ثريا شاهين –
لا شك أنّ التعقيدات الكبرى في التفاوض بين الغرب وإيران حول البرنامج النووي كانت وراء التأجيل المتكرّر لموعد التوقيع على الاتفاق. والتوقيع يعني إنهاء موضوع كبير كان يشغل العالم وهو برنامج إيران النووي، وإمكان تطوّره وصولاً إلى القنبلة النووية.
في الأيام الأخيرة للتفاوض كان هناك تركيز من الرئيس الأميركي باراك أوباما على إنجاز الاتفاق قبل 9 تموز، هذا التاريخ شكّل بالنسبة إليه استحقاقاً مهماً ليتمكّن معه من أن يُبلغ الكونغرس الذي لديه مهلة 30 يوماً، لدراسة الاتفاق، قبل أن يدخل في عطلته الصيفية طوال شهر آب. وأي تأخير في التوقيع يجعل مجال دراسته 60 يوماً، أي ينتظر شهر العطلة ثم شهراً للدراسة، لكي يوافق عليه الكونغرس. من مصلحة أوباما أن تتم دراسته خلال 30 يوماً، لكن يتم قطع الطريق على الكونغرس وعدم تجييش الرأي العام والنواب والشيوخ ضدّ الاتفاق إذا استغرق وجود الاتفاق لدى الكونغرس 60 يوماً. إذ ان هناك العديد من أعضاء الكونغرس يعارضون الاتفاق مع إيران ويرفضونه، أي ان الـ30 يوماً أسهل على أوباما في معركته الداخلية لإقرار الاتفاق. ولعل الاتفاق مع إيران يشكّل أولوية لدى أوباما لكي يسجّل له التاريخ أنّ في عهده تم توقيع الاتفاق مع إيران لإنهاء «النووي«.
هناك جدّية وإرادة من الطرفَين للتوصل إلى الاتفاق. لكن يبقى الأمل أن تنفّذ إيران كافة بنود هذا الاتفاق.
بعد التوقيع يتركز البحث على انعكاسات الاتفاق على الوضعَين الدولي والاقليمي. وتفيد المصادر الديبلوماسية الواسعة الاطلاع، انه وبموجب التزام إيران تنفيذ الاتفاق، سيتم رفع العقوبات عنها بصورة تدريجية، كما سيتم الافراج تدريجياً عن أموالها المجمّدة في الخارج بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. وهذه الأموال مجمّدة وكانت إيران باعت النفط مقابلها. وبالتالي، هناك احتمالان أمام السلوك الإيراني في التعاطي مع الافراج عن التمويل. إمّا أن تستخدم الأموال لتحسين اقتصادها، وللخروج من الانهيار الذي لامسه، وتطوير البنية التحتية والخدمات، أي أن تُصرف الأموال على الشأن الداخلي الاقتصادي الاجتماعي. وإمّا أن تستخدم الاموال المفرج عنها في المنطقة، أي لتعزيز سياساتها وتعزيز قوّة وأدوار الأحزاب والميليشيات والأنظمة التي تدور في فلكها. هذا هو السؤال الكبير، إذا استخدمت إيران أموالها لأغراض سياسية في المنطقة، يعني بالنسبة إلى الغرب والخليج كارثة كبرى، كما يشكّل الأمر رفضاً من إسرائيل التي لطالما تنادي بضرب إيران، وإن لأهداف مختلفة عن أهداف الأطراف الأخرى المتضرّرة من قوّة إيران.
أمّا المسألة الثانية، التي هي محور ترقب ومراقبة غربية بعد توقيع الاتفاق، فهي انعكاسات فك عزلة إيران نتيجة انفتاحها على العالم. فهل ستستخدم ذلك لتعزيز نفوذها وأوراقها في المنطقة، أم انها فعلاً ستسلك بطريقة إيجابية مع المطالب الغربية وقرارات الشرعية الدولية. الغرب يعتبر أنّ إيران يفترض أن تبدي إيجابية في ملفات المنطقة، وإيران تدرك أنّ الغرب يتوقع منها مثل هذا السلوك. فهل فعلاً ستقدمه له بسهولة، أم أنّها ستطلب مقابلاً لذلك، من خلال الإبقاء على نفوذها في ملفات محدّدة؟
بالنسبة إلى الغرب، فإنّه لم ولن يغيّر مواقفه حول قضايا المنطقة. الفرق بعد الاتفاق، هو أنّ حواراً مع إيران سيبدأ حول ذلك، وستُدعى إيران إلى الطاولة، ويعتبر الغرب ان إيران على الطاولة مضطرة لأن تكون إيجابية وتقبل بحلول وسط. إنه رهان غربي. ولأنّ إيران تعلم ذلك، فإنه لا يستبعد أن تعمد إلى تعزيز نفوذها وأدائها على الأرض في المنطقة في مرحلة أولى، ثم تدخل لاحقاً إلى عملية التفاوض. كل ذلك احتمالات، إذ أنّ طهران لن تكشف عن أوراقها كاملة لمرحلة ما بعد التوقيع. والتطورات في اليمن تدل على أن لا تراجع إيرانياً حتى الآن. كذلك تطورات سوريا، لناحية تزايد مساعدة إيران و»حزب الله» للنظام، فهي تدل أيضاً على أن لا تراجع. لكن في المقابل، هناك الرد السعودي الخليجي في شأن اليمن ما عزّز المواقع أيضاً من الجهة المقابلة. هناك توازن في اليمن، كما تم توحيد الجهود الخليجية كاملة مع تركيا حول سوريا، ما أدى إلى أن حققت المعارضة السورية اختراقات مهمة على الأرض. كل ذلك ليدل على ان مرحلة ما قبل الحوار الدولي مع إيران مهمة لتعزيز كل طرف وجوده وسلطته على الأرض. وأي ربح على الأرض يؤدي حتماً إلى ربح على طاولة التفاوض.
وتبعاً لذلك، هناك تخوّف كبير من أن تسبق مرحلة الحوار، مرحلة عنف واضطرابات وتوترات قاسية في المنطقة يعمل من خلالها كل طرف لتثبيت مواقعه في المنطقة. إلاّ إذا حصلت تفاهمات تُبقي على حد معين ومقبول من الستاتيكو في انتظار إرساء الحلول الكبرى.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي