■ معصوم والجبوري والعبادي باقون
■ ضغوط على السعودية لإنهاء الحرب على اليمن
خلال لقاء على هامش الملتقى التشاوري للاتحاد العالمي لعلماء المقاومة، استعرض مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي أكبر ولايتي، بصراحته المعهودة، وجهات النظر الإيرانية في ما يتعلق بمختلف القضايا التي تشهدها المنطقة، فأكد لـ «الأخبار» أن الوضع الميداني على الأرض السورية هو لمصلحة الدولة الشرعية، أكثر من أي وقت مضى. كذلك أشار إلى أن جلوس الرئيس اليمني المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى طاولة المفاوضات مع الحوثيين، جاء انطلاقاً من إدراك السعودية أن المبادرة والقدرة الأساسية العسكرية في اليمن في أيدي الحوثيين. أما عن العلاقة الإيرانية ــ السعودية، فقد أكد أن الحكم الحالي في السعودية يعيش في عالم من الأوهام، وعاجلاً أو آجلاً سيكتشف ذلك
إيلي شلهوب, نادين شلق-
■ نبدأ من سوريا، هناك رأي يبني على الأداء الروسي والتصريحات الإيرانية ليقول إن القاسم المشترك بين الطرفين بدأ يضيق، سواء على مستوى الأولويات الميدانية أو الخطوط الحمر السياسية.
ما حقيقة اختلاف وجهات النظر الروسية ــ الإيرانية في ما يتعلق بمسار العمليات الميدانية وموضوع تنحي الرئيس بشار الأسد؟
نحن والروس بدأنا، حديثاً، عملاً ميدانياً وسياسياً استراتيجياً مشتركاً على صعيد المنطقة. وما زلنا في بداية هذا التعامل، نتمرّن على كيفية الاستمرار في العمل المشترك. وبطبيعة الحال، في بداية أي عمل أو أي تعاون بين أي طرفين تكون هناك بعض التباينات في الرؤى ووجهات النظر حيال هذه المسألة أو تلك. ولكن بشكل عام، كما أعتقد وأرى شخصياً، إن التعاون الإيراني ــ الروسي مستمر، وهناك إرادة مشتركة لدى الطرفين في تمتين هذا التعاون وتعزيزه في المستقبل. ومع أننا في بداية الطريق، إلا أن هذا التعاون الاستراتيجي بين الجانبين حقّق إنجازات ملموسة. ومن ثماره، تغيّر المعادلة العسكرية في الأرض السورية لمصلحة الطرف الإيراني ــ السوري ــ الروسي وحزب الله. وبالتالي، هناك يوماً بعد يوم المزيد من الإنجازات العسكرية التي تتحقق على الأرض لمصلحة الدولة السورية، حتى ولو كان هناك في بعض الأحيان حركة مد وجزر لمصلحة بعض المجموعات المسلّحة في هذه النقطة أو تلك. الوضع الميداني على الأرض السورية لم يكن في أي وقت من الأوقات لمصلحة الدولة الشرعية في سوريا وحلفائها، كما هو حاصل اليوم.
■ ماذا بشأن الخلاف في موضوع تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد؟
حسب معلوماتنا، فإن الجانب الروسي أيضاً مصرّ على بقاء الرئيس بشار الأسد في منصبه. أما بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، فهناك إرادة راسخة وعزم أكيد على ضرورة استمرار الدكتور بشار الأسد في رئاسة الجمهورية العربية السورية، ونحن نعتبر أن هذا الأمر هو خط أحمر بالنسبة إلينا.
■ هناك رأي يقول إن هناك تفاهماً أميركياً روسياً على مستوى الخطوط العريضة في جميع ساحات الاشتباك في العالم، واختلافاً حول التفاصيل، هل تعتقدون أن إيران ومحور المقاومة يمكن أن يدفعا ثمن هذا الاتفاق أو التفاهم؟
على الإطلاق. إذا عدنا أربع سنوات إلى الوراء، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحزب الله دخلا دعماً للدولة الشرعية في سوريا، ولم يكن هناك حضور روسي في هذا الأمر. ونحن بينّا لأصدقائنا الروس أننا مصممون، كما كان الوضع في السابق، على دعم الدولة الشرعية في سوريا. وأريد أن أضيف أمراً آخر في هذا الإطار، أنه كانطباع شخصي، الروس قد وصلوا إلى قناعة مفادها أن ليس هناك من بديل للرئيس بشار الأسد ومجموعة الحكم المتعاونة معه، حالياً، في سوريا. ولو افترضنا أن الرئيس الأسد قد أزيح من الحكم، أعتقد أن الوضع في سوريا سيصبح أكثر صعوبة وفداحة عمّا هو الحال في ليبيا حالياً.
■ يتحدث البعض عن ضربة قاصمة وجهتها واشنطن إلى طهران في العراق، من خلال انقلاب السيد مقتدى الصدر بالتواطؤ مع رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي نُفذ في الأيام الماضية. وهناك من يتحدث عن عودة أميركية إلى حكم العراق، محرّرة من الأثقال، أي من دون قدرة لإيران للضغط عليهم. ويقولون إن أول ضحايا هذه العودة، هو النفوذ الإيراني في العراق والإسلام السياسي في الحكم. ما هي قراءة إيران لما يجري؟ وما الخطوات التي تعتزم القيام بها؟
من أين توصلتم إلى هذه القناعة، أي إن هذا الانقلاب قد حصل وإنه نجح بالفعل. أي انقلاب هذا الذي نجح من وجهة نظركم، مع أننا رأينا أن «الحشد الشعبي» استطاع، خلال ساعات قليلة ــ سبع أو ثماني ساعات على الأكثر ــ أن يخلي أولئك الذين احتلوا المقار الحكومية، سواء البرلمان أو مكتب رئيس الحكومة، وأخرجهم من «المنطقة الخضراء». هذا الأمر لم ينجح. لذا، إن الحضور الأميركي، اليوم، هو أضعف ممّا كان عليه منذ شهرين أو ستة أشهر، أو سنة من الآن. وبالتالي، الشعب العراقي لن يسمح، بأي شكل من الأشكال، لا للأميركيين ولا لغير الأميركيين، أن يتسلّطوا أو يسيطروا على مقدراته وشؤون حكمه. لذا، نرى أن كافة المقامات الرسمية العليا في جمهورية العراق، سواء في رئاسة الجمهورية أو في رئاسة البرلمان أو في رئاسة الحكومة، ما زالت محتفظة بمناصبها. وإن دلّ هذا الأمر على شيء، فعلى أن العراق ما زال مستمراً في المسار الذي بدأه، وأن الأميركيين لن يستطيعوا التحكم بمقاليد الأمر في العراق، وهذه الحكومة الشرعية لن تتأثر ببعض التحركات العسكرية التي تقوم بها بعض أطياف المعارضة العراقية من هنا وهناك. وبطبيعة الحال، إن «الحشد الشعبي» في العراق، الذي استطاع أن يتصدى للمجموعات الإرهابية المتطرفة، مثل «داعش»، لا يصعب عليه أن يتصدى لبعض الأطراف غير المسؤولة وغير الواعية، التي تثير بعض الاضطرابات والقلاقل في الساحة العراقية. لكن «الحشد الشعبي» في بداية الأمر، لم يكن يتحرّك بصورة عنيفة مع هذه الأطراف، إلا أنه في نهاية المطاف توصل إلى ما توصل إليه، واستطاع أن يخلي الأطراف التي سيطرت بشكل غير قانوني على البرلمان، وعلى مكتب رئاسة الحكومة. وإن قيل إن هناك إمكانية لإزاحة الحكومة العراقية الحالية، فهو ضرب من الوهم والخيال. نحن على ثقة بأن الأستاذ فؤاد معصوم سيبقى رئيساً لجمهورية العراق، والأستاذ سليم الجبوري سيبقى رئيساً للبرلمان، والسيد حيدر العبادي سيبقى رئيساً للحكومة العراقية، ولن تتمكن أي قوة من إزاحة هذا الحكم في العراق.
■ تتحدث المعلومات عن وجود فرصة لإطلاق مسار سياسي يؤدي إلى تسوية في اليمن، ما هو سقف المكاسب الذي تعتبر طهران أنه إذا تحققت يكون الحوثيون قد انتصروا في حربهم؟
تقريباً، الحوثيون يشكلون 40 في المئة من المجتمع اليمني، أو أكثر من ذلك بقليل. وهم متحدون بشكل قوي. هم من جملة أكثر المقاتلين الموجودين في العالم العربي، صلابة وتصميماً. مرّت أكثر من سنة وهم يواجهون الاعتداءات السعودية. ونحن نشعر بأن السعودية ترى أنها لن تستطيع أن تنتصر على الحوثيين. المملكة السعودية اضطرت، في نهاية المطاف، إلى أن تسمح للرئيس اليمني المخلوع (عبد ربه منصور) هادي، بأن يجلس إلى طاولة المفاوضات مع الحوثيين، لأنها أدركت أن القدرة الأساسية العسكرية الموجودة في اليمن، متاحة في أيدي الحوثيين. ولهذا الأمر، اضطر علي عبد الله صالح إلى التحالف معهم. وانطباعنا أن الأميركيين هم، أيضاً، وصلوا إلى قناعة بأنه ينبغي لهم أن يتفاهموا مع الحوثيين ومع حلفائهم، وأنهم غير موافقين على الأساليب المعتمدة من قبل العربية السعودية في تعاطيها مع الساحة اليمنية. وانطباعي أو استنتاجي الشخصي، أن من الأسباب التي أدت إلى قبول السعوديين أن يأتي اليمنيون المحسوبون عليهم إلى طاولة المفاوضات مع الحوثيين، هو الضغط الذي مورس من الولايات المتحدة الأميركية عليهم. وما يدل على أن هناك ضغطاً ما مورس عليهم، أنهم من ناحية يقبلون الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ثم يستغلّون أي ذريعة صغيرة كي يتهرّبوا منها. بمعنى آخر، هناك ضغط آخر تمارسه الأسرة الحاكمة في السعودية. واستنتاجنا أن (ولي العهد) محمد بن نايف وبعض الأفراد المحسوبين عليه في هذه الأسرة، لا يوافقون على مثل هذه الحرب التدميرية التي تعود بالويل والثبور على الشعبين والبلدين.
■ يبدو واضحاً من خلال الأداء السعودي، أن الرياض لم تتراجع قيد أنملة عن حربها المفتوحة حيال طهران. ويزداد الحديث عن التحالف الذي تبنيه السعودية ضد إيران، وإسرائيل أحد أركانه. ما هي استراتيجيّتكم في التعامل مع السعودية في المرحلة المقبلة؟
لا يصعب على «الحشد الشعبي» التصدي للأطراف غير المسؤولة في العراق
بالشكل المبدئي، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس لديها مشكلة على الصعيد الثنائي مع المملكة العربية السعودية، وأي مشكلة طرأت في هذا الإطار، فإن السعوديين هم الذين أوجدوها. الذريعة غير المنطقية التي يتمسكون بها، هي أنهم يقولون إنه ينبغي لإيران أن تكفّ عن حضورها وتأثيرها في العالم العربي. السؤال المطروح في هذا المجال، من هي الدولة العربية ومن هو الشعب العربي الذي أعطى هذا التفويض أو التوكيل للمملكة العربية السعودية كي تتحدث باسمه في هذا المجال. المملكة العربية السعودية تريد أن تكون الأوضاع حالياً في العراق، كما كانت عليه أيام صدام حسين، بمعنى أنها تموّل وتدعم صدام مالياً، وبالتالي يسير في ركاب السياسات المعتمدة لديها. وتريد أن يكون هذا التوجه موجوداً في الساحة اليمنية وفي الساحة السورية، ولكن نحن نعتقد أن الشعوب العربية، سواء في اليمن أو في سوريا أو في العراق، لن تنصاع لمثل هذه التوجهات السعودية.
نحن نرى أنه لو تخلّت السعودية عن هذه الادعاءات الواهية التي تتمسك بها، فإن المشكلات التي تعاني منها ستحلّ على صعيد المنطقة، ليس فقط تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية. أنتم تعرفون أن السياسة السعودية تضغط على الحكومة المصرية ــ على الحكم الحالي في مصر ــ كي يتماشى مع أهوائها وطموحاتها في ما يتعلق بسوريا، ولكن حتى الآن الحكومة المصرية والرئيس المصري، لم يتماشيا مع هذه التوجهات السعودية تجاه سوريا. نعتقد أن الحكم السياسي القائم حالياً في السعودية يختلف عن الحكم الذي كان خلال أيام الملك الراحل عبد الله، وحقيقة الأمر، أن الحكم الحالي السعودي يعيش في عالم من الأوهام، وعاجلاً أو آجلاً سيكتشف أنه يعيش في حالة من الأوهام.
■ راهنتم على مصر ما بعد حسني مبارك، على أن تخرج من معسكر كامب ديفيد. بعض النخب المصرية تتهمكم بأنكم لم تحسنوا التعامل مع النظام الجديد، عبر طريقين: لم تقدموا مبادرات كافية، ودعمتم «الإخوان». كيف تصفون علاقتكم، اليوم، مع نظام عبد الفتاح السيسي؟ وما هي رسالتكم إلى هذا النظام؟
أما من يحكم مصر، فهذا الأمر لا يخصّنا. الشعب المصري هو الذي يقرر في نهاية المطاف من هو الطرف الذي يحق له أن يحكم المصريين. الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليس لديها مطالب في مجال إرساء العلاقات مع الدول الأخرى. إذا شعرت الدول الأخرى بأن المصلحة الثنائية، لها وللجمهورية الإسلامية الإيرانية، تقتضي أن ترسي علاقات مع إيران، فهي تأتي إلى طاولة المفاوضات وتتفاوض معها لإقامة مثل هذه العلاقات وإرسائها.
نحن نريد ونتمنى أن يتمكن الشعب المصري من حلّ كافة المشكلات التي يعاني منها، لأنه شعب مسلم وعربي كبير ومهم. وطبعاً نحن غير مسؤولين، على الإطلاق، عن الإشكاليات التي نشهدها على الساحة المصرية. كذلك، إن المصالح الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تفرض عليها أن ترسي أو تبني علاقات مع جمهورية مصر العربية، بأي ثمن كان. ولكن إذا بُنيت هذه العلاقة على أساس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، فنحن ليس لدينا أي مانع في مجال إقامة العلاقات مع مصر.
أريد أن أقول، وهذا الكلام لا أعني به مصر تحديداً، ولكن في بعض الأحيان نشعر بأن بعض دول المنطقة، تضع علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ساحة المزايدة، سواء أرادت أو لم ترد. على سبيل المثال الأردن، في فترة من الفترات خلال الأسابيع الأخيرة، سحب سفيره المعتمد في طهران وأبقى على القائم بالأعمال، علماً بأنه لم يكن هناك أي تشنّج بين إيران والأردن، وفجأة، أعلنوا اتخاذ هذا القرار. هم يعتقدون أنهم من خلال اتخاذ مثل هذه المواقف يمارسون ضغطاً على إيران، ويضعون هذا الأمر في معرض المزايدة، لكي يعقدوا بعض الصفقات التي ربما انعكست لمصلحتهم مع الدول الأخرى. هذا الأمر حدث أكثر من مرة، حيث يُستدعى سفير الدولة الفلانية، وبعد فترة يعود إلى إيران. ونرى أن هذه الفترة الزمنية، تخلّلها حصول تلك الدولة على مساعدة مالية معيّنة من جهة ما. إذا كانت بعض الدول تشعر بأن المشكلات أو المتاعب المالية والاقتصادية التي تعاني منها تحلّ عبر هذه الطريقة، فنحن ليس لدينا مانع لأن تبادر بمثل هذا التصرّف. هم من أجل أن يصلوا إلى مكاسب آنية وعابرة مستعدون للتضحية بالمصالح القومية لشعوبهم ولوضع تلك المصالح تحت أقدامهم. المهم أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي القوة الأكبر في هذه المنطقة، هذا الأمر يعرفه الصديق والعدو. وهذا الأمر لا يعني بحال من الأحوال أن إيران ستمارس هذه القوة بحق أي دولة إسلامية أو مجاورة في هذه المنطقة، والتاريخ السياسي لإيران يثبت هذا الأمر. في نهاية المطاف، الوقائع تفرض نفسها.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي