– aitnews – فراس اللو
في شهر مايو/أيار من عام 2013 تفاجئ العالم التقني بمجموعة من التسريبات التي لم تخطر على بال أحد، ليس عن حسن نيّة أبدًا، إنما بسبب جهل وسذاجة في التعامل مع المنتجات التقنية التي باتت تُسيطر على حياتنا من كل حدب وصوب.
إدوارد سنودن Edward Snowden أحد مُوظفي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA كان بطل الرواية التي كشف فيها عن مشروع PRISM الذي قامت الحكومة الأمريكية باستخدامه في التجسس على بيانات المُستخدمين في خوادم كُبرى الشركات العالمية مثل جوجل، وآبل، بالإضافة إلى مايكروسوفت، وياهو، وغيرها الكثير.
تسارعت وتيرة الأخبار ما بين مؤيد ومُعارض لصحّة هذه الشائعات، فكل شركة سعت جاهدة لإثبات العكس والتأكيد على التزامها بحماية خصوصية المُستخدمين وعدم كشف بياناتهم الشخصية لأي جهة إلا في حالة وجود نص قضائي يُجبرها على ذلك.
إدوارد اعتبر أن ما تقوم به الحكومة الأمريكية هو انتهاك لخصوصية المواطن، خصوصًا بسبب عدم وجود نص قانوني يُتيح هذا النوع من المُمارسات لأي فرد من أفراد الحكومة، فالقانون فوق الجميع كما هو معروف.
وبعيدًا عن نوع المُمارسات الحكومية التي تمت بدعم من أفراد من داخلها، فإن أنظمة التشفير كانت هي ضحيّة هذه التسريبات، فمجموعة كبيرة جدًا من أنظمة التشفير التي تعتمد عليها كُبرى الشركات التقنية كانت مُجرد ملف نصّي بالنسبة لوكالات الاستخبارات الأمريكية، وكانت قادرة وبكل سهولة على تجاوزها والإطلاع على محتوياتها المُتمثّلة ببيانات المُستخدمين.
لم تكن الحكومة الأمريكية وحدها في هذه الفضيحة، بل الحكومة البريطانية وبعض حكومات الدول الأوروبية أيضًا، وبالتالي فإن الأمن الرقمي وخصوصية المُستخدم على الإنترنت لم تكن إلا شعارات تخرج من ألسنة الكثيرين، لا تغني ولا تُسمن من جوع.
اضطرت الكثير من الشركات الناشئة إلى تغيير خوارزميات التشفير الخاصة بها لفرض طبقة حماية إضافية على بيانات مُستخدميها، ومنع أي جهة حكومية من الوصول إلى هذه البيانات إلا من خلال غطاء قانوني وبأمر رسمي من المحكمة، وهو ما فتح المجال أمام عزل بيانات كل تطبيق داخل صندوق خاص به، وهو ما يُجبر أي جهة على بذل مجهود مُضاعف لمراقبة كل خدمة على حدة.
كمُستخدمين عاديين للتقنية لن يؤثر علينا ذلك، فالحذر مطلوب من جهتنا وفكرة الحماية والخصوصية على الإنترنت ليست إلا ضرب من الخيال لا يُمكن الوصول إليها بكل سهولة. لكن ما حدث بعد هجمات العاصمة اللبنانية بيروت، والعاصمة الفرنسية باريس كان لا بد – من وجهة نظر شخصية – من الوقوف عنده، وإعادة التفكير ولو قليلًا بما قام به إدوارد سنودن عام 2013 وحتى هذه اللحظة.
مُنذ أن سرّب إدوارد الوثائق السرّية وهو يُعامل معاملة البطل في جميع أنحاء العالم باستثناء حكومات الدول التي فتح النار عليها، لكن وبعد الهجمات الإرهابية التي عصفت بالعالم مؤخرًا، وتأكيد تنظيم الدولة على استخدامه لبعض التطبيقات الشهيرة للتواصل بين أعضاءه، هل ما زال إدوارد ذلك البطل الذي سرّب ما شاهد دون الإطلاع على الأسباب التي أدت إلى هذه الممارسات الحكومية ؟
موقع TechCrunch أجرى مُؤخرًا مُقابلة مع Pavel Durov أحد مُؤسسي تطبيق تيليجرام Telegram الذي أكد بنفسه أن أعضاء تنظيم الدولة استخداموا تطبيقه للتواصل فيما بينهم قبل تنفيذ الهجمات الإرهابية، وبالتالي فإن الأمان والتشفير القوي الذي يوفره هذا التطبيق وغيره من التطبيقات أصبحت سلاحًا ذو حدين.
بالطبع لا يُمكن لوم إدوارد على كل ما يحدث، فتنظيم الدولة لم يكن موجودًا أو لم يخطر على بال أحد أن يستخدم أبسط وسائل التواصل وهو يتصرّف كمؤسسة عسكرية، لكن مُمارسات الحكومة الأمريكية كانت بهدف؛ فلسنا كأفراد ومُستخدمين بسيطين للتقنية من المُستهدفين أو بتلك الأهمية بالنسبة لمؤسسات حكومية لتقوم بتجميع بياناتنا الشخصية وابتزازنا بها فيما بعد !
إدوارد فضح مُمارسات الحكومات وقدرتها على اختراق أنظمة التشفير، وهذا بدوره أدى إلى العمل على أنظمة أعقد أفقدت الحكومات تلك الصلاحية، وهذا كله بشكل نظري وكفرضية ولا يُمكن اعتماده، لأنه من الجنون أن يظن أحدهم أن الإنترنت بعد تسريبات إدوارد أصبح مكانًا آمنًا من جديد.
لا أقف بصف الحكومات التي تجسست، ولا في صف إدوارد نفسه، لكن لكل نظرية برهان أو نقد، وإذا ما افترض إدوارد أن الحكومات كانت تتجسس على مواطنيها بناءً على بعض الأدلة، فإنه أهمل بكل تأكيد بعض الأدلة الأُخرى التي تعرض الحقيقة بصورتها الكاملة، الصورة التي ظهرت بعد هجمات بيروت وباريس، لكنها قد لا تكون الصورة الحقيقة أيضًا، وقد تكون جميع الفرضيات خاطئة ولعب الحظ دوره في تبرءة الحكومات من النوايا السيئة التي أشك أنها غير موجودة في هذا النوع من المُمارسات.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي