جعلتني مشاهدة أحد أكلة لحوم البشر شبه العراة من طائفة الأغوري الهندوسية أثناء مطاردته لرضا أصلان على أحد الشواطئ الهندية، وإلقائه لغائطه على أصلان، أتساءل إذا ما كان أصلان قد فكَّر خلال أي مرحلةٍ من عمله على رسالة الدكتوراه الخاصة به حول الدين في أن يكون ذلك هو مآل الأمر في نهاية المطاف؟
لكن ذلك كان أصلان، الباحث الديني ومؤلف الكتاب الأكثر مبيعاً، الذي يهرب من غائط آكل لحوم بشر على شاطئ بعيد، وهو الأمر الذي يُمثِّل بأكمله جزءاً من سلسلته الجديدة المُشوِّقة للغاية على شبكة CNN، بعنوان “Believer”، والتي يجوب خلالها العالم لاستكشاف الأديان، وفقاً لما ذكر موقع الديلي بيست الأميركي.
وأثار برنامج أصلان، الذي سيُعرَض في 5 مارس/آذار الساعة 10 مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، على نحوٍ مفهوم مقارناتٍ مع برنامج أنتوني بوردين، “Parts Unknown”، ذي الشعبية الكبيرة على شبكة CNN.
لكن هناك اختلافات واضحة بين الاثنين. فأولاً، لا أستطيع أن أتذكَّر آكل لحوم بشر ينظر إلى بوردين قائلاً إنَّ لحمه “حلو ولذيذ” بالطريقة نفسها التي نظر بها الشخص الأغوري الهندوسي بينما كان ينظر إلى أصلان كما لو كان طبقاً من الشاورما. (سألتُ إذا ما كان بإمكاننا تقديم بيل ماهر إلى أكلة لحوم البشر، لكنَّ أصلان أجابني بأنَّ حتى آكل لحوم بشر سيرفض أن يأكل ماهر).
وثانياً، كما أوضح أصلان: “حينما يأكل بوردين خصية ماعز ويقول إنَّ طعمها جيد، فبإمكانه أن يجعلك تُصدِّق ذلك. وعلى العكس، إذا ما بدوتُ أنا خائفاً أو قلقاً خلال البرنامج التلفزيوني، فإنَّ ذلك يكون شعوري فعلاً. أنا ببساطة لستُ بمثل تلك الجودة كفنان (لستُ مُمثِّلاً جيداً)”.
في الواقع، هناك مشهدٌ في الحلقة الأولى يُشاهَد فيه أصلان على الكاميرا وهو يسأل المُخرِج إذا ما كان بإمكانهم اختلاق عذر للهروب بعيداً عن أكلة لحوم البشر. ويتَّضح أنَّ المخرج اعتقد بأنَّ أصلان كان يمزح، لكنَّه لم يكن كذلك. وقال أصلان مازحاً: “لا نزال للموسم الثاني من البرنامج بحاجةٍ إلى “كلمة آمنة”، (أي كلمة ذات دلالة معينة لدى طاقم البرنامج فقط ولا يفهمها الضيوف)”.
ويصحب برنامج شبكة CNN ذي الست حلقات أصلان في رحلةٍ روحانية حول العالم. فمن الهند يتَّجه إلى هاواي لزيارة شخصية مسيحية يهودية يُعرف بـ”يسوع بحرف الـ ز”، والذي يتزعَّم طائفة دينية تؤمن بأنَّ نهاية العالم أصبحت وشيكة. ثُمَّ بعد ذلك ينطلق إلى هايتي، وإسرائيل، وغيرها، وكل ذلك بهدف إطلاع الجمهور على المعتقدات الدينية في العالم.
لكن في عالم اليوم الذي يتَّسم بالاستقطاب الحاد، فإنَّ حتى البرنامج الذي يستكشف ببساطة أديان العالم تكون به إيحاءات سياسية وينتقد خطاب دونالد ترامب. وأشار أصلان إلى أنَّ “هناك رابطاً مباشراً بين السياسة وبرنامجي الجديد. فهدفي هو تعريف الناس بـ”الآخر” وأن أُظهِر للجمهور أنَّ لدينا الكثير من القواسم المشتركة فيما بيننا، وهو الأمر الذي تُوجد حاجة ماسَّة إليه في وقتٍ يُطلق فيه ترامب أسوأ نزعات الشعب الأميركي”.
وليس أصلان بالرجل الذي يُخفي آراءه السياسية، ويمكنك التأكُّد من ذلك بالتحقَّق من حسابه على تويتر فحسب. ولم يُخفِّف أصلان، ربما إلى الحد الذي يُزعِج وكلاء دعايته، من حدة آرائه السياسية لمجرد أنَّه يُروِّج لبرنامجٍ تلفزيوني جديد.
بالنسبة لأصلان، يُعَد “حظر المسلمين” الذي أصدره ترامب، والهجمات على المسلمين قضيةً “شخصيةً للغاية”. فقد وُلِد أصلان، وهو مسلم، في إيران، وهي إحدى البلدان المسلمة السبع التي استهدفها ترامب في قراره بحظر المسلمين.
وفرَّت عائلة أصلان من هناك حينما كان بعمر 7 سنوات بعدما حوَّلت الثورة الإيرانية نظام الحكم في البلاد إلى حكومةٍ دينية قمعية. فلو كان ترامب رئيساً آنذاك وفرض حظراً مُماثلاً للمسلمين، ما كان أصلان وعائلته لليتمكَّنوا أبداً من عيش الحياة التي حظوا بها في الولايات المتحدة. (وهذا أيضاً شيء يدور في ذهني، أي ذهن الكاتب، باعتباري ابناً لأبٍ لاجئ مسلم).
أضف إلى ذلك أنَّ خال أصلان، المصاب بـ”مرض ميؤوس من شفائه”، كان سيسافر إلى الولايات المتحدة في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي لزيارة شقيقته، والدة أصلان، في ولاية كاليفورينا. وبالنظر إلى تقدُّم خاله في العُمر، فقد كانوا ينظرون إلى تلك الزيارة على أنَّها قد تكون المرة الأخيرة لوالدته كي ترى شقيقها حياً.
لكنَّ قرار حظر المسلمين الذي أصدره ترامب كان قد وُقِّع أثناء وجود خاله في الترانزيت. وكانت النتيجة هي أنَّ خاله لم يُسمَح له بدخول البلاد. وعلى الرغم من حُكم الدائرة التاسعة من محكمة الاستئناف الأميركية بالإبقاء على تعليق قرار الحظر، فإنَّ خاله بقي غير مسموحٍ له بالزيارة. والتمست عائلة أصلان مؤخراً مساعدة السيناتور ديان فاينستاين عن ولاية كاليفورنيا في تلك القضية.
وأوضح أصلان أنَّ ترامب قد شكَّل الإدارة الأكثر عداءً للمسلمين في تاريخ بلادنا. (وأنا أتفق مع ذلك تماماً). وذكر بعد ذلك سريعاً قائمةً بمسؤولي الإدارة المعادين للمسلمين: “حصل المُدَّعي العام جيف سيشنز على جائزة من مجموعة “Act For America” المعادية للمسلمين.
ووفَّر ستيف بانون منصةً في موقع Breitbart.Com الذي كان يديره للأوغاد المُتعصِّبين المعادين للمسلمين. وعمل ستيف ميلر على إقامة إعلانات معادية للمسلمين وأجَّج الكراهية للمسلمين حينما كان في الجامعة. وحصل مدير وكالة الاستخبارات المركزية، مايك بومبيو، على جائزةٍ من الناشط المعادي للمسلمين فرانك جافني. وقامت كيليان كونواي بعمل استطلاعات رأي من أجل جافني (إذ يُدير جافني أحد مراكز الأبحاث)”.
وذكر أصلان: “هذا ليس رأيي فحسب، بل كذلك وجهة نظر “رابطة مكافحة التشهير” و”مركز قانون الفقر الجنوبي” اللذين كشفا عن النشطاء المعادين للإسلام المرتبطين بإدارة ترامب”.
وعلى الرغم من ذلك، يشعر أصلان بالتفاؤل ليس فحسب حيال مُضي المسلمين قُدماً، بل وكذلك الأميركيين بصورةٍ عامة. ويقول: “أطلق ترامب الكراهية من مكامنها، وأؤمن بأنَّ الشعب الأميركي سيرفض توجُّهات ترامب المُتطرفة المتعلِّقة بالتعصب، وكراهيته للنساء، وكراهيته للأجانب في نهاية المطاف”.
وفي حين أنَّ أصلان قد تفاجأ بالخطاب المُفعم بالكراهية لترامب، فإنَّه لم يتفاجأ من الناحية الفكرية بما واجهه أثناء زيارته للمجموعات الدينية في أنحاء العالم. فبعد كل شيء، ظلَّ أصلان يدرس الدين على مدار أكثر من 20 عاماً. لكن من الناحية العاطفية، تفاجأ: “شعرتُ على نحوٍ مثير للدهشة بالارتباط العاطفي بالكثير من الأديان التي تعرَّفتُ إليها”.
وقال أصلان: “ما توصَّلتُ إليه هو أنَّ وراء كل تلك المعتقدات والطقوس المختلفة لتلك المجموعات الدينية، يُوجَد لدينا من القواسم المشتركة بين بعضنا البعض أكثر كثيراً مما لدينا من الاختلافات”. ويأمل أصلان أن تتوصَّل الجماهير إلى نفس النتيجة. كما أنَّه يأمل أن يرى الأميركيون، على الرغم من محاولات ترامب لتقسيمنا، أنَّنا أيضاً لدينا الكثير من القواسم المشتركة بغض النظر عن ديننا، أو أصولنا، أو عِرقنا، وغيرها. دعونا نأمل أن يكون أصلان مُحقَّاً.
(huffpost)
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي