عقيل الشيخ حسين
رغم النظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه المؤشر الرئيسي على الانهيار الأوروبي المرتقب، فإنه يظل مجرد تفصيل في سلسلة التطورات التي شهدها الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة والتي تذهب جميعها باتجاه حتمية ذلك الانهيار.
مشهد مألوف في بلدان الغرب. حشد بشري ضخم يتكون منذ الصباح الباكر أمام باب واحد من المراكز التجارية العملاقة. وعندما ينفتح الباب، بحلول الساعة التاسعة، تندفع الجموع الغفيرة إلى داخل المركز التجاري للاستيلاء على ما تيسر من المعروضات التي سبق وأعلن عن قرار بيعها بأسعار مخفضة. أما المعروضات فهي عبارة عن أغذية وألبسة وأدوات منزلية وما إلى ذلك من احتياجات تقدمها أسواق الاستهلاك. ويمكنكم أن تتصوروا مدى السعادة عند المشترين الذين يحالفهم الحظ ويحصلون على بعض ما يحلمون به من تلك المعروضات.
حرية وديموقراطية وازدهار!
هذا المشهد لا بد وأن يجتاح ذهن المراقب وهو يسمع الكلام الذي يتردد حالياً في بلدان الاتحاد الأوروبي، وبمناسبة خروج بريطانيا من هذا الاتحاد، عن “الربيع” الأوروبي الذي أصبح، على لسان العديد من الساسة والإعلاميين، ضرورة ماسة لا غنى عنها إذا كانت أوروبا تريد لنفسها أن تحافظ على استمرارها ووزنها الدولي.
ولكن ما هي مواصفات ذلك الربيع كما تظهر في خطابات الشارع الأوروبي ؟
قسم لا بأس به من الأوروبيين الطيبي القلوب (اليساريين بوجه عام) الذين يحدث لهم أن يخرجوا في تظاهرة لنصرة قضية محقة، ويقتصر اهتمامهم على الاستفادة إلى الحد الأقصى من الحياة قبل الممات، يأخذ الربيع الأوروبي في أذهانهم شكلاً جنائنياً مليئاً بالحرية والديموقراطيية وخصوصاً بالازدهار الاقتصادي وبوفرة المال في أيديهم إلى الحد الذي يستطيعون معه، دون الإعلان عن أسعار مخفضة، ودون التزاحم المضني أمام أبواب السوبرماركت، تحقيق السعادة بشراء كل ما تشتهيه أنفسهم من سلع وخدمات…
هؤلاء يمكنهم أن يحتشدوا في الشوارع والساحات وأن يلونوا وجوههم بألوان ربيعية، وأن يطيروا البالونات والابتسامات في كل اتجاه، وأن يهتفوا بكل ما أوتوا من قوة للحرية والديموقراطية. لكنهم يقفون عاجزين بالكلية عندما يتسلقهم بعض الوصوليين الذين لا يعلم أحد من أين قدموا ثم يقيمون باسمهم سلطة أشد سوءاً من السلطة السابقة…
قسم آخر من الأوروبيين “الوطنيين” (اليمينيين بوجه عام ) ممن يعصف بهم الحنين المهووس إلى الحقبة الاستعمارية، يعتبرون الربيع الأوروبي فعل استقلال عن الاتحاد الأوروبي، وفعل تحرر أيضاً من الأجانب الذين يجتاحون أوروبا، ليس فقط على شكل موجات اللاجئين الحالية، ولكن أيضاً على شكل موجات المهاجرين الذين يتكاثرون في البلاد ويزعزعون أسس الهوية الوطنية في بلدان أوروبا. وبالإضافة إلى كونهم “يأكلون خبز الأوروبيين”، ولا يترددون عن تنفيذ الجرائم الإرهابية بحق الأوروبيين.
جدار بروكسيل
وبالطبع، لا يصعب التكهن بأن هؤلاء الذين ينبغي تحرير أوروبا منهم هم، بشكل أساسي، المسلمون والعرب. مجرد أن تعلن وسائل الإعلام عن الاسم العربي لهذا أو ذاك من منفذي التفجيرات الإرهابية في أوروبا، حتى تتولد عند الجمهور فكرة لا محيد عنها : الإرهاب إسلامي، أو عربي، حتى وإن كان منفذ العمل الإرهابي “معروفاً” من قبل الشرطة، مع ما تعنيه هذه المعرفة من دواعي سوء الظن، أو حتى ولو كان الإرهابي يقتل، فيما يقتل، عرباً ومسلمين.
وفي الحالتين، حالة الأوروبيين الطيبي القلوب والأوروبيين ذوي الحنين إلى الحقبة الاستعمارية، فإن ربيعهم الأوروبي لا يمكن أن يكون غير صورة عن الربيع العربي. قتل، تدمير، تضييع للبوصلة، وانتصار لقوى الشر التي تعلن صراحة عن خدمتها لمشروع جهنمي هدفه تقليص عدد سكان الكوكب إلى عدة ملايين من كبار الأثرياء وخدمتهم.
إن أكثر الأوروبيين الراغبين في الخروج من الاتحاد يظنون أن هذا الخروج هو الحل السحري والترياق المضاد لكل المشكلات والأزمات التي تعصف بأوروبا وبلدان الغرب. والحقيقة أن هذا التوجه الذي لا يتردد البعض في تسميته “سقوط جدار بروكسيل” قد يساعد في تحرير بلدان اوروبا من ربقة مؤسسات الاتحاد. لكنه لن يحررها على الإطلاق من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية المستفحلة نتيجة لطغيان الاقتصد النيوليبرالي، ومن خضوعها لأعمال النهب التي يمارسها الأميركيون من خلال اتفاقية الشراكة عبر الأطلسي.
وطالما أن الحديث يدور عن سقوط الجدران، فقد ينبغي التذكير بأن جدار برلين قد سقط، وأن الحكم الشيوعي قد انهار في أوروبا الشرقية والوسطى دون أن تهرق نقطة دم واحدة (باستثناء بعض التصفيات في رومانيا وحروب تفكيك الاتحاد اليوغوسلافي) بينما يمكن لسقوط جدران بروكسل وما سيتلو ذلك من مشكلات أن يضع بلدان أوروبا في وضع قد يتجاوز بمأساويته أوضاع بلدان الربيع العربي.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي