تاريخ كونين

تاريخ كونين

وان كنّا لا نملك أية معلومات عن تاريخ كونين، حتى بداية الاحتلال الفرنسي للمنطقة، فإن مسيرتها التاريخية لا تختلف عن غيرها من البلدات المجاورة، ويذكر بعض أبنائها، أنها كانت محطة لبعض العلماء العامليين الكبار، أمثال الشهيد الثاني، والشيخ مفلح الكونيني وغيرهما.

كما يذكر آخرون، أن بعض رجالاتها سيقوا إلى الخدمة العسكرية العثمانية، الإجبارية، وكل من تخلف عن الخدمة العسكرية كان يشنق، كما حدث مع محمد السيد أمين من بلدة ديركيفا التي تهرب من الخدمة العسكرية تم القبض عليه في كونين، وعلّقت مشنقته على البيدر. قطع الجبل في محاولة شنقه الأولى، ثم قطع الحمل في محاولة شنقة الثانية، مما كان من العثمانيين إلا أن أتوا بجبل جديد وشنقوه. عندما قطع الحبل، صرخ أحدهم، الله أكبر، فأخذوه إلى العين التحتا، وأطلقوا عليه النار، طلقة واحدة، أخطأته، فعفوا عنه. البعض الذين سيقوا إلى الخدمة عادوا إلى البلدة، وآخرون لم يعرف عنهم شيئاً، كما حصل للعديد من أبناء المنطقة.

ويذكر بعض كبار السن من البلدة، أن العثمانيين كانوا يعمدون إلى تهجير بعض العائلات التي ترفض رفع الجزية. وعلى سبيل المثال هناك من شنق من البلدة على يد العثمانيين لرفضه دفع الضرائب، وصودرت أراضيهم وهجّرت عائلاتهم.

أما وضعها بعد إعلان الانتداب الفرنسي، فكان مرتبطاً بشكل مباشر بما كان يحدث في المنطقة، من مواجهات عسكرية، رداً على الانتداب، والمواقف السياسية التي ترافقت معه، أو أعقبته، وما بدر من تحدّيات على صعيد المنطقة، التي تقع ضمنها بلدة كونين، على وجه الخصوص.

إن أبناء كونين في تلك الفترة، لم يكونوا خارج نطاق التحرك السياسي والعسكري، ولم يكن صدفة أن يختار قادة العصابات الوطنية، المناهضة للفرنسيين، ومن مشى في ركابهم، بلدة كونين، لعقد اجتماع عام على بركتها الشهيرة، لتقرير ما يجب الإقدام عليه، مقابل الموقف الفرنسي، وممارسات المؤيدين من أبناء المنطقة، لهذا الموقف، وذلك في الخامس من أيار سنة 1920.

اجتماع بركة كونين

على أثر الاستفزازات التي قامت بها بعض الفئات المؤيدة للسلطة الفرنسية المنتدبة، والتي كانت بإيحاء من هذه السلطة، التي كانت غايتها الأساسية تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة، لتصل الأمور فيها إلى درجة، يبدو فيها، حسب رغبات المحتل، ان الحلّ الوحيد هو في دخول قوات هذا المحتل على الخط، بحجة حماية الأقليات، أي حماية المسيحيين، على أثر ذلك، وبعد تأخر جواب كامل الأسعد على رسالة شفوية، كان أرسلها قادة العصابات الوطنية إليه، خلال اجتماعهم في منطقة «الميادين» في بنت جبيل، تداعى أكثر من مئتي شخص إلى اجتماع، اختاروا مكانه «بركة كونين»، وتم الاجتماع في يوم الخامس من أيار 1920، والذين حضروا كانوا من بنت جبيل، مارون الراس، يارون، عيثرون، كونين، عيناثا، بيت ياحون، وبرعشيت وغيرها.

وحول هذا الاجتماع، يذكر الشيخ أحمد رضا، ان «كامل الأسعد أرسل إلى قائد الهجوم محمود الأحمد بزي، (وهو لم يكن حاضراً في هذا الاجتماع، وبشكل مؤكد)، وفداً مؤلفاً من أعيان بنت جبيل… ومعهم كتاب منه إلى رئيس العصابة المهاجمة، ورفقائه، يأمرهم بالإخلال إلى السكينة، وترك الأمر بيد العقلاء ليتدبروه. وذهب الوفد إلى محل اجتماع القوم على البركة، وذلك وقت الظهر من ذلك اليوم (الأربعاء)، فوجدوا جمعاً غفيراً يلتهب حماسة».

ويظهر أن المجتمعين لم يقتنعوا بما ورد في رسالة كامل الأسعد إليهم، وأجابوا الوفد بأنهم سيرسلون شخصاً من قبلهم إلى كامل الأسعد ليلتقيه، ويتأكد من صحة الأمر، ومن حقيقة موقفه مما حدث..

وخلال وجود الوفد توتر الجو، ووردت معلومات من جوار بنت جبيل، عين إبل، زادت الوضع توتراً، وحصل ما حصل.

وعلى أثر الأحداث المؤسفة التي كانت، عانت كونين من ظلم وعدوان الحملة العسكرية التي اجتاحت المنطقة، وكان تعداد جنودها أربعة آلاف، بقيادة الجنرال نيجر، وتمّ تهجير سكانها، وخاصة إلى فلسطين.

وبعد احتلال المنطقة، واستقرار الوضع لمصلحة الفرنسيين، اضطر أهالي كونين، كغيرهم من أهالي المنطقة للعودة إليها، مجبرين.

مجزرة كونين سنة 1978

 بعد منتصف ليل 14 ت 15 آذار سنة 1978، قام الطيران الإسرائيلي بشن أعنف الغارات على بلدة مارون الراس أولاً، وعلى تلال مسعود وشلعبون، وخلة المشتى، وعلى أكثر من مكان حول بنت جبيل، وبعد حصول مواجهة عنيفة في تلة شلعبون، سقط عدد كبير من شهداء المقاومة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية، وسقطت بنت جبيل بيد القوات الغازية، وفي صبيحة الخامس عشر من آذار 1978، تقدّمت القوات الصهيونية، من المحاور الشمالية، والشمالية الغربية، لبنت جبيل، باتجاه بلدات كونين وما بعدها..، وكانت القوات الغازية تستخدم في تقدمها الدبابات الحديثة، من نوع ميركاڤا، المحمية من غطاء جوي كثيف.

في كونين، في «منتصف الطريق بين صف الهوا، المدخل الشمالي لبلدة بنت جبيل، عاصمة القضاء، وبيت ياحون، في تلك القرية الوادعة، التي لا يوجد فيها حتى مخفر لقوى الأمن الداخلي، أو شرطي بلدي مسلّح، كان درويش درويش، الذي كسر فؤاده صراخ أطفاله من دوي الانفجارات في محيط منزله، ومحطة الوقود التي يملكها، قد اتخذ قراراً بإبعاد عائلته ما أمكن عن دائرة الخطر، وما إن تأهبت العائلة وانحشرت داخل السيارة، حتى كان الموت يتربص بها على نحو مريع.

يقول شهود عيان، ان دبابة إسرائيلية طحنت السيارة تماماً، ثم بادرت بإطلاق النار على المنازل ومحطة الوقود، مما أسفر عن سقوط 30 شهيداً هم:

درويش درويش وزوجته بدر فياض، جهاد فياض، عبد الكريم فوعاني، فاطمة علي خليل وأولادها، مريم فوعاني، سهام محمد موسى خليل، فاطمة عباس وأولادها، زمزم محمود خليل، زينب محمود خليل، صباح محمود الخليل، محمد شبلي، بهيجة محمد سعيد بشر، كاملة جنيد، فاطمة موسى خليل».

يذكر أن الميليشيات العميلة نهبت كل خيرات بيوت كونين، وخاصة زيت الزيتون والحبوب.

عائلة درويش درويش، قتل مع حماته وزوجته وثمانية أولاد والشهداء هم:

ـ درويش درويش ـ زينب مسلماني (حماته) ـ بدر فياض (زوجته) ـ جهاد درويش طعمه (ابنه) ـ حسن درويش طعمه (ابنه) ـ أمال درويش طعمه (ابنته) ـ دلال درويش طعمه (ابنته) ـ زينت درويش طعمه (ابنته) ـ إيمان درويش طعمه (ابنته) ـ كريمة درويش طعمه (ابنته) ـ وجنين في بطن أمه يبلغ من العمر ثمانية أشهر.

لائحة بالأضرار المادية والخسائر البشرية في منازل الأشخاص لواردة أسماؤهم أدناه من بلدة كونين ـ قضاء بنت جبيل 1978

 

الاسم

الخسائر البشرية

الخسائر المادية والحيوانية

محمد موسى خليل

قتلت الزوجة سهام مع ثلاثة أولاد

تهدم المنزل بكامله المؤلف من 6 غرف مع كامل الأثاث.. مع محصول تبغ 750كلغ

نفق 6 حيوانات أي 5 بقرات، حمار، 40 طير دجاج.

أغلال من قمح وشعير وبرغل وحبوب أخرى تقدر بـ2000 كلغ مع فقدان 8500ل.ل. لم توجد أثناء رفع الأنقاض. مع تلف أشجار مثمرة: زيتون 20 شجرة.

محمود موسى خليل

قتل وزوجته وثلاث بنات من أولاده زمزم محمود خليل ـ زينب محمود خليل ـ صباح محمود خليل.

تهدم المنزل بكامله المؤلف من 5 غرف مع كامل الأثاث ومحصول تبغ 900 كلغ ونفق 7 أبقار ـ ودابة و30 طير دجاج، أغلال من جميع الحبوب تقدر بـ2500 كلغ، أشجار مثمرة: زيتون 25 شجرة.

علي موسى خليل

تهدم المنزل بكامله المؤلف من 6 غرف مع كامل الأثاث ومحصول تبغ 850 كلغ تقريباً، ونفق 6 أبقار، ودابة، و10 أغنام و15 طير دجاج، وأغلال من الحبوب تقدر بت2500 كلغ، أشار مثمرة: زيتون 25 شجرة.

درويش درويش

قتل مع زوجته وثمانية أولاد أي (10 أنفس)

سيارة أمريكية موديل 76.

زينب مسلماني

قتلت

عبد الكريم فوعاني

قتل مع زوجته وولد من أولاده (3 أنفس)

فاطمة موسى خليل

قتلت

بهيجة محمد شير

قتلت

كاملة حسين جنيدي

قتلت

طيبة ذياب سلمان

قتلت

الجرحى (كما أوردهم حسين خليل) 1978

الحاج علي موسى خليل.

الحاج حسن فياض (والد الحاج أحمد فياض).

الحاجة زينب موسى خليل (أ حسين شير).

الحاجة خديجة طعمه (أم عبد الكريم فوعاني).

فاطمة عبد الكريم فوعاني (ابنة الخمسة أيام) (زوجة علي زريق).

حسين درويش، علي درويش.

تداعيات من بعد الاجتياح

هكذا دخلت بلدة كونين ضمن منطقة الشريط الحدودي المحتل، والذي تكرّس بعد الاجتياح الثالث الذي حصل سنة 1982، حيث أصبحت كونين في خط التماس الأول مع جارتها بيت ياحون، وعانت الأمرّين جرّاء الاضطهاد الصهيوني والميليشيوي.

سنة 1986، نجحت المقاومة الإسلامية، خلال عملية نوعية قامت بها، على طريق كونين ـ بيت ياحون، واستهدفت فيها دورية لجيش العملاء، وأدّت إلى أسر جنديين صهيونيين، وثارت ثائرة الكيان الصهيوني، فصبّ جام غضبه على المناطق المحررة، فقصفها بمئات القذائف.

وكانت حصة كونين من الاعتداءات الإسرائيلية، كبيرة، حيث قام العدو بعمليات دهم وإرهاب، نتج عنها تهجير معظم أهالي كونين، ونهب منازلهم وممتلكاتهم.

ويذكر أنه في وقت لاحق، تمت عملية مبادلة للأسيرين الصهيونيين، بعدد من الأسرى اللبنانيين في سجون العدو، من بينهم المرحوم جودت إسماعيل، وعلي أنيس فوعاني، وأحمد أو محمود خليل حيدر، وعدد من جثامين الشهداء، التي كانت بحوزة الصهاينة.

في فترة لاحقة، بدأ بعض الأهالي يعودون إلى كونين، خاصة وان العدو اكتشف مدى الخطأ الفادح الذي ارتكبه بتهجير أهالي البلدة، فخلال فترة التهجير، شكّلت المنطقة الواقعة بين أول كونين حتى بيت ياحون كابوساً ثقيلاً جداً على العدو، الذي تعرضت قواته للعديد من العمليات النوعية.

واستمر الأمر على هذا النحو حتى التحرير سنة 2000، حيث استعادت كونين حريتها، وعاد أهلها، وساهموا في إعمارها، عبر حركة إعمارية مميزة.

سنة 2006، تعرضت كونين لقصف عنيف من العدو الصهيوني، ما أدى إلى تدمير عدد كبير من بيوتها، وتهجير أهلها، واستشهاد مجاهدين من أبنائها، هما: حسين الصغير، ومحمد حمود، وامرأة ثمانينية تدعى نجيبة فرحات.

أعيد إعمار بلدة كونين، وعادت البلدة أفضل مما كانت، وكان لأبنائها المغتربين دور مهم في إضفاء واقع متجدد ومتميز.

المباني والمساكن

تفتقر البلدية حتى سنة 2009 إلى معلومات دقيقة عن عدد المباني الموجودة ضمن البلدة، بينما يقدّر عدد الوحدات السكنية بـ700 وحدة، أما البقية القليلة، فهي تشتمل على بعض المباني العامة، كالمدرسة والبلدية والجامع، والحسينية، إضافة إلى المحال التجارية.

يغلب على شكل المباني إجمالاً الطابع الريفي، مع بعض الإضافات المدينية، وهي معظمها منازل منفردة، بأغلبها أرضية.

شهدت البلدة عمراناً مميزاً بعد التحرير عام 2000، وتتركز الكثافة السكانية والمباني على الطريق العام، الذي يربط تبنين ببنت جبيل، وتمتد شرقاً، حيث البلدة القديمة.

خلال حرب تموز 2006، تعرّض عدد كبير من منازل البلدة للتدمير، وكان الوضع على النحو التالي:

مباني مهدمة كلياً أو جزئياً عدد 315.

مباني مهدمة جزئياً وأضرار عدد 350.

والمجموع يكون 665 مبنى، وقد تم إعادة وترميم معظم هذه المباني.