تيرانا – محمد م. الارناؤوط –
حملة انتخابية ساخنة جرت في ألبانيا خلال 21 حزيران (يونيو) المنصرم سبقت الانتخابات البلدية التي حقّق فيها التحالف اليساري بقيادة الحزب الاشتراكي (وريث الحزب الشيوعي السابق) فوزاً كاسحاً على التحالف اليميني بقيادة الحزب الديموقراطي الذي كان رئيسه لولزيم باشا يشغل أيضاً رئيس بلدية تيرانا. ومع ان النتائج النهائية ظهرت في نهاية حزيران المنصرم، الا أن فوز اليسار ببلدية تيرانا كان كافياً للتغطية على كل النتائج بعد الهزيمة التي لحقت باليمين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2013. ولكن هذه الانتخابات كان لها بعدها الإقليمي إذ أثارت اليونان وأعادت الى السطح الموضوع الذي يطرح من حين الى آخر للتندّر أو للابتزاز، ألا وهو ضرورة انهاء بقايا الحرب العالمية الثانية بين البلدين!
الحرب التي لم تنته منذ 1940.
في نيسان (أبريل) 1939، أي قبل بداية الحرب العالمية الثانية بستة شهور، قامت إيطاليا الفاشية باحتلال ألبانيا في وضح النهار مع انها كانت دولة عضوة في عصبة الأمم، ومع ضمّها أصبح لقب فكتور عمانوئيل الثاني «ملك ايطاليا وامبراطور الحبشة وملك ألبانيا». ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية قام الجيش الايطالي في 28 تشرين الاول (اكتوبر) 1940 انطلاقاً من الأراضي الالبانية بهجوم على اليونان فتمكن من تحقيق اختراق في الأراضي اليونانية. وضمن التحضير لهذا الهجوم حاولت روما تجنيد الألبان في هذا الهجوم بحجة انه يهدف أيضاً الى تحرير أخوانهم الالبان في مقاطعة «تشامريا» التي آلت الى اليونان نتيجة للحرب البلقانية 1912-1913. وفي المقابل حاولت الدعاية الايطالية إغراء الالبان في هذه المقاطعة، الذين يطلق عليهم اسم «التشام» الانضمام الى قوات الاحتلال الايطالية التي جاءت لـ»تحريرهم».
ومع أن المصادر التاريخية توضح ان الاستجابة لذلك كانت محدودة سواء في ألبانيا أو مقاطعة «تشامريا»، إلا أن نتائج ذلك كانت مأسوية بالنسبة الى «التشام» بعد أن تمكن الجيش اليوناني من طرد القوات الايطالية من اليونان. فقد أصدرت أثينا بعد الهجوم الايطالي «قانون الحرب» الذي سمح للسلطات اليونانية بمصادرة أملاك الألبان التشام واعتقالهم ونفيهم ومنع عودتهم الى اليونان بتهمة «التعاون مع العدو». ولكن هذا القانون لم يطبق بسبب الاجتياح الالماني لليونان في ربيع 1941، على حين انه طُبق على أرض الواقع بشكل انتقامي خلال الحرب الاهلية في اليونان بين اليمين الملكي واليسار الجمهوري 1944-1949. فقد انضم الكثير من الالبان التشام الى اليسار وشكلوا كتيبة خاصة ضمن اللواء الـ 25 «جيش التحرير الوطني الشعبي» (الايلاس)، ولكنهم تعرضوا الى انتقام جماعي في صيف 1944 على يد القوات اليمينية التابعة للجنرال زرفاس. ففي 27 حزيران 1944 جرت مجازر جماعية في بعض قرى «تشامريا» وتمّ ترحيل كل الألبان المسلمين (حوالي 40 ألفاً) الى ألبانيا المجاورة، بينما سُمح للألبان الارثوذكس بالبقاء.
وصل هؤلاء اللاجئين «التشام» الى ألبانيا حين كان الحزب الشيوعي بقيادة أنور خوجا يطبق سلطته على كامل أرجاء ألبانيا، بالتالي لم يُسمع لهم صوت طيلة حكم الحزب الشيوعي 1944-1992 بعد أن أعطاهم النظام الشيوعي فوراً الجنسية الالبانية وشتّتهم داخل ألبانيا لكي يحافظ على علاقة حسنة مع اليونان. وفي هذا السياق من التقارب الألباني – اليوناني أقرت الحكومة اليونانية في 1987 إلغاء «قانون الحرب» الذي صدر في 1940، ولكن الرئيس اليوناني آنذاك كريستوس سارزيتاكاس لم يقرّه بمرسوم.
التحالف المزعج لليونان
مع سقوط النظام الشيوعي في 1992 انبعث «الفينيق التشامي» في ألبانيا الديموقراطية وأصبح «التشام» (الذين وصل عددهم الى حوالي 150 ألفاً) قوة اقتصادية وسياسية وانتخابية مهمة. وهكذا أصبح «التشام» الرقم الصعب بين اليمين (الحزب الديموقراطي) واليسار (الحزب الاشتراكي) خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية التي تتابعت آنذاك في ألبانيا. وبعد عودة اليسار الى الحكم في 1987 بادر رئيس الحكومة الاشتراكية فاتوس نانو الى زيارة اليونان في 2003 لاغلاق هذا الملف مع أثينا. وجرى الاعلان آنذاك عن انتهاء «حالة الحرب» بين الدولتين، وذلك بعد أن انتهت عملياً مع توقيع «معاهدة الصداقة» بين الدولتين في 1986 وشكلياً من خلال الاعلان الحكومي المشترك خلال الزيارة.
ولكن الحزب الاشتراكي أقدم في أيار (مايو) الماضي على انجاز تحالف انتخابي مع حزب «التشام» (الحزب الديموقراطي للعدالة والاندماج) برئاسة شبتيم ادريسي لخوض الانتخابات البلدية المهمة في 21 حزيران (يونيو) المنصرم، وفي إطار هذا التحالف الانتخابي تم الاتفاق على ترشيح وانتخاب رئيس حزب «التشام» نائباً لرئيس البرلمان الالباني في 21 أيار، وهو ما أزعج كثيراً أثينا. ففي اليوم التالي (22/5/2015) صرّح الناطق باسم وزارة الخارجية ان «انتخاب أشخاص لهم ميول انفصالية (أي فصل «تشامريا» عن اليونان لضمها الى ألبانيا) وفاشية أو قومية لا يساعد على تعزيز التعاون أو الصداقة بين البلدين» (جريدة «شكولي» 22/5/2015).
ومع أن حزب «التشام» لم يعد يطالب بعودة «التشام» الى بلادهم واستردادهم الجنسية اليونانية التي حرموا منها بعد مصادرة أملاكهم، بل أصبحوا يكتفون بالاعتذار عن المجازر الجماعية التي ارتكبت بحقهم والتعويض عن مصادرة أملاكهم، إلا أن أثينا شعرت بخطورة هذا التحالف الجديد بين الائتلاف اليساري الحاكم و»التشام» في ألبانيا بمناسبة الانتخابات البلدية التي كشفت عن قوة «التشام»، حيث أن حزبهم حصل على ستين ألف صوت.
ولأجل قطع الطريق على استمرار هذا التحالف أعلنت أثينا عن زيارة وزير الخارجية نيكوس كوتزياس الى تيرانا في النصف الثاني من تموز (يوليو) الجاري. وبحسب تسريبات الصحافة اليونانية والالبانية (جريدة «زيري» 28/5/2015) فإن الوزير اليوناني يحمل في حقيبته وعدين مهمين: إلغاء «قانون الحرب» لعام 1940 في شكل قانوني ودستوري (أي بموجب مرسوم يصدره رئيس الجمهورية)، واعتراف اليونان بجمهورية كوسوفو. وإذا كان الامر الاول يعني ألبانيا كدولة فإن الوعد الثاني يعني الحكومة الالبانية لكي تنجو من اتهام اليمين (الحزب الديموقراطي) لها بـ«الخيانة القومية» للتخلي عن «التشام» لانها بذلك (الاعتراف بجمهورية كوسوفو) ستسوق ذاتها على المستوى القومي الالباني.
الأمر الان أصبح مرتبطاً أيضاً بالوضع الداخلي في اليونان بعد الازمة بين أثينا والاتحاد الاوروبي حول قروضها، واحتمال سقوط الحكومة الحالية في أثينا، كما أن الامر مرتبط أيضاً بسياسة اليونان مع دول البلقان التي سيزورها وزير الخارجية بعد ألبانيا لان بعض تلك الدول (صربيا في شكل خاص) تتحفظ على مثل هذه السياسة الجديدة لأثينا تجاه الألبان.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي