الاتفاق النووي: «شروط» مريبة بشأن العقوبات والتفتيش العسكري

في ثالث أيام «السلام النووي»، بدا أن تعقيدات المرحلة التنفيذية للاتفاق النووي لن تقل عن تعقيدات المرحلة التفاوضية، إن لجهة المسائل التقنية التي يفترض أن تبقى موضع تجاذب حتى العام 2030، أو لجهة المعارك الكبرى التي بدأ الرئيس باراك أوباما يتحضّر لخوضها، بغرض الترويج للاتفاق، سواء في الداخل الأميركي أو لدى الحلفاء في الشرق الأوسط، فيما تبقى التساؤلات قائمة بشأن التداعيات السياسية لـ «السلام النووي» على مجمل الملفات الملتهبة في الوطن العربي.

 

ويبدو أن هذه التعقيدات المحتملة قد دفعت البعض إلى التساؤل حول ماهية هذا «السلام النووي». وبصرف النظر عن الخلفيات، الحسنة النية والخبيثة، عند مثيري هذه الأسئلة، فإن هواجس من هذا النوع تبدو مشروعة، مع بدء العد العكسي لأول استحقاقات اتفاق فيينا، حيث يفترض أن يعقد مجلس الأمن الدولي، في غضون أيام، جلسة خاصة للمصادقة على اتفاق فيينا، بما يفتح الطريق لرفع تدريجي ومشروط للعقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية.

وفي أوّل مؤشر على تعقيدات المرحلة التنفيذية للاتفاق النووي، وبعد ساعات على دعوة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله السيد علي خامنئي إلى «التدقيق بإمعان» في بنود اتفاق فيينا، لأنّ بعض أعضاء مجموعة 5+1 «ليسوا محل ثقة»، سرّبت وكالة «فرانس برس» رسالة بعثت بها الدول الكبرى الست إلى الأمم المتحدة، تضمنت إشارة واضحة إلى أن إيران ستبقى تحت تهديد إعادة العمل بالعقوبات الدولية طوال 15 عاماً.

وجاء في الرسالة المؤرخة في 14 تموز الحالي أن مجموعة 5+1 ستلتزم بتمديد آلية العقوبات خمس سنوات بعد انتهاء فترة صلاحية اتفاق فيينا.
وأوضحت الرسالة أنه «خلال فترة خمس سنوات» إضافية، فإن بلدان 5+1 «ستتمسك بتطبيق المبدأ الذي ينص على إعادة العقوبات في حال لم تلتزم إيران، بطريقة ملحوظة، بهذا أو ذاك من التزاماتها» الواردة في اتفاق فيينا، أي أنه بعد فترة العشر سنوات، يتعهد الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن بالعمل على إصدار «قرار جديد من مجلس الأمن يعيد هذه الآلية طوال فترة خمس سنوات إضافية».

ووقَّع الرسالة وزراء خارجية مجموعة 5+1 ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، ووجهت إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي أحالها إلى مجلس الأمن الدولي.

في موازاة ذلك، قالت مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس إنه لا يمكن لإيران أن تتجنب عمليات التفتيش في المواقع العسكرية أو غيرها من المواقع «المريبة» حين يدخل الاتفاق النووي حيز التنفيذ.

وأوضحت رايس في مقابلة مع وكالة رويترز»: «إذا قال الإيرانيون (كلا… لا تستطيعوا زيارة هذا الموقع)، سواء كان موقعا عسكريا أو لا، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا اعتبرت أن الموقع مثير للشك تستطيع طلب دخوله».

وأضافت أنه إذا رفضت إيران السماح للمفتشين بزيارة الموقع وطلب خمسة من الأطراف الدولية الثمانية الموقعة على الاتفاق التحقيق، فإن على إيران أن تمتثل، مؤكدة أن «هذا ليس طلبا. هذا شرط»، وبالتالي فإن إيران «ستكون ملزمة بالسماح بالدخول».

وفي إطار اتفاق فيينا سيكون أمام إيران فترة 24 يوما تستطيع أن تعالج خلالها المخاوف بشأن المواقع محل الشكوك وتوافق على عمليات التفتيش. لكن هذا الإجراء لا يجبر طهران صراحة على الاعتراف بأن مواقعها العسكرية يمكن أن تكون مفتوحة لعمليات التفتيش الخارجية مما يترك قدرا من الغموض بشأن حجم ما ستسمح به من زيارات المفتشين عمليا.

وبانتظار، أن تتضح حيثيات فترة التمديد لآلية العقوبات، والرد الإيراني على ذلك، حين يُصدِر مجلسُ الأمن الدولي قرارَه بشأن المصادقة على اتفاق فيينا، وكذلك الآلية التي ستعتمد للتفتيش النووي، يبقى أن المسار التطبيقي للتسوية النووية على موعد مع محطات أخرى ليست سهلة.
وفي روزنامة المرحلة التطبيقية خطوات عدّة يفترض أن تبدأ يوم الإثنين المقبل، بإجراء شكلي، وهو اجتماع يعقده وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وهو اجتماع خاص للمصادقة على اتفاق فيينا.

إثر ذلك، سيعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا في أواسط الأسبوع المقبل لاعتماد قرار أممي بالمصادقة على الاتفاق النووي، ويتضمن إلغاءً للقرارات السابقة المتعلقة بهذا الملف.

ومن المرجح أن تلي الخطوتان السابقتان خطوةً أكثر حساسية، وتتمثل في التصويت الذي سيجريه الكونغرس الأميركي على اتفاق فيينا. ويمكن للرئيس أوباما أن يستخدم «الفيتو» في حال رفض الكونغرس الاتفاق النووي. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن ليس أمام الجمهوريين المعارضين للتسوية النووية سوى تأمين غالبية الثلثين لتجاوز «الفيتو» الرئاسي وبالتالي جعل الاتفاق لاغياً، لكن هذا السيناريو مستبعد في ظل التركيبة الحالية للكونغرس.

كذلك، يُفترَض أن يُعرَض الاتفاق النووي على المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني التابع مباشرة للمرشد الأعلى السيد علي خامنئي، والذي يضم إثنين من أبرز مهندسي التسوية النووية، وهما الرئيس حسن روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف، قبل أن يعرض النص على مجلس الشورى (البرلمان) للمصادقة عليه. وتلك الخطوات الإيرانية يفترض أن تتم في غضون أربعة أشهر على أبعد تقدير.

وفي حال سارت الأمور على ما يرام، فإن التطبيق العملي للاتفاق النووي سيبدأ في تشرين الثاني المقبل، على أن تصدر الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد ذلك بشهر واحد تقريراً بشأن الأنشطة النووية في إيران، بما يمهّد لرفع العقوبات الاقتصادية عن الجمهورية الإسلامية تدريجياً ابتداء ًمن كانون الثاني العام 2016.

ومن المتوقع ان يشارك وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى جانب وزيرَي الخزانة والطاقة الأميركيين الأسبوع المقبل في جلسة استماع في مجلس الشيوخ حول الاتفاق النووي الذي أبرم مع إيران، في ما يعتبر المواجهة الأولى مع الكونغرس المشكك.

وأعلنت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ التي يرأسها الجمهوري بوب كوركر، أن الجلسة الأولى حول إيران ستجري يوم الخميس المقبل بحضور جون كيري، ووزير الخزانة جاكوب ليو ووزير الطاقة ارنست مونيز.

وفي هذا الإطار، قال رئيس مجلس النواب الأميركي جون بينر (جمهوري): «من الواضح أن غالبية مجلس النواب والشيوخ تعارض على أقل تقدير هذا الاتفاق. وأما عن عدد المعارضين فسنرى ذلك بعد عطلة يوم العمل»، في حين قالت زعيمة الديموقراطيين في مجلس النواب نانسي بيلوسي إن الاتفاق النووي مع إيران سيحظى بدعم قوي منها وإنها ستضغط على زملائها كي يصوتوا لمصلحته.

وبانتظار النزال المتوقع في حلبة الكونغرس، فإن معركة أوباما لترويج الاتفاق لدى حلفائه في الشرق الأوسط قد انطلقت سريعاً.
وأعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنه سيزور الخليج في مطلع آب لتبديد المخاوف بشأن الاتفاق النووي مع إيران.

والتقى كيري، يوم أمس، نظيره السعودي عادل الجبير في واشنطن، في ما يُعَدُّ الحلقة الأولى من حملة واسعة تستهدف حشد التأييد من المشككين في الاتفاق.

وقال الجبير عقب المحادثات «جميعنا في المنطقة نرغب في أن نرى حلا سلميا لبرنامج إيران النووي»، معرباً عن ترحيبه بـ «نظام التفتيش القوي والمستمر الذي يضمن عدم انتهاك إيران لشروط الاتفاق»، مضيفا أن الاتفاق يجب أن يتضمن آلية فعالة وسريعة لإعادة فرض العقوبات على إيران في حال انتهكت شروط الاتفاق النووي.

وأضاف الجبير: «نأمل في أن يستخدم الإيرانيون هذا الاتفاق لتحسين الوضع الاقتصادي في إيران وتحسين حياة الشعب الإيراني»؛ إلا أنه حذر من أنه «إذا حاولت إيران التسبب في مشاكل في المنطقة، فاننا ملتزمون بمواجهتها بحزم».

بدوره، قال كيري: «في 3 آب سألتقي (قادة) جميع دول مجلس التعاون الخليجي وأطلعهم بالكامل وأجيب على أي أسئلة لديهم».

ومن المتوقع عقد هذا اللقاء في العاصمة القطرية الدوحة حسبما أعلن الجبير.

إلى ذلك، قالت سوزان رايس، في مقابلتها مع وكالة «رويترز»، إن وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر سيسافر إلى السعودية في إطار الجهود الرامية إلى إقناع الشركاء في الشرق الأوسط بمزايا الاتفاق النووي.

وأضافت أن الولايات المتحدة ستبحث سبل تعزيز تعاونها الأمني مع إسرائيل التي تعارض الاتفاق بشدة، موضحة «نتطلع لأن نناقش مع الإسرائيليين كيفية تعزيز تعاوننا الأمني والاستخباراتي إذا كانوا مهتمين بالأمر ولديهم الاستعداد».

وعلى خط مواز، سعى وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند إلى طمأنة إسرائيل بشأن الاتفاق النووي.

وقال هاموند، قبل لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس المحتلة: «لم نكن لنوافق على الاتفاق من دون التأكد من أن هناك تدابير متينة تتيح الإشراف الفعال على البرنامج النووي الإيراني».

وأضاف أن «تركيزنا الآن سيكون على التنفيذ السريع والكامل للاتفاق لضمان أن يبقى السلاح النووي بعيدا عن متناول إيران».

من جهة ثانية، أبلغ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال اتصال هاتفي يوم أمس بأن الاتفاق النووي يمثل بداية جديدة في العلاقات وأنه ملتزم بإعادة فتح السفارة البريطانية في طهران.

وقال المتحدث باسم كاميرون عن الاتصال «عَبَّر رئيس الوزراء عن أمله في أن يمثل الاتفاق بداية جديدة في العلاقات الثنائية بين المملكة المتحدة وإيران».

وفي أول مؤشر على الانفراجة الاقتصادية التي تنتظرها إيران في حال تم تنفيذ الاتفاق النووي، أظهرت بيانات يوم أمس أن ناقلة إيرانية عملاقة تحمل مليوني برميل من النفط تتجه إلى آسيا بعد أن ظلت في المياه الإيرانية أشهرا عدة، في وقت أعلنت وكالة ائتمان الصادرات في بريطانيا أنها ستبدأ عمل مراجعة لإيران لتقييم جدارتها الائتمانية.

وتقدم وكالة تمويل الصادرات البريطانية ضمانات للمصارف وخدمات تأمين لدعم المصدرين البريطانيين، وسبق أن علقت تغطيتها لإيران عام 2012 بعد فرض عقوبات مالية أشد في ذلك الوقت.

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة