حددت محكمة مدينة دونيتسك الروسية في مقاطعة روستوف يومي الـ21 والـ22 من الشهر الجاري موعدا للنطق بالحكم على ناديجدا سافتشينكو، المتهمة الأوكرانية بقتل صحافيين روسيين.
المتابع لسيرة حياة هذه الفتاة، التي تشبه في منظرها أحد أشقياء الزقاق، يرى أنها تزدري حياة الإنسان، أي إنسان!ففي منتصف آب/أغسطس، وبعد خمسة أشهر على بدء الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، توجهت قوة “حفظ سلام” أوكرانية مجوقلة قوامها 1800 جندي إلى بلاد الرافدين، في مسعى لتحسين علاقات كييف مع واشنطن.
وكان في عداد هذه القوة عاملة اللاسلكي ناديجدا سافتشينكو (“سفوبودنايا بريسّا” – 07 03 2016) “جان دارك أوكرانيا” الجديدة، التي يطالب ساسة واشنطن وبروكسل الأحرار، و”اللبراليون” الروس الأبرار، بالإفراج عنها.
والعسكرية الشابة، التي لم يكن لديها وقت للحياة والحب، وجدت الكثير منه للحرب، ولكتابة مذكراتها تحت عنوان “اسم ناديجدا الجبار”؛ حيث اختلقت عالمها الخيالي، الذي تقوقعت فيه، بدلا من عالم الواقع، الذي لم تجد لنفسها فيه غير الحرب مكانا.
ولعلها لذلك ترى أن “الإنسان المحظوظ، هو، الذي يموت أثناء عمله، (…) عندما لا تنفتح لدى المظلي مظلته مثلا”.
وتعترف: “ربما كان ذلك قاسيا ومرعبا.. ولكنني أعرف أنه يوجد أناس يريدون أن يكون موتهم بهذه الطريقة بالضبط. وربما كنت أنا إحدى هؤلاء الناس”.
وهي تورد أكاذيب عن خدمتها في العراق، في أجواء “ألف ليلة وليلة”، التي قرأتها في الصغر؛ حيث تؤكد مثلا أن “أميرا” من الصويرة أراد شراءها بـ50 ألف دولار، وكان يأتي إليها بالزهور كل يوم على الحاجز العسكري.
وتسجل انطباعاتها السطحية بعجرفة رجل أبيض، يكتب عن إفريقيا في القرن التاسع عشر، عن هذه المدينة العراقية العريقة.
فهي تقول (حرفيا): “ثمن الفتاة في العراق ليس باهظا؛ فلكي يتزوج الرجل – يكفي أن يسدد مهرا بقيمة 2500 دولار. وكلما كانت الفتاة أصغر سنا، وأقل تعليما (من الأفضل، حتى أن لا تكون قد ذهبت إلى المدرسة) كانت أغلى. في حين أن سعر الأكبر سنا والأذكى – يهبط فورا. أما دية القتيلة العراقية – فخروفان، وكان سعر الخروف آنذاك كان بقيمة 70 دولارا.”
وتضيف سافتشينكو: “ذات مرة صدمت ناقلة مشاتنا المدرعة فتاة في حادثة سير وأردتها قتيلة، فدفع الآمر 200 دولار إلى والدها وفُضت المسألة. ولو كان المصدوم فتى لما قضي الأمر بغير ثأر الدم.. هذا هو الفرق في سعر حياة الناس المتباين بين الذكر والأنثى في الشرق”.
وتكمل “باحثتنا”، فتقول عن أرض بلاد الرافدين (وبالحرف الواحد): “هذه أرض رائعة خصيبة. ولو لم يتكاسل أهلها عن العمل فيها، لكان من الممكن جني ثلاثة محاصيل في السنة! هنا يمكن زرع كل شيء! ولكن يجب العمل كثيرا! في حين أن العمل الجسماني، وفقا لعقلية المسلمين، هو شأن النساء! J ولذا، هن يتزوجن في سن الثالثة عشرة؛ ويَبدون، وهنَّ في سن العشرين، وكأنهن في الأربعين أو الخمسين.. والنساء قويات الأبدان جدا، والرجال، في المقابل، ضعفاء، ولكنهم يضربون النساء، وليس العكس..”
وعلى أي حال، وبعد مقتل 8 جنود أوكرانيين، كانت كييف مضطرة إلى سحب قواتها من العراق في مارس/آذار من عام 2005.
وبعد عودة الفتاة المنهكة من العراق، لم يحالفها الحظ في أوكرانيا، التي تعاني شَحا في الرجال منذ مجاعة عام 1932، والحرب العالمية الثانية، في العثور على أمير أحلامها، الذي كان يمكن أن ينسيها شغفها بالسلاح.
ولذا، التحقت بجامعة خاركوف للقوات الجوية للحصول على شهادة مساعد طيار على قاذفات “سوخوي-24″، لكن الجامعة العسكرية الأوكرانية طردتها مرتين، لعدم صلاحيتها نفسيا للطيران على هذه الدببة الطائرة.
وفي نهاية الأمر، وبضغط من وزير الدفاع أناتولي غريتسينكو، أُبقيت في فئة مساعد طيار، لكنها حُولت إلى طائرات الهليكوبتر العادية من طراز “مي-24”.
وبمرور الزمن، تحولت عقدة الوحدة، التي تعيشها، إلى رغبة في العيش للحرب وحدها.
ومع اندلاع النزاع ربيع عام 2014 في شرق أوكرانيا. انضمت إلى القوات الجوية الأوكرانية، التي كانت تقصف بلا هوادة المواطنين الناطقين باللغة الروسية هناك.
وفيما بعد، ولكي لا يضيع الوقت سدى، التحقت بميليشيا “أيدار” الأوكرانية الفاشية المتطرفة، التي اتهمتها منظمة “أمنيستي إنترناشيونال” بارتكاب جرائم حرب، بما فيها: التعذيب، الإعدامات والإجهاز على الجرحى.
ويقول القس فلاديمير ماريتسكي (http://russ-vesti.ru/wall/view/686)، الذي وقع في قبضة هذه الميلشيا في عام 2014، إنه تعرف على ناديجدا سافتشينكو السادية، وأنها كانت بين عناصر “أيدار”، وكان اسمها الحركي “بوليا – الرصاصة”، وكانت تعذب أسراها بتلذذ، وتضربه هي بالذات على أعضائه التناسلية.
ويضيف القُمُّص، الذي يرعى الآن إحدى كنائس مدينة لوغانسك في شرق أوكرانيا، أن سافتشينكو كانت الأكثر كراهية للرجال، من بين ثلاث فتيات رآهن عندما كان في الأسر، وأن أبناء لوغانسك يتذكرون جرائمها بحقهم.
غير أن حرب ناديجدا سافتشينكو لم تدم طويلا في دونباس؛ ففي السابع عشر من يونيو/حزيران عام 2014 تم توقيفها، بعدما عبرت الحدود الروسية، حسب الرواية الرسمية الروسية، واندست بين طالبي اللجوء من دون امتلاكها وثائق تثبت هويتها.
أما محاميها إيليا نوفيكوف، فيقول إن “العجوز”، كما يسمون في أوكرانيا مصلحة الأمن الفدرالية الروسية، قبضت على سافتشينكو عندما ضلت الطريق على الحدود الروسية-الأوكرانية، وهي بالثياب العسكرية.
وكيفما كان الأمر، فقد اتضح أنها مشتبه بضلوعها في قتل الصحافيين التلفزيونيين الروسيين إيغور كورنيليوك وأنطون فولوشين في ذلك اليوم. وأنها هي، التي حددت إحداثيات مكان وجودهما ومجموعة من المدنيين في محيط مدينة لوغانسك، ونقلتها إلى العسكريين الأوكرانيين، الذين قصفوا المكان، وتسببوا بقتل الصحافيين والمدنيين.
وبعد تحقيقات مطولة، استشاطت سافتشينكو في أحدها غضبا، وقالت إن الصحافيين هما المذنبين، لأنهما لم يكونا يرتديان سترا واقية تشير إلى عملهما الصحافي، وبعد مرافعات قضائية، استمرت نحو عامين، طلبت النيابة العامة الروسية، في 2 مارس/آذار الجاري، سجنها لمدة 23 عاما.
وفي كلمتها الأخيرة أمام المحكمة، في الـ9 من مارس/آذار الجاري، لم تدافع عن نفسها بكلمة، وألقت خطابا سياسيا رنانا، ولوحت بإشارات بذيئة بإصبعها، نحو القاضي.
كانت سافتشينكو تريد تقمص دور جان دارك في المحكمة. لكن القديسة الفرنسية لم تكن بذيئة أمام محكمة التفتيش، التي وجهت إليها تهمة الهرطقة وارتداء ملابس الرجال، في حين أن بطلتنا الأوكرانية كانت تحاكم بتهمة المساعدة على القتل.
وعلى أي حال، يتوقع مراقبون أن تتم مبادلتها بأسرى روس في أوكرانيا. ومع ذلك، وبغض النظر عن حدوث ذلك أم عدم حدوثه، فلا يشك عاقل في أن هذه المرأة السادية ستلقى، بعد أن يهدأ صراع الأخوة-الأعداء في أوكرانيا، مصير كثير من المجرمين الساديين في التاريخ، وهو الازدراء والنسيان.
حبيب فوعاني
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي