الظواهري يمهّد لـ«خلافة» أفغانية

في خطوة أشبه ما تكون بالإعلان عن تأسيس «خلافة» ثانية، أعلن زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري بيعته لزعيم حركة «طالبان» الجديد الملا أختر منصور، ويسارع الأخير إلى قبول البيعة من دون أي تحفظ.
وكما رفضت «جبهة النصرة»، فرع «القاعدة» في الشام، فك ارتباطها بتنظيمها الأم، ضاربة بعرض الحائط جميع المحاولات والضغوط الإقليمية والدولية التي كانت تستهدف إقناعها بذلك، ها هي «طالبان» تعزز علاقتها مع «القاعدة» بعد أن حاولت إيهام الجميع بأنها أحدثت تغييرات جذرية في نهجها وسلوكها.

وقد لا يكون في بيعة أيمن الظواهري، التي أعلن عنها في تسجيل صوتي حمل عنوان «مسيرة الوفاء» وصدر عن «مؤسسة السحاب» أمس الأول، أي جديد من حيث الجوهر، خاصةً بعد أن تسرّب قبل أشهر عدة مقطع فيديو لزعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن تحدث فيه عن مبايعته للملا عمر بيعةً عظمى، وهو المقطع عينه الذي استُهِلَّ به تسجيل الظواهري.

لكن الجديد هو أن بن لادن أبقى هذه البيعة سرية، ولم يعلن عنها طوال حياته، بينما أعلن الظواهري البيعة، كاشفاً للمرة الأولى أن تنظيم «القاعدة» يتبع «الإمارة الإسلامية في أفغانستان»، وأن البيعة التي في عنقه هي «بيعة إمامة كبرى».

وبرغم أن «الإمامة الكبرى» لا تعني بالضرورة «الخلافة»، إلا أن الظواهري تعمد في تسجيله الصوتي الأخير التفصيل في بنود البيعة والتركيز على شمولها الأمة الإسلامية بقضاياها كافة، وكأنه يريد أن يربط بين الأمرين، والإيحاء بأن «إمارة أفغانستان» إن لم تكن «خلافة» فهي وحدها التي تشكل لبنة «الخلافة» المقبلة.

«جبهة النصرة» ملتزمة بـ«البيعة العظمى» للملا أختر!
ومن الجلي أن محاولة الظواهري هذه لها علاقة وطيدة بمقتضيات الخلاف بينه وبين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» الذي أعلن عن تأسيس «الخلافة» منتصف العام الماضي. وفي هذا السياق، شدد الظواهري على أن بيعته للملا أختر هي لإقامة الشريعة الإسلامية و «الجهاد» ضد كل من لا يحكِّمها. فقال: «نبايعكم (أي الملا أختر) على إقامة الشريعة حتى تسود بلاد المسلمين حاكمة لا محكومة.. لا تعلوها حاكمية، ولا تنازعها مرجعية». وأضاف: «نبايعكم على البراءة من كل حكم أو نظام أو وضع أو عهد أو اتفاق أو ميثاق يخالف الشريعة، سواء كان نظاماً داخل بلاد المسلمين، أو خارجها». وتابع: «ونبايعكم على الجهاد لتحرير كل شبر من ديار المسلمين المغتصبة السليبة». ليختم بالتصريح عن الهدف النهائي المنشود وهو: «نبايعكم على إقامة الخلافة الإسلامية».

وتأتي هذه البيعة، كما أعلنها الظواهري، برغم تأكيد حركة «طالبان» في مناسبات عديدة سابقة بأن مشروعها يقتصر على الأراضي الأفغانية، وأنه لا يشمل دولاً أخرى، كما تعهد زعيمها الراحل الملا عمر بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. وقال الملا عمر، في بيان لمناسبة عيد الفطر: «نطمئن دول العالم والجوار مرّة أخرى أنّ كفاحنا هو لتحرير البلد، وإقامة نظام إسلامي مستقل فيه، وكما أنّنا لا نريد الإضرار والتدخل في شؤون دول الجوار والمنطقة والعالم، كذلك لا نتحمّل الموقف العدائي الضارّ من أحد».

كذلك فإن الزعيم الجديد لطالبان الملا أختر قال، في أول بيان صوتي له بعد اختياره، إن «الجهاد سيستمر حتى إقامة الشريعة الإسلامية في البلد». وهو ما يشير إلى وجود اختلافات جوهرية بين بيعة الظواهري بصيغتها السابقة من جهة وبين أدبيات «طالبان» من جهة ثانية.

وقد جاء البيان الصادر عن «إمارة أفغانستان»، أمس، والذي تضمن الإعلان عن قبول الملا أختر بيعة أيمن الظواهري، ليعيد إلى الأذهان حالة الالتباس التي طالما غلّفت العلاقة بين «طالبان» و «القاعدة»، لأن الملا أختر قبل البيعة من دون أن يتحفظ على ما فيها من اختلافات مع أدبيات حركته. وهو ما يعزز من صحة التفسير بأن «طالبان»، وبغض النظر عن تصريحاتها الإعلامية، تعتبر «القاعدة» بمثابة جناحها العسكري خارج حدودها الذي تلوّح به في وجه خصومها الإقليميين والدوليين. ويبدو أن هذه السياسة ستبقى قائمة في عهد الملا أختر.

ومما له أهميته بخصوص المشهد «الجهادي» في المنطقة، هو تأكيد الظواهري في تسجيله الصوتي على أن البيعة العظمى التي سبقه إليها أسامة بن لادن «قد دخل فيها كل من بايع بن لادن وتنظيم قاعدة الجهاد». ويشمل ذلك على الأقل جميع فروع «القاعدة» المنتشرة في بعض الدول، وعلى رأسها «جبهة النصرة». فكلام الظواهري يؤكد أن «جبهة النصرة» ملتزمة بالبيعة العظمى التي أعطاها بن لادن وجددها هو، لزعيم حركة «طالبان»، وهو ما يعني أن «جبهة النصرة» ليست في النهاية سوى ذراع عسكري للإمارة الأفغانية.

غير أن بعض منظري «الجهاد» ينفون ذلك ويدعون إلى ضرورة فهم كلام الظواهري على ضوء ما قاله بن لادن في مقطع الفيديو المسرب خصوصاً لجهة تأكيده أن البيعة العظمى لا تشمل إلا المتواجدين في مناطق سيطرة «طالبان»، أما الجماعات خارج مناطق السيطرة فتكون بيعتها بيعة قتال فقط.

ومن هذا المنطلق يرى هؤلاء المنظرون بأن «عناصر القاعدة المتواجدين تحت سلطان طالبان، وعلى رأسهم أيمن الظواهري، تكون بيعتهم بيعة إمامة كبرى وكل من خرج عليها فهو عاصٍ ويقاتل ويقتل إذا لم يرجع». أما باقي أفرع «القاعدة» فغير ملزمين بسياسة «طالبان» السياسية والعسكرية، ولا يتلقون أوامرهم وتعليماتهم إلا من أميرهم المباشر أيمن الظواهري. ولكن لم يستطع هؤلاء توضيح أهمية تمييزهم بين علاقة أيمن الظواهري مع «طالبان» وعلاقة باقي أفرع «القاعدة» بها، لا سيما أنهم متفقون أن الظواهري ملتزم بمقتضى بيعته بسياسة «طالبان» وبأوامر زعيمها. بمعنى آخر فإن التزام الظواهري بالبيعة ومقتضياتها تجعله غير قادر، طالما هو مقيم في الأراضي الأفغانية، على إصدار أوامر تخالف سياسة «طالبان» إلا برضى الأخيرة وقبولها، وإلا كان عاصياً لزعيمه الذي بايعه بيعة عظمى.

وهذا يعني أن الظواهري، وبفعل الضغوط التي شكلها صعود «داعش» وتمدد «خلافته» في عدد من الدول من بينها أفغانستان، وجد نفسه مضطراً إلى التلميح بإمكانية إنشاء «خلافة» منافسة بزعامة الملا أختر، ليكبح قليلاً من جماح التأييد الذي يناله «داعش» في أوساط الحركات «الجهادية» العالمية. لكن الظواهري، وهو يفعل ذلك، فإنه يتخلى عن العديد من المبادئ التي طالما شدد عليها في خطاباته الأخيرة، وأهمها اشتراطه التمكين التام كشرط أساسي لإقامة أي «إمارة إسلامية»، لا سيما أن «تمكين» طالبان في أفغانستان لا يقاس بالتمكين الذي حققه «داعش» على بعض المدن العراقية والسورية. وهو ما يؤكد أن الصراع بين الطرفين لا يتعدى كونه صراعاً على النفوذ والسيطرة، وأن الفتاوى والتنظيرات الشرعية ليست سوى وسيلة لكسب هذا الصراع.
***

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة