أمين محمد حطيط –
يختلف المراقبون في تحديد حجم ومدى المتغيرات التي ستشهدها الساحة الدولية بعد الاعتراف بالحق الإيراني بامتلاك التقنية النووية واستعمالها السلمي. خلاف قد يبدو فيه تباين إلى حد التناقض ومع ذلك فأننا نقول بان الاتفاق الدولي حول هذا الملف أحدث زلزالا في العلاقات الدولية قد يكون من طبيعة تغييرية قل أن شهدتها الساحة العالمية منذ انتهاء الحرب الثانية ومنذ أن رسمت خريطة النفوذ الكوني وتم تقاسم العالم مناطق سيطرة وإلحاق بالدول المنتصرة في تلك الحرب فهذا الاتفاق أدى إلى ولادة قطب دولي اقتحم نادي الأقوياء ولهذا نصفه بالزلزال.
لكن لهذا الزلازل ضوابط كما يبدو تضع له حدودا لا يتعداها، لا بل أن هذا الزلزال في طبيعته ومفاعليه من النوع الذي يحدث التغيير في البيئة أو المسرح العام دون أن يمس بذات المكونات العاملة على هذا المسرح وللتوضيح أقول انه خلافا لما قد يظن البعض، فان الاتفاق ليس صفقة بين إيران والغرب خاصة أميركا، من شأنها أن تتنازل إيران فيها عن هويتها مقابل سكوت الغرب عن نوويتها، أو ينتقل الغرب وعلى راسه أميركا في نظر إيران من صورة ” الشيطان الأكبر ” إلى صورة ” الملاك الرحمن “.
فالاتفاق كان سلوكا إيرانيا استثنائيا كما وصفه السيد الخامنئي ، و كان تصرفا غربيا ضروريا فرضه الواقع و العجز عن سلوك الطريق العسكري المباشر في مواجهة ايران كما أوحى أوباما و بالتالي لم يكن الاتفاق انتقالا من مرحلة العداء و الجفاء ، إلى مرحلة التعاون و الصداقة بين أطرافه ، و لن يكون الاتفاق جسرا تعبر عليه قوافل تغيير النظرة الإيرانية إلى أميركا و التراجع عن اعتبارها ” دولة الاستكبار العالمي و الغطرسة ” التي تستحق “الموت ” كما تطلق عبارة “الموت لأميركا” ، كما انه لن يغير في القلق أو الهواجس الأميركية و الغربية المختزنة في العمق بان ” ايران هي رأس محور الشر على المصالح الغربية الاستعمارية في المنطقة و العالم”.
فالاتفاق في العمق والحقيقة يشكل اعترافا غربيا دوليا بالنظام السياسي الذي ارسته الثورة الإسلامية في إيران، وإقرارا بالعجز عن اقتلاعه أو ترويضه أو احتوائه والتسليم بضرورة التعايش معه ومساكنته والتعامل معه بشكل براغماتي وفقا لما هو عليه وليس وفقا لما تريده أميركا والغرب أي التعامل معه باعتباره نظاما سياسيا واقعيا قانونيا مشروعا ذو هوية محددة وقيم ومبادئ ثابتة معلنة.
تعامل ينتقل إلى مرحلة جديدة تختلف عما سبقها، فبعد أن كان الهدف الغربي من المواجهة أسقاط النظام الإسلامي الإيراني واجتثاثه سيتحول السلوك بعد هذا الاتفاق إلى صراع حول الفضاء الاستراتيجي الحيوي الذي يمكن أن تصل اليه إيران في المنطقة والعالم وبشكل خاص حول الأحلاف والمحاور التي قد تشكلها إيران أو تنضم اليها مع المحافظة على هويتها المستقلة وثوابتها المعلنة. وبهذا يجب أن تفهم مواقف مرشد الثورة السيد علي خامنئي في خطبة عيد الفطر الأخيرة، وتأكيده القاطع على تلك الثوابت ورفضه لأي تنازل أو تجميد للعمل باي منها بما في ذلك النظرة لأميركا واعتباره أن التفاوض معها جاء استثناء وان المواجهة مستمرة استمرار الصراع بين الحق والباطل. وعليه لا ينتظرن أحد برأينا أن تعقد موائد التفاوض بين الطرفين لاستيلاد حلول سريعة لازمات المنطقة.
قد يمس هذا القول والتشخيص بموجة التفاؤل التي سادت في المنطقة بعد الاتفاق النووي الإيراني، وقد يرى البعض فيها نزعة تشاؤمية، ولكننا نسارع للقول بأن الأفراط بالتفاؤل قد يشكل خطرا على صاحبه ويكون ضرره أكثر من المحتمل، ونحن نميز بين تغيير في البيئة يفرض إيقاعا مناسبا للمواجهة والصراع، وبين تغيير في ذاتية المكون يضع حدا للمواجهة وينهي الصراع. والذي نحن بصدده مع هذا الاتفاق هو التغيير البيئي المؤثر على الإيقاع، وليس التغيير التكويني المسقط للصراع.
وعلى ضوء ذلك نرى أن التغيير في الإيقاع سيكون لمصلحة محور المقاومة وسينعكس إيجابا على مناطق مواجهة تعتبر إيران نفسها معنية بها من العراق إلى سورية فاليمن فضلا عن البحرين ولبنان، حيث سيكون لإيران قدرة أكبر على تقديم الدعم والمساندة لحلفائها في الميدان هناك، في حين سينقسم المعتدون فئتان:
– فئة الواقعيين البراغماتيين وعلى راسهم أميركا التي ستتعامل مع الواقع كما اعترفت به وتحاول بنفس مصلحي وضع حد للتصعيد ومحاولة البحث عن حلول سياسية لازمات المنطقة بشكل يحدد خسائرها ويرفع سقف مصالحها المتبقية.
– وفئة المكابرين الحمقى الرافضين للاتفاق ونتائجه وهم سيجنحون إلى تصعيد الصراع الانتحاري لقطع الطريق على إيران لمنعها من قطف ثمار الاتفاق.
و يبدو أن السعودية ستشكل طليعة الفئة الثانية لأنها ترى أن المكاسب الإيرانية ستكون على حسابها عقائديا و سياسيا .لذا سارعت إلى التحرك التصعيدي قبل أن تنتظر مصادقة مجلس الأمن على الاتفاق الدولي ، و هذا ما يفسر محاولتها الانتحارية لاستعادة عدن و استدعاء خالد مشعل مسؤول حركة حماس الفلسطينية ثم رئيس مليشيا القوات اللبنانية ، من اجل استئجار خدماتهما في اليمن و لبنان لإقامة التوزان مع انصار الله و حزب الله ،فطلب من الأول أرسال المقاتلين من حماس إلى اليمن ، ولوح جعجع بالتصعيد بما يراد منه إرباك حزب الله بعد العودة إلى نغمة عدم مشروعية المقاومة .
إذن ستكون مسارات ما بعد الاتفاق متشعبة في فرعين، فرع يسير فيه الواقعيون البراغماتيون، يبتغى منه تلمس الحلول الممكنة ويرى أن اللجوء إلى القوة استنفد أهدافه ولن يكون له دور يتعدى الضغط والاستنزاف وإفراغ الذخيرة من السلاح، وفرع يقتحمه المكابرون الانتحاريون الذين يرفضون التسليم بالهزيمة أمام نجاح إيران ومحور المقاومة. ما يعني بان الأمور قد تكون مرشحة في مكان ما للتصعيد كما تريد السعودية خاصة في اليمن ولبنان. فان حصل ذلك فإننا نتوقع غرقا سعوديا في رمال تفوق القدرة السعودية على المواجهة غرقا يفسح المجال عندها أمام الحلول المنشودة.
وبالتالي فأننا نرى انه مهما كان سلوك الخصوم فان الاتفاق النووي فتح باب التغيير لصالح محور المقاومة، الممتلك لقوة في الميدان وفي الأروقة السياسية، قوة تمكنه من الحسم الميداني حيث يقتضي، وفرض المواقف السياسية حيث يلزم، ما يعني أن الاتفاق هيأ بيئة أنتاج الحلول لكن الطريق اليها لا زال طويلا.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي