رقمان مرعبان قد يؤديان إلى نهاية علم الفيزياء وعدم قدرتنا على الكون!

يبدو أن قدرات العقل البشري متمثلة في علم الفيزياء على فهم واستيعاب ألغاز جديدة للكون وصلت إلى قرب نهايتها. فلأول مرة في تاريخ العلم قد تواجهنا أسئلة لا يمكننا بالتأكيد الحصول على أجوبتها.
 
حالياً بدأت عملية مقلقة من الأفكار المثيرة للجدل تنشأ وتبرز داخل المجتمع الفيزيائي. هذه الفكرة تتمثّل في أننا أصبحنا على وشك الوصول للحدّ النهائي لما يمكن لنا أن نستوعبه عن العالم حولنا من خلال العلم.
 
هاري كليف، عالم فيزياء الجسيمات في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (سيرن CERN)، قال في أحد مؤتمرات TED الشهيرة في سويسرا، إن السنوات القليلة القادمة ستخبرنا ما إذا كنا سنستطيع أن نزيد من مقدرتنا على فهم الطبيعة، أم أننا ولأول مرة في تاريخ العلم سنواجه أسئلة لا يمكننا حلها. المقصود بلا يمكننا هنا أننا لن نكون قادرين على استيعاب الظواهر الموجودة وفهمها حتى نوجد القوانين والتجارب الملائمة لها من الأساس.
 
كليف يوضح أن هذه الفكرة المخيفة يأتي مبعثها من أن قوانين الفيزياء التي توصّلنا إليها لن تتمكن من استيعاب الظواهر الجديدة التي سنكتشفها مستقبلاً، وبالتالي فلن نتمكن من إيجاد أي وسيلة لوصفها.
 
كليف يعيد هذه النظرة التشاؤمية إلى عددين فيزيائيين يعتبرهما الأكثر خطورة في الكون كلّه. ببساطة لأن هذين العددين هما المسؤولان عن وجود المادة والتركيب الكوني والحياة نفسها التي نشهدها في جميع أنحاء الكون. وحتى نستوعب مدى خطورة هذين الرقمين فيكفي أن نعلم أنه لو كان هذان العددان مختلفان قليلاً عن قيمتهما الحالية لكان الكون عبارة عن فراغ تام بلا أي حياة أو مادة.
 
 
الرقم الأول
ويمثل القيمة العددية لـ “قوة مجال هيغز”، هذا المجال هو عن مجال غير مرئي من الطاقة لا يختلف كثيراً عن المجالات المغناطيسية الأخرى التي تتخلل الكون. ومن المعروف بالطبع أن لكل مجال في الدنيا مهما كان مصدره قوة، فإذا كان هناك مجال مغناطيسي فإن هناك قوة مغناطيسية لهذا المجال هي التي تعمل مثلاً على جذب برادة الحديد إليه.
 
فيزياء الجسيمات تصف هذا المجال بأنه العملية التي تعطي كتلة للجسيمات الأولية، فالجسيمات التي تسبح في هذا المجال تكتسب كتلة لتتحول في النهاية إلى بروتونات ونيوترونات وإلكترونات تتكون منها جميع الذرات الموجودة في هذا الكون.
 
بمعنى آخر فإن هذا المجال هو الذي يمنح المادة وبدونه فلا وجود للأجسام ولا الكواكب ولا البشر ولا أي شيء في الكون كله، لولاه لأصبح الكون عدماً.
 
 
السؤال هنا: كيف عرف العلماء بوجود هذا المجال؟
 
لا تعتقد أن هذه المعرفة كانت خلال عشرات السنوات، بل إن معرفة وجود هذا المجال جاءت في أعقاب اكتشاف مذهل قام به علماء مركز “سيرن”، عندما اكتشف العلماء وجود جسيمات أولية (جسيمات متناهية الصغير هي حجر الأساس والوحدة الأساسية في تكوين مكنات الذرة)، تسمى “بوزون هيغز”. ووفقاً لإحدى النظريات فإنه لا يمكن أن يتواجد بوزون هيغز إلا إذا كان هناك مجال هيغز.
 
الفيزياء تقول إن البوزونات (سنسميها البوزونات القياسية) ستقوم بامتصاص كتلة قادمة لها من نوع آخر من البوزونات تسمى “بوزونات نامبو-جولدستون”، هذه الأخيرة ناتجة عن عملية تسمى “كسر التناظر التلقائي” والتي يتم فيها كسر التناظر لمستوى فراغي ما، لتتكون جسيمات الذرة من بروتونات ونيوترونات وإلكترونات. هذه الجملة الغريبة صعبة الفهم توضح لنا فقط أن هناك عملية اكتساب للكتلة تتم من خلال جسيمات متناهية الصغر، وأن هذه العملية لا تتم إلا من خلال عبور هذه الجسيمات من خلال مجال هيغز.
 
تأتي هنا معضلة كبيرة نتيجة أعظم نظريتين في مجال الفيزياء، النظرية النسبية العامة التي تشرح لنا الكون على مستوى المقاييس والأجسام الكبرى كالكواكب والنجوم، ونظرية ميكانيكا الكم التي تشرح لنا ما يدور في الكون على المستوى متناهي الصغر أو على مستوى الذرات. فطبقاً لهاتين النظريتين فإن مجال هيغز سيتواجد في أحد الصورتين أو لأداء أحد المهمتين.
 
فإما أن يكون مجال هيغز مطفأً (turned off) وبالتالي فإن قيمة قوته ستساوي صفر، وهو ما يعني أن المجال لن يكون قادراً على منح الجسيمات الأولية أي كتلة. أو أن مجال هيغز سيكون فعالاً (turned on) وبالتالي فإن قيمة قوة المجال ستكون رقماً ضخماً للغاية. ما قام بتشويش العلماء هنا أنهم فوجئوا أن أياً من هذين السيناريوهين لم يكن صحيحاً.
 
 
حسناً، الإثارة ستبدأ هنا
 
ففي الواقع فإن مجال هيغز هو فعال بشكل ضئيل للغاية يقترب من الصفر لكنه ليس صفراً. يقول عالم فيزياء الجسيمات كليف هنا أن مجال هيغز هو أصغر بمقدار 10 آلاف تريليون مرة من قيمته إذا ما كان فعالاً بشكل تام. تخيل أن تقوم بمحاولة إطفاء المروحة في منزلك فتقوم بإدارة المؤشر حتى نهايته وقبل النهاية بشرطة واحدة تجد أن المؤشر قد توقف ولا يريد أن يكمل الجزء الضئيل المتبقي من أجل الإطفاء التام.
 
وهذه القيمة على الرغم من صغرها النسبي فهي قيمة مهمة وحاسمة للغاية لمصير هذا الكون كله، فلو تغيرت هذه القيمة قليلاً لما كان هناك أي مادة في هذا الكون الشاسع.
 
نأتي هنا إلى ما ذكرناه في المقدمة عن احتمالية عدم قدرتنا على فهم أو استيعاب الظواهر الطبيعية حولنا. حسناً، فهذه القيمة الضئيلة لمجال هيغز هي واحدة من تلك القيم والظواهر التي لا يستطيع العلماء فهمها رغم أنهم لا يزالون يأملون أن يتمكنوا من فهمها عبر اكتشاف جسيمات أولية جديدة في معجل الجسيمات التابع لمركز “سيرن” بعد أن يتم ترقيته.
 
 
الرقم الثاني
ويقصد به “قوة الطاقة المظلمة”. هذا الرقم ضاعف من وصف العلماء للطاقة المظلمة بأنها أسوأ تنبؤ نظري في تاريخ الفيزياء، لأن الرقم زاد من حيرتهم عن الطاقة المظلمة.
 
 
ما هي الطاقة المظلمة في البداية؟
 
هي عبارة عن قوة تنافر مسؤولة عن تسريع عملية تمدد الكون. وقد تم قياس هذه الطاقة لأول مرة عام 1998. المذهل في الأمر أن العلماء حتى هذه اللحظة لا يعرفون على وجه الدقة ماهية هذه الطاقة، ليقوم البعض بوصفها على أنها طاقة الفضاء الفارغ نفسه!!
 
هناك مثل عربي يقول “جاء ليكحلها فعماها”، ويبدو أن هذا المثل ملائم لما قام به هؤلاء العلماء، فبدلاً من أن يمنحونا وصفاً يمكن استيعابه للطاقة المظلمة، قاموا بإعطاء وصف لا يمكن فهمه على الإطلاق، فما معنى أن للفراغ طاقة؟
 
ومعنى هذا أيضاً أنه حتى يمكن حساب مقدار الطاقة المظلمة فأنت بحاجة إلى جمع كل الطاقة الخاصة بالفراغ في جميع أنحاء الفضاء. وقبل أن تخبرني باستحالة هذا عملياً، فقد قام علماء الفيزياء النظرية بحساب هذا المقدار، ووجدوا أنه 10120 مرة أقوى من القيمة التي يمكن أن يلاحظها علم الفلك لجميع أجسام الكون.
 
العلماء يخبرونك أن هذا الرقم ستبلغ قيمته ألف تريليون تريليون تريليون مرة أكبر من حجم عدد الذرات الموجودة في الكون كله. هذا الرقم ببساطة لا يمكن لأي عقل بشري استيعابه، وبالتالي فنحن قد دخلنا إلى منطقة لا يمكن للعلم أن يتعامل معها لأنها خارج حدود القدرات البشرية بكل ما أنتجته من قوانين وعلوم الفيزياء منذ نشأة البشرية على الأرض.
 
العلماء مثل كليف يقولون لنا أننا سعداء الحظ بأن الرقم الحقيقي لهذه القوة هو أقل من الرقم الذي توصل إليه العلماء النظريون، لأننا لو وافقناهم على هذا الرقم لقام الكون حرفياً بتمزيق نفسه، لأنه في هذه الحالة فإن القوى النووية التي تجمع مكونات الذرة ببعضها البعض ستكون قوة مهملة أمام هذا الرقم العملاق وبالتالي لما وجدت مجرات ولا كواكب ولا حتى حياة في الكون.
 
من ناحية أخرى فإن الأمر محبط جداً جداً كوننا لا نستطيع استخدام نظرياتنا الحالية للكون لمحاولة تطوير قياس أفضل لهذه الطاقة المظلمة والتي يمكن أن تتسق مع المعطيات الموجودة أمامنا.
 
 
المستحيل هنا
 
يقول العلماء أنه يوجد طريق محتمل يمكننا من الحصول على بعض الإجابات فيما يتعلق بمجال هيغز وقوة الطاقة المظلمة، ولكننا قد لا نتمكن مطلقاً من الحصول على المقدرة لإثباتها.
 
يقول كليف أننا إن تمكنا من التأكد من أن الكون الخاص بنا هو واحد من مليارات الأكوان المتوازية، فإننا سنكون فجأة على مقدرة لفهم هذه القيم الغريبة لهذين العددين، لأنه في الكون المتعدد فقط يمكن أن تكون الطاقة المظلمة كبيرة جداً بحيث يحصل تمزق للكون وينفتح على أكوان أخرى، أو أن يكون مجال هيغز ضئيلاً جداً بحيث لا يمكن أن تتكوّن ذرات جديدة.
 
لإثبات هذا الأمر فإن العلماء سيحتاجون إلى اكتشاف جسيمات جديدة من شأنها أن تدعم النظريات التي يقول عنها بعض العلماء بأنها متطرفة مثل نظرية الأوتار والتي تتوقع بوجود أكوان متعددة. حالياً لا يوجد سوى موقع واحد يمكنه أن ينتج مثل هذه الجسيمات وهو “مصادم هادرون الكبير” في سيرن.
 
حالياً العلماء في انتظار مرور ما بين عامين لثلاثة أعوام حتى يتمَّ غلق هذا المصادم والبدء في عملية ترقيته. فإذا تمت عملية الترقية بنجاح وعاد للعمل ولم نجد شيئاً من هذه الجسيمات فإن هذه ستكون بداية النهاية. نهاية قدرة علم الفيزياء على استيعاب الظواهر الجديدة المكتشفة في الكون، سنكون وقتها في العصر الذي لا يستطيع الإجابة على سؤال: لماذا يوجد شيء ما بدلاً من لاشيء؟
 
يبدو وقتها أن الفلسفة ذاتها ستنتهي أمام أسئلة علمية ليس لها إجابة.
 
 
(huffpost)
 
 

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة