كتب محرر الشؤون العربية-
لا شيء يوحي بأن «المقصلة الأردوغانية» ستتوقف قريبا. أكثر من خمسين ألف شخص تم اعتقالهم أو إقالتهم منذ ما بعد ليلة الانقلاب الغامض. الاستنفار الأمني لم يهدأ، والتقارير تؤكد أن حملة المطاردين من كبار العسكريين، تتعدى المجموعة الصغيرة التي جرى اتهامها بمحاولة الانقلاب، في وقت جرى تقييد حركة العديد من القطاعات العسكرية وألوية الجيش، ما عزز التكهنات على مسارين، إما أن الحركة الانقلابية أكبر مما بدت حتى الآن، أو أن حملة الاقتلاع التي تطال كل الخصوم، في الجيش والأمن والاستخبارات والقضاء والمصارف والإعلام والتعليم والمؤسسة الدينية والطاقة، قد ترتد على أصحابها وتثير شهية الكثيرين للتخلص من رجب طيب أردوغان، المترنح في مكانته الداخلية والخارجية على السواء.
التساؤل القائم يتعلق بما اذا كان جموح أردوغان الحالي، دليلاً على ضعفه أم على قوته، أم أنها ثقة مفرطة بالنفس، قد لا تكون محمودة العواقب. ومع ذلك، تتكاثر الأسئلة: لماذا لم يعد اردوغان الى العاصمة أنقرة وما زال منذ أن عاد السبت الماضي من منتجع مرمريس، متحصناً في اسطنبول؟ لماذا جرى عزل القائد العام لقوات الدرك غالب مندي فجأة أمس؟ ولماذا الانقضاض على المؤسسة التعليمية والجامعات؟ نحو 20 في المئة من الجنرالات والضباط يعتقد أنهم أيدوا الانقلاب بحسب «معهد واشنطن» الأميركي، ويعتقد أن 125 جنرالا من أسلحة الجو والبر والبحر، معتقلون الآن، فهل أخفت السلطات التركية حقيقة حجم الحركة الانقلابية؟ ام ان الانتقام الاردوغاني مضى عميقا في حركة انقلابية معاكسة ام انها لحظة انتهازية ملائمة للتخلص من كل من قد يقف في وجه طموحاته؟
وكالة «رويترز» تقدم حصيلة غير نهائية وتشير الى أن السلطات التركية اعتقلت وأقالت حوالي 50 ألف شخصٍ من مناصبهم، بمن في ذلك العسكر والشرطة والموظفون والمدرّسون والقضاة ورجال دين. والى جانب القائد العام للدرك الذي كان يعتقد أنه من المقربين من الرئيس التركي، جرى اعتقال مستشار اردوغان العسكري الجنرال اركان كريفاك. الأخطر من ذلك، أن صحيفة «الاندبندنت» البريطانية تقول إن قوات «الجيش الثاني» التي تقاتل التمرد التركي في جنوب شرق البلاد، تلقت أوامر بالبقاء في معسكراتها. جرى اعتقال قائد «الجيش الثاني» الجنرال ادم حودوتي. القاعدة العسكرية للفيلق الثالث في اسطنبول، وهي قوة مرتبطة بقوة التدخل السريع التابعة لحلف «الناتو»، مطوّقة المداخل بشاحنات وعربات النفايات التابعة لبلدية المدينة.
«إنهم يخشون محاولة انقلاب ثانية»، يقول الباحث في «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» في اسطنبول اصلي ايدينتسباس.
وبعدما وضعت السلطات 9322 عسكرياً وقاضياً وشرطياً قيد الملاحقة القضائية، أعلنت وزارة التربية، أمس، تعليق عمل أكثر من 15 الفاً من موظفيها يُشتبه في ارتباطهم بجماعة فتح الله غولن. وذكرت الوزارة في بيان: «تم تعليق عمل 15 الفاً و200 موظف في وزارة التربية .. وفتح تحقيق في شأن هؤلاء الأفراد».
من جهته، طلب مجلس التعليم العالي في تركيا استقالة 1577 شخصاً من رؤساء وعمداء الجامعات الحكومية وتلك المرتبطة بمؤسسات خاصّة.
كما أبطل المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون «جميع حقوق البثّ والتراخيص الممنوحة من المجلس الأعلى للإذاعة والتلفزيون لجميع مؤسسات الخدمات الإعلامية (إذاعة وتلفزيون) .. ذات الصلة والمرتبطة والداعمة لجماعة غولن الإرهابية».
ويشمل القرار 24 شركة إعلامية، كما سُحبت البطاقات الصحافية من 34 صحافياً من المُقرّبين من غولن. ووضعت السلطات يدها على وسائل إعلام قريبة من غولن، بينها صحيفة «زمان» ووكالة «جيهان» للأنباء اللتان أوكلت مهمة إدارتهما إلى موظفين حكوميين.
وذكرت مصادر في رئاسة الوزراء التركية لوكالة «الأناضول» أن 257 من العاملين في رئاسة الوزراء أُبعدوا عن وظائفهم. كما أفادت وكالة «دوغان» الإخبارية بأن رئاسة الشؤون الدينية، وهي أعلى هيئة دينية، عزلت 492 من موظفيها عن مواقعهم.
وأبعدت هيئة التنظيم والرقابة للعمل المصرفي 86 من موظفيها الفنيين، وأُقيل 300 شخص في وزارة الطاقة والموارد الطبيعية. كما أقالت الاستخبارات التركية 100 من عناصرها.
وبعد اتهام مسؤولين أوروبيين لأردوغان بشن حملة تطهير معدة مسبقة، اعترف المتحدث باسم الرئيس التركي ابراهيم كالين بذلك، قائلا إن «بعض الجنرالات والقادة الموقوفين كانوا يدركون أنهم سيقالون خلال (اجتماع) المجلس العسكري المقبل. كانوا يعلمون بأنهم على اللائحة .. لقد رأوا بطريقة ما في (الانقلاب) الوسيلة الأخيرة للحؤول دون ذلك»، في أول اعتراف رسمي بوجود لائحة مُعدّة مُسبقاً تشمل عددا من الإقالات.
وفيما يحاول حكم أردوغان الإيحاء بسيطرته على الموقف، والقضاء على الانقلابيين ومن يؤيدهم، إلا أن القيود التي فرضها على تحركات القطاعات العسكرية المختلفة، وابتعاد أردوغان نفسه عن العاصمة، واستمرار الاستنفار الأمني العالي، كلها مؤشرات على أن النظام ليس مطمئنا الى نجاحه بالتخلص من الخطر القائم.
وفي مؤشر إضافي على هذا الخطر، اضطرت الحكومة التركية الى نفي التقارير التي تحدثت عن فقدان الاتصال بـ14 سفينة حربية تركية بعد محاولة الانقلاب.
وكانت صحيفة «التايمز» البريطانية قد ذكرت أن قائد القوات البحرية التركية الأدميرال فيسل كوسيلي، متوارٍ عن الأنظار منذ محاولة الانقلاب، ومعه 14 سفينة حربية، بينها فرقاطة ضخمة، وليس معروفاً ما إذا كان من بين الانقلابيين الفارين، أم أنه محتجز لديهم منذ ذلك الوقت. وأشارت الى أن السفن الـ14 التي وصفتها بـ «المفقودة»، كانت في الخدمة الفعلية في بحر إيجه أو في البحر الأسود يوم الجمعة.
أما صحيفة «حرييت» التركية، فقد أشارت الى أن مروحيتين عسكريتين ما زالتا مفقودتين، بالإضافة إلى اختفاء 25 عنصراً من القوات الخاصّة، كانوا على متن المروحيتين في الطريق إلى الفندق في مرمريس، حيث كان يقضي اردوغان إجازته.
غولن وأميركا
توعّد رئيس الحكومة بن علي يلديريم، في كلمة ألقاها في البرلمان اتسمت بالتحدّي، باجتثاث أنصار غولن. وقال: «أنا آسف لكن هذه المنظمة الإرهابية الموازية لن تكون بعد الآن بيدقاً فعّالاً في يد أي دولة. سنجتثّهم من جذورهم حتى لا تجرؤ أي منظمة سرّية على خيانة شعبنا مرة أخرى».
وأعلن أن أنقرة أرسلت أربعة ملفّات إلى واشنطن (لطلب) تسليم «الإرهابي الأكبر»، في إشارة إلى غولن، لكنه أكد أن تركيا ستلتزم بسيادة القانون ولن تكون مدفوعة بالرغبة في الانتقام أثناء محاكمة المشتبه فيهم بتدبير محاولة الانقلاب.
لكن غولن، أكد في مقابلة مع وسائل إعلام بينها وكالة «فرانس برس» في مقرّ إقامته في منطقة بنسلفانيا، أن الولايات المتحدة «دولة قانون»، مضيفاً أن القانون «فوق كل شيء هنا. لا أعتقد أن هذه الحكومة ستكترث لأي شيء لا يستند إلى القانون»، واصفاً محاولة الانقلاب بأنها «خيانة للأمة التركية».
ونفى مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية أن تكون بلاده قد تلقّت أي طلب رسمي من تركيا لتسليم غولن «حتى الآن»، على الرغم من إعلان الحكومة التركية أنها ستُقدّم الطلب.
http://assafir.com/Article/1/503127
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي