ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» وقناة «الجزيرة»، أمس، إن مسؤولين في جهاز الاستخبارات الأردني سرقوا أسلحة قيمتها ملايين الدولارات قدمتها وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي ايه) والسعودية إلى فصائل سورية وباعوها في السوق السوداء.
وأوضحت «نيويورك تايمز» و «الجزيرة»، في تحقيق مشترك، أن الأسلحة التي ترسلها «سي آي أيه» والسعودية بهدف تدريب المسلحين في الأردن قبل انتقالهم للقتال في سوريا، تتم سرقتها وبيعها في السوق السوداء، وهو أمر سمح بتسرب تلك الأسلحة إلى أيدي مسلحين قتلوا، في تشرين الثاني الماضي، خمسة عسكريين داخل منشأة تدريب عسكرية في عمان، وكان من بين القتلى أميركيان اثنان.
ويقول مسؤولون أردنيون إن الضباط الضالعين في عمليات السرقة حققوا أرباحاً غير متوقعة من بيع الأسلحة، واستخدموا تلك الأموال لشراء أجهزة «آيفون» وسيارات ذات دفع رباعي باهظة الثمن بالإضافة إلى غيرها من الكماليات.
وأوضح التقرير أن عمليات بيع الأسلحة المسروقة أدت إلى وجود غزارة في الأسلحة الجديدة في السوق السوداء، وأن المسروقات كانت عبارة عن بنادق كلاشنيكوف وقذائف هاون وقذائف صاروخية مضادة للمدرعات.
ويؤكد المحققون عدم معرفتهم إلى أين انتهت تلك الأسلحة، لكن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن عدداً من المجموعات المسلحة في الأردن، بالإضافة إلى الشبكات الإجرامية والعشائر الأردنية تعمد لشراء الأسلحة من السوق السوداء لبناء ترسانتها، هذا عوضا عن عمليات بيع الأسلحة إلى خارج البلاد.
وذكر مسؤولون أردنيون وأميركيون أن المحققين في مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي)، الذين أوكلت إليهم مهمة كشف ملابسات مقتل الأميركيين في القاعدة الأردنية، يعتقدون بأن السلاح الذي تم استخدامه خلال العملية يعود إلى أحد قادة الشرطة الأردنيين ويدعى أنور أبو زيد.
واعتبر وزير الإعلام الأردني محمد حسين المومني أن المعلومات عن ضلوع ضباط استخبارات أردنيين في سرقة الأسلحة «غير صحيحة على الإطلاق». وأضاف: «يتم تعقب الأسلحة من مؤسساتنا الأمنية بشكل ملموس، وفق أعلى درجات الانضباط»، مؤكداً أن مديرية الاستخبارات العامة تعد من «الطراز العالمي، وهي مؤسسة ذات سمعة معروفة بسلوكها المهني وبتعاونها مع الأجهزة الأمنية».
وفي حين لم تتطرق وزارة الخارجية الأميركية بشكل مباشر لهذه القضية، إلا أن المتحدث باسمها جون كيربي أكد متانة العلاقة التي تجمع بلاده بالأردن. وقال: «تقدر الولايات المتحدة التاريخ الطويل من التعاون والصداقة مع الأردن. نحن ملتزمون بأمن الأردن وصولاً إلى الشراكة عن كثب لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة».
ويقول مسؤولون أميركيون وأردنيون أن الأنباء عن عمليات سرقة الأسلحة يتم تداولها داخل الحكومة الأردنية منذ أشهر، غير أن حسام العبداللات، وهو أحد كبار مساعدي عدد من رؤساء الحكومة السابقين يؤكد أنه لم يسمع عن هذا الأمر من المسؤولين الأردنيين الحاليين.
ويلفت مسؤولون أردنيون إلى أن عملية سرقة الأسلحة تديرها مجموعة من ضباط الخدمة اللوجستية في الاستخبارات، ممن يستطيعون الوصول بشكل مباشر للأسلحة بمجرد وصولها إلى الأردن، وهم يقومون بسحب جزء من حمولة الشاحنات قبل أن يتم إيصالها إلى وجهتها المحددة، ثم يعمدون لبيعها في أسواق الأسلحة السوداء الموزعة في معان جنوباً، وسحاب الواقعة خارج عمان بالإضافة إلى وادي الأردن.
ويشير التحقيق إلى أنه حتى الآن لم يتضح بعد ما إذا كان رئيس الاستخبارات الأردنية الحالي الجنرال فيصل الشوبكي، على علم بسرقة الأسلحة المرسلة من «سي آي أيه» والسعودية، إلا أن العديد من المسؤولين يؤكدون أن كبار الضباط في مديرية الاستخبارات لديهم معرفة مسبقة بالمخططات وهم يوفرون الغطاء للضباط ذوي الرتب الأدنى.
ويوضح المسؤولون أن المعلومات عن سرقة وبيع الأسلحة المخصصة لمسلحي المعارضة السورية بدأت تتسرب إلى دوائر الحكومة الأردنية العام الماضي، وذلك عندما بدأ تجار الأسلحة بالمجاهرة أمام عملائهم بامتلاكهم مخزونات كبيرة من الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة والسعودية، وهو أمر أدى إلى إطلاق عملاء الاستخبارات الأردنية عملية مراقبة ورصد لسوق السلاح وإرسال التقارير إلى إدارتهم.
وبعدما انهالت شكاوى السعودية والولايات المتحدة على الأردن عن عمليات السرقة، أوقف المحققون في الاستخبارات الأردنية عشرات الضباط المرتبطين بعملية السرقة، وكان من بينهم مدير العملية وهو برتبة مقدم، إلا أنه تم إطلاق سراحه لاحقاً وطرد من الخدمة، مع احتفاظه بمعاش تقاعده والأموال التي كان كسبها من عمليات بيع الأسلحة في السوق السوداء.
ويوضح التحقيق بأن المخطط الأخير لم يكن أولى فضائح مديرية الاستخبارات الأردنية، إذ سبق وتم سجن اثنين من رؤسائها السابقين بتهم الاختلاس وتبييض الأموال والاحتيال على احد المصارف.
ويذكر التحقيق أن الجنرال سميح البطيخي، الذي ترأس المديرية بين العامين 1995 و2000، أدين لكونه جزءا من مخطط هدف للحصول على قروض مصرفية تبلغ حوالي 600 مليون دولار وذلك لتمويل عقود حكومية وهمية، اكتسب منها 25 مليون دولار، وحكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات، وقد تم تخفيض الحكم إلى أربع سنوات أمضاها في فيلته القائمة على ساحل مدينة العقبة.
كذلك أدين محمد الذهبي، الذي ترأس المديرية بين العامين 2005 و2008، بسرقة ملايين الدولارات كان استولى عليها ضباط الاستخبارات من العراقيين، الذين عبروا إلى الأردن في السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي للعراق في العام 2003. وأظهرت محاكمته أنه رتب أيضاً أمر انتقال سيارات عراقية خاصة إلى الأردن مقابل المال، وتورط أيضاً ببيع الجنسية الأردنية لرجال أعمال عراقيين، وقد حكم عليه بالسجن 13 عاماً وغرامة قدرها عشرات الملايين من الدولارات.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي