا تريد المخاطرة بوضع نفسها على قائمة الاستهداف الدولي في حال رفضت الهدنة.
هذا التضارب، ربما، هو ما دفع «لواء الفتح»، الذي انضم قبل شهرين للحركة، إلى إعلان انشقاقه عنها، والانضمام إلى المجلس العسكري في حلب.
ولا يمكن التأكيد، حتى الآن، ما إذا كان قبول «هيئة التفاوض» للهدنة يشمل الحركة أيضاً، بسبب المسافة التي أخذتها «أحرار الشام» عن «هيئة التفاوض» عندما أعلنت الانسحاب منها، وتركت أمر علاقتها بها ضبابياً. لكن يمكن التأكيد أنه يشمل جميع الفصائل الأخرى، بما فيها «جيش الإسلام». وقال عضو «الائتلاف السوري» المعارض منذر ماخوس إن «أكثر من 45 فصيلاً أبدى موافقته على الهدنة»، مشيراً إلى أن «هناك إجماعا على قبولها»، لكنه لم يذكر أسماء هذه الفصائل.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي