يجري الترويج بشدة للعملية البرية في سوريا والتي أبدى عدد من الدول استعداده للمشاركة فيها بشرط أن تكون مدعومة من الولايات المتحدة وفي إطار التحالف الذي تقوده.
إن عملية الترويج هذه أصبحت مثيرة للانتباه، لأنها مثيرة لوسائل الإعلام وللمحللين والخبراء الاستراتيجيين. ولكن العملية نفسها ليست بالبساطة التي قد يتصورها البعض حتى وإن كانوا ساسة كبارا يحكمون دولا.
ولكن الخطر من وراء هذه الحملة الترويجية يكمن في عملية تمهيد الرأي العام المحلي في سوريا، والرأي العام الإقليمي إلى قبول فكرة تقسيم سوريا بعد تمكين المعارضة من الوجود على مساحات واسعة على الأرض. وعملية التمكين هذه تجري على قدم وساق من خلال عمليات التحالف الذي تقوده واشنطن من جهة، والمماطلات والمساومات السياسية التي تجري تحت غطاء الحوار والمفاوضات.
ربما تكون الولايات المتحدة هي عضو التحالف الأكثر دراية بمخاطر أي عملية عسكرية برية في سوريا. بل وتعلم أيضا أن كل الدول التي تعلن استعدادها للمشاركة في هذه العملية، إنما تختبئ وراء ظهر واشنطن، وتشارك لأهداف قد تختلف مع أهداف الإدارة الأمريكية، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تسمح به الولايات المتحدة الراغبة في الهيمنة الكلية والشاملة.
الإعلانات والتصريحات تتوالى بأن العملية ليست جاهزة إلى الآن، وهناك مفاوضات واستشارات.
فوزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو أعلن عن عدم وجود خطة لشن عملية برية في سوريا لأسباب كثيرة، من ضمنها اعتراض عدد من الدول عليها. وبطبيعة الحال، أبدى تذمرا من موقف واشنطن، إذ أشار إلى أنه “لم يتم بحث استراتيجية العملية بجدية مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة”.
اللافت هنا أن تشاووش أوغلو أقر بأن “إجراء مثل هذه العملية بقوى تركية وسعودية وقطرية وحدها، لا يعتبر خيارا واقعيا”. ما يعني أن تركيا على الرغم من زيارات مسؤوليها المكوكية لهذه الدول، وإعطائها انطباعا بأهميتها وأهمية وجودها في تحالف ما مع أنقرة، لا يعني أنه يمكن التعويل عليها في إجراءات عسكرية أو أي تحركات واسعة النطاق. ومن الواضح أن تركيا ترغب ببحث الموضوع مع الولايات المتحدة والحصول على ضمانات بغطاءات مادية ولوجستية ودعم عسكري كامل. وهو ما يعني لواشنطن صداما عسكريا مباشرا مع روسيا.
لقد حذرت منظمة معاهدة الأمن الجماعي من أن خطط أنقرة والرياض لشن عملية برية في سوريا قد تؤدي إلى تصادم عسكري مباشر بين بعض دول منطقة الشرق الأوسط. هذا التحذير الهادئ والخطير في آن واحد، يبعث برسالة مفادها أن رعونة أنقرة السياسية والعسكرية لا يمكنها أن تؤدي إلا إلى توسيع رقعة الصدامات المسلحة في المنطقة. وفي هذا الإطار شدد أمين عام المنظمة نيقولاي بورديوجا على أن “التطورات الأخيرة، بما في ذلك القصف التركي المكثف على الأراضي السورية وتصريحات أنقرة والرياض حول نيتهما شن عمليات برية داخل أراضي سوريا، تنطوي على خطر دخول الأزمة السورية مرحلة جديدة نوعيا وخطيرة جدا تتمثل في نشوب تصادم عسكري مباشر بين دول المنطقة. من الصعب التنبؤ بعواقب مثل هذا التطور للأحداث”.
هذه الرسالة المهمة التي تنطلق على خلفية العمليات العسكرية الروسية ضد الإرهاب في سوريا، تتضمن تحذيرا مهما بأن هذه المنظمة التي تضم روسيا وبيلاروس وأرمينيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان لم تتدخل بعد في أي نزاعات خارجية، لأنها منظمة أمنية في المقام الأول تعنى بأمن أعضائها. ولكن في حال تنفيذ عمليات عسكرية برية بالقرب من حدود أعضائها قد يدفعها لتنفيذ التزاماتها نحو أمن الدول الأعضاء. وهو ما شدد عليه بورديوجا بأن “تأجيج بؤرة الحرب في سوريا يعتبر تهديدا على أمن الدول الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، نظرا لكون سوريا قريبة جغرافيا من منطقة تعد من مسؤولية المنظمة”.
إن تركيا لا تستطيع إجراء هذه العملية من جانب واحد. وحتى إذا قامت بتنفيذها، فعليها أن تحصل على موافقة مسبقة من الولايات المتحدة وحلف الناتو. ولكن الطرفين الأخيرين بالذات لا يمكنهما أن يلعبا لصالح خطط أردوغان في الشرق الأوسط، لأنهما ببساطة يعرفان طموحاته السياسية من جهة، وقلقان من رعونته السياسية من جهة أخرى. إضافة إلى أن لديهما خططهما الأكبر من تركيا ومن أردوغان نفسه، والتي لا يدخل فيها لا أنقرة ولا أردوغان.
لقد أعلنت واشنطن أنها لا تخطط لإرسال قوات برية إلى سوريا. ونفت امتلاكها أي معلومات بشأن تحضير أنقرة لعملية برية في سوريا. وشدد مجددا على أن استراتيجية الولايات المتحدة لا تزال تكمن في توجيه ضربات جوية ودعم قوى محلية. ومع ذلك فالولايات المتحدة ليس لديها أي ضمانات لكبح جماح المغامرات السياسية والعسكرية لأردوغان، وإن كانت لا ترفض أن يقوم بين الحين والآخر باستفزاز موسكو أو تنفيذ عمليات صغيرة تعادل حجمه السياسي والعسكري.
في هذا الصدد تحديدا، هناك رؤية سياسية تكاد تكون صائبة. هذه الرؤية تدور حول إمكانية أن يقوم أردوغان بعملية عسكرية برية محدودة في شمال سوريا لتبرير وجوده السياسي وتصريحاته الإعلامية وإقناع الرأي العام التركي بأنه حاكم قوي. وأيضا من أجل إسكات المعارضة التي أصبحت تشعر بالخطر على بلادها من مغامرات رئيس حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي المحافظ الذي يتبنى رؤى وخططا وطموحات تهدد أمن تركيا وشعبها. ولكن مثل هذه العملية العسكرية قد تكون بداية النهاية لمستقبل أردوغان السياسي وانهيار حزبه الذي يتعاون مع الكثير من المنظمات والتنظيمات الدينية التي يتبناهما ويدعهما تحت غطاءات ودعاوى كثيرة، منها القومي ومنها الديني، ومنها الوطني أيضا.
وفي حقيقة الأمر، فمع مسار حوارات جنيف، تدور حوارات أخرى جانبية وخلف الأبواب المغلقة حول كافة الاحتمالات. ولكن هناك انطباعا بأن الحديث عن اجتياح عسكري بري للأراضي السورية سابق لأوانه. وعلى الأرجح، يمكن أن يحدث هذا الاجتياح فقط في حال تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من وضع خطوط تقسيم ما على الأرض، وإجراء خطط عاجلة بإعادة اللاجئين إلى مناطق محددة أو التلاعب بورقة اللاجئين عموما. في هذه الحالة فقط يمكن الحديث عن دخول قوات برية تحت مسميات عديدة لحماية المواطنين أو الأقليات أو مكافحة الإرهاب أو لأي أسباب أخرى. ولا يمكن هنا أن نتجاهل أو نتناسى رغبة أنقرة الجنونية في إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، وهو ما يستلزمه إقامة منطقة حظر جوي. ومثل هذا التصريح صدر أكثر من مرة على لسان مسؤولين أتراك وغربيين، وصدر أيضا يوم 17 فبراير الحالي على لسان نائب رئيس الوزراء التركي الذي قال إن بلاده تريد إنشاء منطقة عازلة آمنة مع سوريا بطول 10 كيلومترات تشمل بلدة أعزاز.
في كل الأحوال، سيكون تنفيذ أي عمليات برية في سوريا، سواء كانت محدودة في الشمال بقوات تركية وأخرى عربية داعمة لها، أو تشمل مناطق أخرى في سوريا تحت غطاء التحالف الأمريكي، نهاية لمستقبل أردوغان السياسي. هذا في حال تم ذلك قبل تحديد الخطوط الفاصلة على الأرض والتي، كما يبدو، تشكِّل العمود الفقري لخطط الولايات المتحدة. وبالتالي، فإن أي تحرك متهور من جانب أردوغان سيضر بخطط واشنطن، لأنها هي وحلفاؤها الأوروبيون باتوا يشعرون بأن أردوغان أصبح يشكل عبئا ثقيلا عليهم. وبالتالي، ليس من المستبعد أن يكون هو كبش الفداء لتنفيذ أي عمليات برية في سوريا على المدى القريب.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي