عندما يكون الأكراد وقوداً للمخطّط الأميركي برعاية دولية

شارل أبي نادر-

ما حدث بالأمس حول الدخول التركي العسكري إلى الأراضي السورية على حدودها الشمالية ومحيطها لم يكن مستغرباً من الناحية الميدانية والعسكرية وحتى الديبلوماسية، حيث إنّ كلام الأتراك حول هذه النقطة لم يفارق تصريحات أغلب مسؤوليهم، هذا الكلام الذي بنوه دائماً على خلفيات متعدّدة منها حماية اللاجئين السوريين المتواجدين على الحدود، أو حماية للأمن القومي التركي من الإرهاب المتمثل بداعش أو بحزب العمال الكردستاني، أو خوفاً من مشروع إقليم كردي واسع يربط مناطق السيطرة الكردية في الجزيرة شرقاً ما بين القامشلي والحسكة مع إقليم عين العرب او كوباني على الحدود المباشرة لنهر الفرات شرقاً وامتداداً إلى إقليم عفرين الحدودي مع تركيا شمال شرق إدلب مروراً بمنطقة جرابلس حتى اعزاز، وسيكون حسب ما يعتقدون نواة لمشكلة قومية ستؤسّس حتماً إلى حرب داخلية لن تكون تداعياتها أقلّ من كارثية على تركيا من الجوانب كافة.

في الحقيقة ما هو مستغرب حول الاجتياح التركي للأراضي السورية هو هذا الصمت أو السكوت الغريب من المجتمع الدولي الممثل بالمنظمات الرسمية الدولية والتي أنشئت في الأساس على خلفية حماية حدود الدول وسياداتها ومصالحها، او على خلفية لعب دور الضامن لأمن الشعوب ولمصالحها القومية والسياسية والاجتماعية من أيّ خطر خارجي أو حتى داخلي، وما هو أكثر استغراباً هو هذا الردّ الصامت الخبيث من الدول الكبرى والتي هي من المفترض أن تكون، ونظراً لقدراتها ولنفوذها الواسع راعية للتوازن الدولي ولمنظومة الأمان والثقة لدى الدول الضعيفة.

 

إذا ما استثنينا الاستنكار السوري الرسمي لدى الأمم المتحدة ولدى المنظمات الدولية الأخرى المعنية في هذه الحالات «مبدئياً»، أو التصريحات الروسية الخجولة التي توجّهت من خلالها إلى تركيا للتنسيق مع الدولة السورية حول إيجاد آلية معينة لمحاربة داعش ولفرض التوازن السياسي والعسكري والأمني على الحدود المشتركة، حيث لا يمكن إنكار فلتان ذلك الميدان وتعدّد المجموعات المسلحة غير الواضحة الارتباط والأهداف والدعم، فالجميع كما يبدو غير معترض على هذا الاجتياح لا بل موافق ويؤيد ويشجع الأتراك على الدخول في العمق أكثر، حيث يريده البعض لمحاربة داعش والبعض الآخر لمواجهة الأكراد ووقف تمدّدهم ويريده قسم وازن من المواطنين السوريين الذين كفروا بكافة المسلحين والمجموعات والدول وباتوا ينشدون السلام والأمان ووقف القتل والدمار حتى لو أتاهم ذلك من أية جهة أو دولة أو منظمة وعلى حساب السيادة وسلامة الحدود.

 

ليس بعيداً عن هذا التواطؤ أو الاستسلام الدولي حول الاجتياح التركي للأراضي السورية، يقف لاعب قوي يحمل مخططاً جهنمياً اخطبوطياً متشعّب الأهداف والوسائل والمناورات، انه الولايات المتحدة الأميركية. كان له دور مهم بالأساس في نفخ وتغذية الفكرة الانفصالية لدى القسم الأكبر من الأكراد السوريين الذين، وعلى خلفية حلمهم القديم الحاضر المتجدّد بكيان مستقلّ، حدّه الأدنى نظام فيديرالي داخل الدولة السورية يحفظ تراثهم وحقوقهم الثقافية والاجتماعية والإدارية والاقتصادية، حيث لم تكن الدولة السورية وعلى مرّ التاريخ تجاريهم في تحقيق هذا الحلم الانفصالي أو تسهّل لهم على الأقل الفوز بخصوصيات القومية واللغة والتراث، وذلك لخوفها الدائم من جنوح أغلبهم وعدم قدرتهم على التخلص من الفكرة الانفصالية أولاً، وثانياً للحفاظ على وحدة الأرض السورية، وحدّه الأقصى لحلم أكراد سورية دولة مستقلة لها نظامها الخاص وحدودها المعترف بها دولياً وقدراتها الاقتصادية والدفاعية وعلاقاتها الخارجية.

 

من هنا، وعلى خلفية هذه الفكرة الانفصالية اندفع الأكراد وأصحاب الحلم الجميل مهرولين خلف السيطرة على الأرض التي فقدت الدولة السورية توازنها وسلطتها عليها لأسباب وأسباب، هذه الأرض التي نمت فيها داعش وتمدّدت مستفيدة من منظومة غريبة عناصرها التسهيل الأميركي والدعم الخليجي والتواطؤ التركي، اندفعوا مدعومين من دعم أميركي جوي وعسكري بري، تحت عباءة تحالف دولي لمحاربة داعش، دعمٌ فيه من القدرات العسكرية، الهندسية والفنية والاستشارية ما يمكن أن ينظم معركتهم بمواجهة داعش بالشكل غير المسيطر او المتمدّد بالكامل، إنما بالشكل الذي يبقي القدرة على التحكم بإدارة هذا التوازن بيد التحالف من خلال توسيع وتركيز أو تخفيف وتثبيت الدعم الجوي وغير الجوي تبعاً للميدان ولقدرات داعش في المواجهة والصمود.

 

هذه المناورة الأميركية في استغلال الأكراد السوريين أصحاب المشروع الانفصالي كبديل عن استغلال أكثر من مجموعة من المسلحين من الذين فشلوا جميعاً في لعب هذا الدور على الأرض الصاخبة وفي الميدان السوري الحساس شمالاً او شرقاً، وذلك بعد أن كانوا يستفيدون من برامج تدريب وتسليح وتجهيز انتهى أغلبها باستسلام عناصرهم، أما لجبهة النصرة أو لغيرها بعد أن كانت تستولي على تجهيزاتهم وأسلحتهم الأميركية غير البسيطة، ظهرت خيوطها وعناصرها بشكل واضح في الاجتياح التركي الأخير والذي وجّه ضربة قد تكون قاضية للحلم الكردي الجميل. وها هم أبناء هذا الحلم اليوم ينظرون بعين الحيرة والغرابة لما يقوله المسؤولون الأميركيون حول ضرورة انسحابهم الفوري شرق الفرات وتسليم أماكن سيطرتهم في منبج ومحيطها والتي دفعوا ثمناً باهظاً من الرجال والعتاد لتحريرها من داعش، للمجموعات المسلّحة المدعومة من تركيا الذين كانوا دائماً يفشلون في مواجهة التنظيم الإرهابي في تلك المناطق الحدودية الاستراتيجية مع تركيا، وها هم الآن الأكراد أصحاب النزعة الانفصالية مذهولون من فعالية الدعم والتغطية الجوية الأميركية لصالح الوحدات التي تتقدّم من الشمال عبر جرابلس وتتحضّر مبدئياً للتمدّد نحو منبج، وربما لاحقاً نحو الباب على تخوم مدينة حلب من الجهة الشمالية الشرقية تحت حجة مواجهة داعش، والذي انسحب عملياً دون أيّ معركة تذكر.

 

وهكذا ستبقى الولايات المتحدة الأميركية وعلى خلفية مشروعها غير الواضح منه إلا الإبقاء على الدمار والغليان والاستنزاف في المنطقة، وحيث تأخذ من الشمال السوري نقطة محورية لميدان هذا المخطط، ستبقى تجيد لعبة استغلال نقاط الضعف لدى أغلب مكوّنات ومجموعات هذه المنطقة لناحية تأجيج صراعاتهم على خلفيات متعدّدة، اتنية أو قومية أو طائفية مذهبية، وستبقى من خلال إدارة وتنظيم هذه الحرب الصاخبة المدمّرة بين هذه المجموعات مُصِرّة ومصمّمة على تنفيذ مخططها الذي لن يكون بأقل من تفتيت وتقسيم أكثر من دولة محورية في المنطقة وإعادة فرض معادلة قد تطيح بمعادلة سايكس بيكو، حيث تعتبرها الآن أصبحت غير قادرة على تنظيم وإدارة اللعبة الدولية التاريخية.

عميد متقاعد

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة