عندما فر مواطنون ينتمون للطائفة الإيزيدية من مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” في شمال العراق قبل عام، وقع الكثير من النساء والفتيات تحت نير الاستعباد. لكن المئات قد تحررن من أسر التنظيم بفضل شبكة من المهربين يديرها رجل أعمال عراقي. نفيسة كونافارد، من القسم الفارسي في بي بي سي، ترصد الوقائع في التقرير التالي.
كانت الساعة الواحدة ظهرا على الحدود العراقية التركية، والحراس يستعدون لغلق البوابات بحلول المساء.
وبينما كان المسافرون يهرعون كي يستقلون الحافلات الأخيرة المتوجهة إلى تركيا، وقفت أسرة إيزيدية في صمت وهي تنظر بعيون ثابتة إلى المعبر الحدودي.
وفجأة ظهرت امرأة معها أربعة أطفال من الجانب التركي، وهرعت الأسرة لتحيتهم وانهمر الجميع في البكاء.
وأثناء تبادلهم الأحضان كانوا جميعا ينظرون إلى بعضهم بعضا لا يصدقون أنهم اجتمعوا مرة أخرى.
التجربة القاسية تركت أثرا صادما في نفوس الإيزيديات
وقد تم نقلهم إلى الرقة، عاصمة “الخلافة” التي أعلنها تنظيم “الدولة الإسلامية” قبل ذلك بشهرين.
وبدت علامات التعب والإجهاد على خاتون التي كانت تقف بصعوبة.
وقالت “كان شيئا فظيعا، لم يعطونا الطعام الكافي أو المياه، لم يسمحوا لنا بالاغتسال. وأحيانا كانوا يضربوننا”.
الهروب
وتدين خاتون وأطفالها بحريتهم لرجل أعمال عراقي يدعى عبد الله، كان يعمل في شراء السلع الزراعية من سوريا لكنه يعمل حاليا في شراء الأسرى الواقعين في قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وأضافت أنه بعد لم شملها مع أسرتها، أخذهم عبد الله إلى منزله المتواضع وقدمهم لابنة أخيه مروة البالغة من العمر 22 عاما.
ومثل خاتون، كانت مروة و55 من أقربائها قد تعرضوا للأسر بيد مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية” في سنجار قبل عام.
وبعد شهرين، استطاعت مروة الاتصال بعمها وأخبرته أنها محتجزة في منزل في الرقة.
قال عبد الله “قلت لها: إنهم لا يعرفون الكردية، لذا انصتي جيدا. إذا استطعتي الخروج من هذا المنزل، سأجد شخصا ما يعيدك”.
مروة كانت محتجزة في منزل في الرقة الخاضعة لسيطرة التنظيم في سوريا
تمكنت مروة في إحدى الليالي من سرقة مفتاح الباب وهربت.
وقالت “لوحت بيدي لسيارة أجرة. وسألني السائق إلى أين أذهب. قال في البداية إنه خائف من أنهم إذا شاهدوه معي، فإنهم (مسلحي التنظيم) سيقتلوننا”.
وأضافت “لكنه في النهاية وافق على أن يأخذني إلى منطقة أخرى في البلدة، حيث يمكن أن يساعدني أناس طيبون”.
واستطاعت في اليوم التالي الاتصال بعمها، لكن خاطفها الذي ينتمي لتنظيم “الدولة الإسلامية” استطاع تحديد مكان إقامتها. وطلب من الأسرة التي تقيم عندها إما أن تعيدها أو تشتريها منه مقابل مبلغ 7500 دولار.
كما اتصل الشخص بعمها. ويقول عبد الله “قلت له: حسنا أمهلني بعض الوقت وسوف أرسل لك الأموال. لكن لا تلمس ابنة أخي”.
وبدأ في إجراء بعض الاتصالات في سوريا واستطاع في النهاية إطلاق سراح مروة.
تحديد سعر
أنشا عبد الله خلال العام الماضي شبكة من الاتصالات والمهربين في شتى أرجاء سوريا وتركيا والعراق، وتمكن من تحرير ما يزيد على 300 من النساء والأطفال الإيزيديين من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ووجد أن التكلفة تتراوح بين 6 الآف و35 ألف دولار لشراء فرد من الأسرى لدى تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويزداد السعر بالنسبة للفتيات الشابات.
والأطفال الرضع غير معفيين من ذلك. وقال عبد الله “تضطر الأسرة أحيانا لدفع 6000 دولار لشراء رضيع عمره 30 يوما”.
وتجد الكثير من الأسر صعوبة كبيرة في توفير مثل هذا المبلغ.
وحصلت خاتون وأطفالها على حريتهم بعد أن دفع حماها، ماردان، مبلغ 35 ألف دولار.
وقال لبي بي سي “بعت كل شيء أملكه، اضطررت لطرق الأبواب لاقترض الأموال، والآن لابد أن أعيد هذه الأموال ولا أملك أي شيء، ومازال 17 فردا من أفراد أسرتي قيد الأسر لدى تنظيم الدولة الإسلامية”.
ولا يحالف النجاح جميع عمليات شراء الأسرى وتحريرهم.
لقد استطاع ماردان في مطلع العام الحالي جمع 35 ألف دولار لتحرير زوجة ابن آخر وطفليها.
لكن المهرب الكردي الذي يعمل كوسيط لقي حتفه وضاع مبلغ 17500 دولار حصل عليها كان من المفترض أن يدفعها للخاطفين من تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وهم حاليا يطلبون من ماردان إرسال 10 آلاف دولار أخرى إذا كان يريد زوجة ابنه وحفيديه.
“خيار وحيد”
السلطات العراقية أنشأت مكتبا لتنسيق جهود تحرير الأسرى
على الرغم من أن عبد الله يقول إنه يعلم جيدا أن نصيبا كبيرا من الأموال الكثيرة المدفوعة في عمليات الفدية تذهب إلى المهربين أكثر من تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأنه يعلم أن نشاطه يساعد في ملء خزينة الجماعة، لكنه لا يرى أي بديل آخر من أجل لم شمل الإيزيديين المخطوفين.
وقال “النساء والفتيات بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية لا شيء سوى سلعة، وخيارنا الوحيد هو مبادلتهن كما نبادل السلع والمنتجات على الحدود”.
وأضاف أن أصعب ما في هذه العمليات التأكد من صدق الاتصال على جانب تنظيم “الدولة الإسلامية”.
فخلال العام الماضي قتل أربعة من بين 23 مهربا يعملون مع عبد الله على يد التنظيم.
وقال “أحيانا يتصلون ويطلبون منا الحضور لأخذ بعض الإيزيديين. لكن عندما نرسل شخصا ما إلى أراضي تنظيم الدولة الإسلامية، فهم يأسرونه ويقتلونه”.
وأنشأت الحكومة العراقية والسلطات الكردية العراقية حاليا مكتبا لتنسيق جهود إعادة الأسرى من الإيزيديين، لكن من الواضح أنهم يكافحون من أجل التكيف مع الوضع.
قال نوري عمران عبد الرحمن، منسق حكومة إقليم كردستان لشؤون الإيزيديين “مازال هناك الكثير من الناس في قبضة تنظيم الدولة الإسلامية وليس لدينا الأموال الكافية لندفعها إلى المهربين لتحريرهم جميعا”.
وبالنسبة للكثير من الأسر يمثل الذهاب في حد ذاته بمساعدة عبد الله الخيار الوحيد أمامهم.
وقالت مروة، التي مازالت تعاني من أجل استيعاب ما حدث “عندما أشعر بالضيق، تداهمني نوبات ذعر ولا استطيع أن اتنفس، واستعيد ذكريات ما حدث لي وكل الفتيات الأخريات”.
وعلى الرغم من جهود عبد الله، فمازالت مروة الوحيدة من أفراد أسرتها التي استطاعت الفرار من قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي