كريم حسامي –
فاجأ رئيس الحكومة التركيّة رئيس حزب «العدالة والتنمية» أحمد داود أوغلو الرأيَ العام العالمي، خصوصاً التركي، باستقالته من منصبه، بعد تقارير صحافية عن خلافات حادّة حصلت أخيراً بينه وبين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان تتعلّق بمواضيع محلّية – إقليمية – دولية. وأحدثت هذه الاستقالة خضّةً في كُلّ غرَف القرار السياسي والاستراتيجي، في وقتٍ يحاول المُحلّلون تلمُّسَ تأثيرها في الوضعين التركي والإقليمي.أكّد السفير اللبناني السابق في واشنطن عبد الله بو حبيب في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ «شخصيات تركيّة أبلغَته خلال مؤتمرات سابقة أنّ داود أوغلو لن يتسامح إلى ما لا نهاية مع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان» ويبدو أنّ هذا هو السبب الرئيس لاستقالته».
وأوضَح أنّ «موقع رئاسة الجمهورية صوريّ أكثرَ منهُ تنفيذياً وفقَ الدستور، لذا كان لا بدّ من أن يأتي يوم ويستقيل فيه أوغلو، لأنّ أردوغان يريد تغييرَ النظام من برلماني إلى رئاسي، بحيث يَحكم الرئيس ويبقى رئيس الوزراء مُجرّد صورة». وأشار إلى أنّ «الحكومة التركية العتيدة ستُقدّم مشروعاً لتحويل النظام السياسي إلى رئاسيّ، وهو ما يَرفضه رئيس الوزرء المستقيل وليس راضياً عنه».
وتابع بو حبيب: «قرّر داود أوغلو الخروج بشرف للحفاط على نوع من الكرامة التي تسمح له بالعودة إلى الحقل السياسي مستقبَلاً كمُستقلّ أو على رأس حزب آخر، بدلاً من مواجهة أردوغان الزعيم الذي ستؤدّي مواجهته إلى الخسارة»، لافتاً إلى أنّه «لم يتعرّض لأردوغان بأيّ كلمة خاطئة، وكان يمكنه أن يبقى معارضاً داخل حزب «العدالة والتنمية» لكنّه لا يمكنه وقتذاك التكهّن بمستقبله السياسي».
وشدّد على أنّ «المُرشّح المقبل للحزب الذي يصبح رئيساً للحكومة سيُسمّيه أردوغان»، نافياً أن «يكون داود أوغلو قد استقال بسبب مشكلات كبيرة مع الجيران الإقليميين التي تَسبَّب بها أردوغان بعدما كان ضمن استراتيجية نظرية صفر مشكلات مع الجيران».
وأعلن السفير اللبناني السابق في واشنطن أنّ «الأميركيين غير مرحِّبين بهذه الاستقالة لأنّهم يكنّون احتراماً كبيراً لأوغلو، ولا يُبدون التعاطف نفسَه تجاه أردوغان».
وضعُ تركيا السيّئ
مِن جهته، شدّد الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية الدكتور وليد الأيوبي، في حديث لـ«الجمهورية»، على أنّ «استقالة أوغلو يمكن إدراجها في خانات عدّة، وهي أوّلاً تعبيرٌ عن الأزمة التي يعيشها حزب «العدالة والتنمية» بالتأكيد، وأزمة على المستوى النخَب على الأقلّ في هذا الحزب»، موضحاً: «عندما نتكّلم عن استقالة أوغلو، يجب أن نُظهّر طبيعة العلاقة التي تربطه بالنخَب التي تُكوّن حزب العدالة، وفي مُقدّمها طبعاً يأتي رجب طيّب أردوغان».
وأضاف الأيوبي أنّ «طبيعة أوغلو يطغى عليها الطابع التكنوقراطي أكثر ممّا يطغى الطابع السياسي، فهو تكنوقراطي وأستاذ جامعي ومُفكّر معروف، وصاحب مُؤلّفات عدّة، أبرزُها «العمق الاستراتيجي لتركيا في العالم وفي الإقليم»، فضلاً عن عملِه في الصحافة لفترة طويلة». وتابع أنّ «هذا اللاعب والمفكّر الاستراتيجي هو المهندس الحقيقي الأوّل لسياسة تركيا الخارجية القوية».
وأشار إلى أنّه «يعالج المسائل بروحيّة موضوعية لا تطغى عليها العلاقات والمصالح السياسية، ويتعاطى مع الواقع السياسي – الإقليمي – المحلّي من زوايا أخلاقية (لا أقول إنّ الآخرين غير أخلاقيين)، لكنّه يُعتبر «معيارياً» في علاقاته الإقليمية وعلاقاته التركية».
واعتبر أنّ «معنى «معياري» هو مثلاً مقاربتُه للعلاقة مع «حزب العمّال الكردستاني» وهي مقاربة سلمية، وهو يَدعو إلى معالجة هذه الأزمة بالطرُق السلمية، وهذه الاستراتيجية لا يعتمدها أردوغان، حيث نَشهد حرباً ضروساً بين الطرَفين، يسقط فيها عشرات القتلى والجرحى»، مضيفاً أنّ «المؤشّر الآخر على سياسة أوغلو ونزعتِه «المعيارية» هو أيضاً مقاربتُه للقضايا الإقليمية، حيث نجد أنّه يعتمد سياسة حسنِ الجوار عبر محاولة معالجة مشكلات تركيا مع دول الجوار بالطرق السلمية وتحقيق الهدف: لا أعداء للبلد».
وأكّد الأستاذ المحاضر في العلاقات الدولية أنّ «هناك اختلافاً في مقاربة هذا الملف بين أوغلو وأردوغان الذي يُعتبر زعيم كاريزما ولديه قاعدة شعبية، غير أنّه مشغول بالقيَم الإسلامية التي يَملكها أوغلو طبعاً، فأردوغان مُتمسّك إلى حدّ كبير بالإسلام السياسي، وحسابات أردوغان سياسية لأنّه جدّي جدّاً في أن يكون لتركيا دورٌ في العالمَين العربي والإسلامي وفي وسط آسيا… إلى آخره»، لافتاً إلى أنّ «هذا من صلبِ فكرِه السياسي والأخلاقي».
أمّا أحمد داود أوغلو، فلديه توازن واقعي جداً بين انفتاح تركيا على العالمين العربي والإسلامي وبين انفتاحها على أوروبا والغرب، وفقَ ما أشار الأيوبي.
وتابع: «يمكن رؤية التمايز بين مدرسة أردوغان للإسلام السياسي التقليدي ومدرسة أوغلو للإسلام العملي»، مؤكّداً أنّ «النزاع بين المدرستين مترجَم على الأرض عبر استغلال حزب العدالة والتنمية فرصة غياب أوغلو عندما زار الإمارات العربية المتحدة وعيّنَ قادةً للحزب بضوء أخضر من أردوغان في المحافظات التركية، بينما هي صلاحيات تعود لأوغلو، ما يُعتبر تجاوزاً لصلاحياته الحزبية وهي القشّة التي قصَمت ظهر البعير، فهي بداية التحوّل التي أخَذ على أساسها أوغلو قرارَ الانسحاب، لأنّه رأى نفسَه في بحرٍ تَتلاطمه الأمواج وسيتحوّل إلى دمية في أيدي الحزب، وأنّ أردوغان لا يزال الرئيسَ الفعلي للحزب».
واعتبر أنّ «قرار الاستقالة مهمّ جدّاً لأنّه يقع على مفترق طرق، فتركيا في وضعٍ لا تُحسَد عليه، لأنّها في أزمة داخلية جدّية وتُعاني من الانفجارات المتنقّلة وفي حرب مع النظام السوري وروسيا، وفي حالٍ من الحرب الباردة مع الإتحاد الأوروبي»، مُشدّداً على أنّ «قرار الاستقالة جاء في ظلّ هذا الوضع المأسوي، ما يزيد الطين بلّة».
أمّا في خصوص أزمة المهاجرين حيث نشهد نزوحاً مليونيّاً تجاه القارّة العجوز وبوّابتها تركيا التي تخوض نزاعاً خفيّاً، وتعيش حالاً من التفاوض والمدّ والجزر مع الأوروبي في هذا الشأن، فقال الأيوبي إنّ «الأوروبّيين ساعدوا تركيا التي نجحَت في العمل على تخفيف عدد اللاجئين إلى الدول الأوروبية»، لافتاً إلى «وجود نوع من التوافق على هذا الموضوع بين أردوغان وأوغلو لأنّ خطة النازحين ستُساهم في أن تتقدّم أنقرة في خطوة إلى الأمام للدخول إلى الإتحاد الأوروبي».
وهناك اختلاف في مقاربة الرئيس التركي لموضوع الحرّيات، حيث يستعمل العصا وليس الجزرة، وفق ما يلفت الأيوبي.
أمّا في شأن رأي الأميركيين باستقالة أوغلو، فأشار إلى أنّها «مزعِجة بالنسبة إليهم شكليّاً، لكنّها في المضمون لا تُغيّر الكثيرَ في معادلة السلطة بالنسبة إلى أردوغان»، مؤكّداً أنّ «على الأميركيين التعاطي مع أردوغان لتحسين العلاقة مع تركيا، وليس مع حزب العدالة والتنمية، لأنّ أردوغان اختزَل الحزب عبر الكاريزما وشخصيته».
وأضاف: «يجب على الأميركيين إيجاد حلّ مع الأتراك للوضعِ السوري والعلاقة مع الأكراد، فواشنطن تنظر بريبةٍ لعلاقة تركيا بإيران، على رغم الاتفاق الدولي بقيادة واشنطن مع طهران في الملف النووي».
الإصلاح الدستوري
وفي ظل هذه الأزمة وتداعياتها، أعلن أردوغان الجمعة أنّ «الإصلاح الدستوري الذي يعطي رئيس البلاد سُلطات مُوسّعة يجب أن يُعرَض سريعاً على استفتاء».
وقال أردوغان خلال خطاب في إسطنبول «إنّ دستوراً جديداً ونظاماً رئاسياً يُشكّلان ضرورة ملحّة». ودعا إلى «عرض المشروع قريباً على استفتاء».
من جهة أخرى، إعتبر أنّ «تدخّله في السياسة الداخلية «أمر طبيعي»، بعد تنحّي أوغلو. وقال أردوغان: «البعض منزعج من متابعتي عن كثب التطوّرات المُتعلّقة بالحزب، ما الذي يمكن أن يكون أمراً طبيعياً أكثر من هذا؟». ورفض تعديل قانون مكافحة الإرهاب التركي نزولاً عند طلب الاتحاد الأوروبي مقابل إعفاء الأتراك من التأشيرات.
وكان داود أوغلو قد أعلن الخميس الماضي أنّ «حزبَه العدالة والتنمية سيَختار خليفةً له».
وكان الاختيار قد وقعَ على أوغلو قائداً للحزب الحاكم، ورئيساً للوزراء عندما انتُخِب أردوغان رئيساً في آب 2014، في وقتٍ كان يُنظر إليه باعتباره خادماً مخلِصاً للرئيس.
وظهر أوغلو إلى الأضواء كأكاديمي مُتخصّص في تدريس العلاقات الدولية، قبل أن يصبح مستشاراً لأردوغان عام 2003، بعدما أضحى الرجل القوي رئيساً لوزراء تركيا.
وترَقّى أوغلو إلى منصب وزير الخارجية عام 2009، واستعدّ لتحويل الأفكار التي تضمّنَتها مؤلفاته إلى حقيقة. وبتشجيع من أردوغان، دفعَ أوغلو لأن تكون تركيا قوّة عالمية، تؤدّي دوراً محورياً كوسيط في نزاعات الشرق الأوسط.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي