أحمد مختار
“لقد أثبتنا أن الفكرة تهزم الموهبة”، هكذا قال أنطونيو كونتي قائد الأزوري بعد تألق منتخب بلاده في النسخة الحالية من اليورو. خصوصا بعد أن فاز الفريق في أول مباراتين بالمجموعة، وصعد أولا ليلاقي حامل اللقب، وظن أغلب المتابعين أن الإسبان سيكررون ما حدث في نسختي 2008 و 2012، لكن كان لكونتي ورفاقه رأي آخر، بعرض تكتيكي متكامل وأداء خططي محكم، ليخرج الماتدور متأخرا بهدفين، ويستمر الزرق في مغامرتهم نحو اللقب.
تحكم مذهل
قدم كونتي نفسه في البطولة الأوروبية كمدرب مشاغب، يصرخ دائما في لاعبيه، ويتفنن في الاعتراض على الحكام، مع حضور طاغي فيما يخص الجانب التكتيكي، وكأنه يتحكم في لاعبيه من بعيد، ويُحول مجموعة الأسماء المغمورة أو العادية إلى أبطال داخل الملعب، يضغطون بشكل جريء، ويهددون مرمى منافسيهم حتى إحراز الأهداف، إنهم المجموعة الأميز حتى الآن.
تلعب إيطاليا بخطة 3-5-2، التكتيك الذي قتل الإسبان مبكرا، بسبب صعوبة الضغط عليه، نتيجة وجود ثلاثة مدافعين بالخلف رفقة ثنائي متحرك من لاعبي الوسط، مع صعود الظهيرين إلى المنتصف، وبالتالي تبدو عملية قطع الكرة من خمسة لاعبين دفعة واحدة أمر صعب للغاية، لذلك نجح الأزوري في الجزء الأول من الخدعة، عندما حرم المنافس المحب للكرة من استحواذه وسيطرته.
وحاول ديل بوسكي التعامل مع الأمر بالعودة قليلا إلى مناطقه، حتى يغلق المساحات في وبين الخطوط، لكن هذا الأمر كان معد له أيضا من جانب الطليان، فحصل بونوتشي على الكرات دون رقابة، وبدأ الثنائي الهجومي المتقدم يصنع خطورته أمام الدفاعات الإسبانية، أملا في الحصول على زيادة عددية، من أجل تسديدة أو فرصة، حتى جاءت الضربة الثابتة التي جاء منها الهدف الأول، إنها خطة محكمة في كافة تفاصيلها، دفاعا وهجوما.
إبعاد بوسكيتس
طريقة ضغط الأزوري مثالية إلى حد كبير، بمجرد خروج الكرة من دي خيا إلى الدفاع، ينطلق جياكيريني سريعا نحو حامل الكرة، مع مقابلة إيدير للمدافع الآخر، وغلق الأطراف تماما عن طريق الظهيرين، بالإضافة إلى غلق زوايا التمرير أمام إنييستا وسيسك عن طريق الثنائي بارولو ودي روسي، لكن كل هذا أمر طبيعي ومسموح له، الجزء الأنجح هو إلغاء أهمية بوسكيتس وإبعاده تماما عن المباراة.
لمس بوسكيتس الكرة في 46 مناسبة فقط، ومرر 43 تمريرة صحيحة، أرقام ضعيفة بالنسبة لمتوسط ميدان برشلونة وإسبانيا، والسر في الضغط القوي من جانب واحد من أهم اسلحة كونتي، المهاجم الصريح غرازيانو بيلي، اللاعب الذي تواجد كظل بالقرب من لاعب الارتكاز، وكان حائط الدفاع الأول لمنتخب بلاده بعد التقدم بهدف في الشوط الأول.
ولم يتعامل ديل بوسكي بذكاء مع هذا الأمر، لدرجة أنه أجبر لاعبه بوسكيتس على الهروب تجاه الطرف، لكن هذا الحل لم ينجح بسبب سرعة الارتداد الإيطالي، وحتى بعد محاولة اللاعب الهروب على طريقته بالعودة بين قلبي الدفاع، اختار الأزوري الضغط عليه بنفس اللاعب بيلي، مع ترك راموس حرا طليقا، لأنهم يدركون جيدا أنه لن يفعل شيء بالكرة، لقد نجحوا في مهمتهم بنجاح بعد التقدم، بإجبار إسبانيا على الكرات الطولية تجاه الأطراف، لإغلاقها بسهولة أو التعامل معها برأسية بعيدا عن مناطق الخطورة.
مهاجم متنوع
تعاني بطولة 2016 من ندرة المهاجمين، لدرجة أن معظم ترشيحات الجماهير وضعت جاريث بيل وأمثاله من لاعبي الأجنحة أو صناع اللعب في خانة الهجوم، لكن غرازيانو بيلي يرد على الجميع بطريقته الخاصة، مع أداء استثنائي رفقة المدرب كونتي، وإضافة نسق جديد لأسلوب لعبه، حيث أنه لا يكتفي أبدا بتسجيل الأهداف أو صناعتها، بل يتحول إلى لاعب وسط صريح عند الحاجة.
وبالتالي تكمن أهمية هذا اللاعب في مردوده الدفاعي وقوته في الضغط، وأمام الإسبان نجح في استخلاص كرتين من منتصف ملعبهم، وقيامه بعمل 10 محاولات هوائية صحيحة في 3 مباريات فقط، ليكون هو المحطة الرئيسية في الاستلام والتسليم، من خلال حصوله على الكرة الأولى ولعبها سريعا من أجل التمريرة الثانية أثناء المرتدات، وعودته في الحالة الدفاعية داخل منطقة جزاء فريقه.
سجل بيلي هدفين في البطولة، بالدقائق الأخيرة أمام بلجيكا ثم إسبانيا، لأن هذه الفرق تهاجم باستمرار بعد التأخر في النتيجة، وهنا تتضاعف قيمة هذا اللاعب، لأنه يضغط باستمرار على صانع اللعب المتأخر، ويزيد في الحالات الهجومية مستغلا المساحات الشاغرة، ليثبت أنه المهاجم الأميز في هذه البطولة حتى الدور ربع النهائي.
العربي الجديد
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي