روزانا رمّال-
على الرغم من مقدّرات ومؤهّلات الاستخبارات الغربية التي شكلت نواة نشوء الحركات التكفيرية في المنطقة وعمودها الأمني الفقري منذ فترة تشكيل المجموعات المنوطة بمهمة استهداف الاتحاد السوفياتي، فإنّ بعض هذه الأجهزة غير قادر على السيطرة حتى الساعة على مجمل مفاصل السلوك الأمني والعسكري لتنظيمات حديثة التكوين، مثل «داعش والنصرة»، التي أخذت بشكل مكثف تستهدف كلّ مشغليها من دول استفادت بلحظة ما من نشاط التطرف بالمنطقة وكانت تركيا مؤخراً ابرز الأهداف في مطار اسطنبول الدولي الذي شكل صدمة جدية لكلّ دول المنطقة والعالم، خصوصاً انّ مطار «اتاتورك» هذا ارتاده اكثر من 61 مليون زائر العام الماضي، وهو يعتبر اكثر المطارات ازدحاماً والثالث بعد مطارات اوروبا إضافة لكونه مطار الربط بين آسيا واوروبا.
يلفت استهداف مطار اتاتورك لجهة ما يتخلل الأمر من دوافع أمنية وسياسية للتنظيمات التكفيرية التي تودّ الضغط على ما يبدو على الحكومة التركية، بغض النظر عن تفصيل المشهد الذي بات يحتمل اكثر من تفسير ليبقى الأبرز هو كيفية خرق امن مطار بهذه الدقة والاهمية الإقليمية، خصوصاً أنّ التفجير لم يحصل خارج أروقته بل داخل قاعات تفتيش وترتيب الحقائب اي ان قوى الأمن التركية حاضرة وجاهزة إضافة الى ما يفترض أن يكون أكثر بروزاً، وهي الأجهزة الحديثة التطور القادرة على تحسّس أي جسم متفجر أصبحت اولوية قصوى. وقد جهزت مطارات العالم نفسها بما امكن من هذا الاحتراز ليعني كل هذا وجود خرق امني جدي داخل مطار اسطنبول الذي يأخذ الى تفسير اشد خطورة قد يتعلق بخرق موجود داخل طواقم الأمن التركية ما يؤسس لمخاطر تطبيع المجتمع التركي مع المتطرفين أي اعتبار مساعدة التطرف واحدة من العقائد التي قد تكون لاقت رواجاً هناك.
يلفت بهذا الأطار عدد غير بسيط من العمليات الانتحارية الاخرى حول العالم بأزمنة وأمكنة وأهداف مختلفة، لكن بثابتة أساسية وهي تقديم صورة المجتمع المستهدف كمنغمس ومتعاون مع المجموعة الإرهابية وكحاضن لنسيج من المتطرفين المستعدة للتعاون إن كانوا مواطنين أو مقيمين لسنوات في هذا البلد او ذاك.
نشر موقع «RTL» تقريراً حول أحداث فرنسا الإرهابية توصلت اليه لجنة التحقيق في البرلمان الفرنسي، وهو عبارة عن خلاصات لما جرى في مسرح باتاكلان منذ 8 أشهر، مقدّمة إطاراً عملياً لمكافحة الارهاب للعمل دون تكرار هذه العمليات لكن اللافت كان كشف أن هوية الانتحاريين الذين نفذوا العمليات في باريس يحملون الجنسية الفرنسية. وهنا مخاطر كبيرة تتعمّد تنظيمات مثل داعش بثها في المجتمع الذي تعيش فيه، فهي غالبا ما لا تلجأ لمنفذين من جنسيات اجنبية اذا كان هناك مقدرة على استخدام متطوعين من جنسية البلد وذلك يحمل للعملية أهمية وهالة أكبر ودقة بتوصيل الرسائل بحضور التنظيم المكثف في ذلك المجتمع.
وزارة الداخلية السعودية أعلنت بدورها، أن جنسية الانتحاري الذي فجر نفسه بحزام ناسف أمام القنصلية الأميركية في جدة منذ يومين، مقيم بالمملكة ايضاً اي ان الارهابيين هم احد نسيج المجتمع السعودي ايضاً الذين عاشوا وتعايشوا مع البلاد وقوانينها ومفاصلها.
باستحضار لبنان تتكشف المسألة أكثر أهمية تفوق الفكر العقائدي ونشره بالمجتمع المستهدف اكثر من فكرة النجاح بعملية انتحارية كان يمكن أن ينفذها اي اجنبي غير مقيم جاء بمهمة أمنية فقط. وهنا تبدو عملية تفجير السفارة الايرانية في بئر حسن في أكثر صور الحيثية حضوراً فبعد تحقيقات القوى الأمنية تبيّن بشكل مريب ولافت عند اللبنانيين، وهو سابقة لم تسجل من قبل أن هوية الانتحاري لبنانية وهو من مدينة صيدا، يدعى معين أبو ظهر وقد تم تحديد هويته حينها بعد تعرف والده على صورة نشرتها القوى الأمنية على انه مطلوب خطر. وبحسب المعلومات فإن أبوظهر كان مقيماً في الكويت وانتقل منها الى سورية فلبنان لتنفيذ العملية، الانتحاري اللبناني كان مقرّباً من الشيخ أحمد الأسير وقد تبنت دولة «داعش» العملية.
العملية الانتحارية بتنفيذ لبناني هي الأخطر على الاطلاق وقد بدت فصلاً مريباً من فصول الارهاب الذي مرّ على بلاد العيش المشترك والتعددية. وهنا تتوضح الصورة اكثر بربط كل العمليات الانتحارية اقليمياً ودولياً التي يتبناها التنظيم لتبدو القصة اعمق من مسألة دعم استخباري لتنفيذ مهمة ما، وهو غالباً ما تقوم به جبهة النصرة الأكثر «تسيّساً» اذا صح التعبير ليتعدّى الأمر كونه نشراً ايديولوجياً وعقائدياً وسعياً دائماً لدى تنظيم داعش لإرسال رسائل مفادها ان «مجتمعاتكم تأثرت بعقيدتنا وأن هناك فيها من هو معنا حتى آخر قطرة دم ومستعد لخدمة هذا الفكر لآخر لحظة». تريد داعش ان تقول إنها قادرة على ارسال رسائل من داخل الدولة وإنها نجحت بطريقة او بأخرى رغم الضغط بالتأثير على المجتمعات المستهدفة وتجنيد نخبة منها مستعدة للانتحار.
تكثيف العمليات الانتحارية بالساعات الأخيرة في المنطقة بين تركيا والعراق والقاع اللبنانية تؤكد أن المسألة خرجت من أيدي الاستخبارات الدولية وان العمل الفكري التكفيري العقادئي يحتل حيزاً هاماً من عمل هذه المجموعات وان الامر لا يوضع كله ضمن إطار سيطرة الاستخبارات وعراضات الدول، فالإرهاب اليوم بات مشكلة دولية «عقائدية».
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي