«تصور شيخاً عربياً جاهلاً وطمّاعاً وكذاباً وساذجاً ومرتاباً وعنيداً ومغروراً… زُجّ به فجأة في مركز تعيّن عليه فيه أن يعالج مسائل مختلفة لا يفهمها، عندئذ تتكوّن لديك صورة للملك حسين». (1) كانت هذه العبارات الموجزة تلخيصاً مكثفاً لشخصية حسين بن علي، أول ملوك «الهاشميين» ورأس سلالتهم. وقد كتبها القنصل البريطاني في جدّة ريدر بولارد عام 1922، ضمن تقرير مفصّل بعثه إلى وزارة الخارجية في لندن، تناول فيه المستوى المضطرب الذي وصلت إليه المدارك العقلية لرجل هيّأت له بريطانيا أن يحكم مع ولديه ثلاث ممالك عربية (الحجاز والعراق والأردن). بلغ العَتَهُ بـ«الشريف» حسين مبلغاً جعله يتباهى أمام ضيوفه الأوروبيين بحوض حمّام منزلي (bathtub) أهداه له «المستر» تشارلز كرين، وهو كان مندوب الرئيس الأميركي وودرو ويلسون. والظريف في الأمر، أنّ قصر «الشريف» المطلّ على البحر الأحمر في جدّة، لم يكن يحتوي قنوات صرف صحي، ولا نظام تزويد بالمياه، فما كان من الملك «الهاشمي» إلاّ أن وضع «البانيو» القرنفلي، فوق سطح قصره، واتخذه مسبحاً صغيراً يستحم فيه، في الهواء الطلق!
كان تقرير القنصل البريطاني في جدّة، ريدر بولارد، عن أعراض العَته وحالة الفصام التي أصابت ملك «الهاشميين» الأول، حسين بن علي، بمنزلة ستارة نهائية أسدلت على دور شيخ عربي، قُدّر له منذ مئة عام بالتمام والكمال، أن يكون أداة فعّالة في تنفيذ مشروع غربي هدف إلى قلب موازين القوى التي حكمت المشرق العربي زهاء أربعة قرون، وإلى تغيير الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط. لم يكن ذلك الشيخ الذي حمل لقب «شريف مكة»، يعي جيّداً طبيعة دوره الوظيفي، فهو كان يحسب نفسه حليفاً حقيقياً للإمبراطورية البريطانية، لكنّ الغربيين لم يكونوا يرونه إلّا أداة تستعمل حين يكون لها جدوى، ويُرمى بها جانباً حين لا يعود لها فائدة.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي