تدل المؤشرات على أن الغرب حسم أمره في ليبيا، وأنه في طور إقامة نقاط تمركز وتنسيق على أراضي هذا البلد استعدادا لتنفيذ عمليات عسكرية ضد “داعش” هناك.
تأتي هذه التطورات بعد شهور طويلة من التردد ومن التصريحات الرسمية التي كانت تقلل من شأن هذا التنظيم في ليبيا، ودأبت على القول إن أعداد عناصره قليلة وأغلبهم وافدون يتمركزون في مدينة سرت الساحلية، وأن لا امتداد لهم ولا جذور داخل المجتمع الليبي.
هذا الموقف بدأ في التغير متأخرا على الرغم من حادثة الإعدام المدوية التي نفذها الدواعش في استعراض سينمائي في سرت حين لطخوا مياه المتوسط بدماء 21 قبطيا مصريا في فبراير من عام 2015، في رسالة وتهديد عنيف لأوروبا.
تلا ذلك، استعراض دموي آخر قام به هذا التنظيم بإعدامه 28 مواطنا إثيوبيا في أبريل من نفس العام في منطقتين مختلفتين، الأولى صُورت على ساحل المتوسط، والثانية في منطقة صحراوية.
وهاجم أيضا مسلحو التنظيم انطلاقا من محيط سرت عدة مرات حقولا نفطية وقاموا بإضرام النيران في منشآتها، ناهيك عن الإعدامات المتفرقة التي نفذت بانتظام في الساحات العامة في مدينتي درنة وسرت.
بعد الهجمات الدموية التي تعرضت لها باريس في نوفمبر من عام 2015، بدأ الغرب يستشعر الخطر الداهم الذي يمثله انتشار داعش على سواحل المتوسط الجنوبية في ليبيا على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة لهذه المنطقة بحادثة الهجوم على باريس.
وبات الإعلام الغربي منذ ذلك الحين يتحدث بنبرة جديدة عن خطر داعش في ليبيا، مطالبا بالمسارعة في مواجهته ومنعه من إقامة ملاجئ آمنة على مرمى حجر من أوروبا.
وبعد أن كان الساسة الغربيون وخاصة الأمنيون منهم لا يكترثون بنشاط داعش في ليبيا، ويصفون الأنباء عن تعاظم قوته وتغلغله في أنحاء ليبيا بأنها مبالغات لا أساس لها، ذهبت بعض وسائل الإعلام الدولية إلى النقيض من ذلك بنشر روايات وقصص تهول من خطر داعش المتربص في ليبيا، ذكرت في إحداها أن زعيم داعش أبو بكر البغدادي تمكن من التسلل خلسة من مخابئه في العراق وسوريا وقطع الفيافي ووصل إلى سرت هربا من جحيم الحرب هناك!
هذه الرواية لم تصمد طويلا، لكن القلق الأوروبي والغربي حيال الوضع في ليبيا اشتد، وبدأت التصريحات الرسمية في الغرب تدق طبول الحرب على داعش في ليبيا من خلال استراتيجية تعتمد على المسارعة في تحقيق تسوية سياسية بين الأطراف الليبية المتصارعة تفضي إلى تشكيل حكومة وفاق وطني تكون بمثابة أرضية لمواجهة عسكرية مع داعش يخوضها الليبيون برا مدعومين بالغرب جوا.
وحين تعذر جمع الفرقاء الليبيين في حكومة واحدة، بادرت الولايات المتحدة وحليفاتها باتخاذ خطوات عملية حيث تم اغتيال مبعوث البغدادي إلى ليبيا أبو نبيل الأنباري خلال غارة شنتها الطائرات الأمريكية على موقع في أطراف مدينة درنة شرقي ليبيا نهاية العام الماضي، ثم شنت غارة أخرى الشهر الجاري على موقع لداعش في مدينة صبراتة غربي طرابلس قتل خلالها 49 شخصا من عناصر التنظيم.
بعد ذلك بدأت الصحف الغربية تتحدث عن وجود مستشارين عسكريين فرنسيين في بنغازي للتنسيق ضد داعش مع قوات الجيش هناك، تلتها تقارير أشارت إلى وجود قوات خاصة بريطانية وأمريكية في مدينة مصراتة القريبة من سرت هدفها تدريب “جماعات ليبية مختارة”.
لا يبدو أن الغرب مستعد للمخاطرة بإرسال قوات برية إلى ليبيا، ومن الأرجح أن وجود العسكري هناك، إن صح، يقتصر على مستشارين عسكريين للتدريب والتنسيق.
لكن اللافت أن توزيع المهمات في ليبيا بين فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا يدعو إلى الريبة، حيث تنفرد باريس ببنغازي شرق البلاد، وتعمل الولايات المتحدة وبريطانيا في المنطقة الغربية في مصراتة، بحسب الأنباء التي انتشرت مؤخرا.
وحتى الآن لم تنف باريس وجود عسكريين فرنسيين في بنغازي، فيما تركز النفي الليبي الرسمي بالمدينة على عدم وجود قوات فرنسية مقاتلة على الأرض.
فهل يمكن أن يكون ما يجري من نشاطات للدول الثلاث في ليبيا مجرد تنسيق تقتضيه الظروف، أم هو تمهيد لتقاسم الكعكة الليبية؟
هذا التساؤل لم يأت من فراغ، وليس الغرض منه كيل اتهامات جوفاء، لكنه بمثابة وقفة للتفكير خاصة أن الأنباء عن تحركات الدول الثلاث في ليبيا تزامنت مع نشر تقارير في الغرب تحدثت صراحة عن احتمال تقسيم ليبيا إلى ثلاثة أقاليم، برقة، طرابلس، فزان.
محمد الطاهر
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي