وصايا الولايات المتحدة العشر للانتصار على الإرهاب

ينظر خبراء عسكريون وأمنيون أمريكيون إلى مشكلة الإرهاب في الشرق الأوسط بحيادية تامة، كما لو أن هذه الظاهرة الخطيرة ظهرت تلقائيا، ولا علاقة للولايات المتحدة بالظروف التي أوجدتها.
 
يتعامى هؤلاء الخبراء عن الأسباب ويقفزون مباشرة إلى النتائج ليشخصوا الداء ويصفوا الدواء، من دون أن يكلفوا أنفسهم عناء النظر إلى جذور المشكلة ودور العربدة الأمريكية في نفخ جذوة التطرف وتهيئة الظروف المناسبة لظهورها وتمددها.
 
ولعل العراق أفضل مثال على ذلك. لقد تحول هذا البلد إلى ساحة كبرى للإرهاب بعد الغزو الأمريكي في عام 2003 وما نتج عنه من كوارث ومآس وأخطاء فادحة على جميع المستويات.
 
الوضع الكارثي  في العراق تشكّل بواسطة “عقلية أمريكية” صرفة أدارت هذا البلد سنوات بعد احتلاله، وحولته بسياساتها إلى وكر للإرهاب، اتسع فيما بعد واجتاز الحدود إلى سوريا.
 
كل ذلك لا يعني الولايات المتحدة التي تنصلت من مسؤولية ما يحدث في العراق وفي أفغانستان وفي ليبيا وفي سوريا. وكل هذه الدول وغيرها تحولت، بعد أن مرت عليها الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى، إلى مراتع للفوضى وللاقتتال وللانقسام، وملاجئ للتطرف والعنف نتيجة تدمير مقدراتها ومؤسساتها، وتمزيق نسيجها الاجتماعي.
 
فبماذا يمكن أن ينصح الأمريكيون لمعالجة مضاعفات خطيرة كان لتدخلاتهم السافرة دور هام في إنتاجها وتغذيتها؟ إنهم فيما ينصحون يشددون على استعمال المزيد من القوة، هذا هو سر وصفتهم السحرية للقضاء على الإرهاب.
 
من بين الخبراء العسكريين الأمريكيين الذين كتبوا وصفات للانتصار على الإرهاب، عقيد الاستخبارات العسكرية المتقاعد رالف بيترس.
 
يبدأ بيترس نصائحه للدول التي تصطدم بالإرهاب بدعوتها إلى أن “تكون يقظة بشكل دائم، وأن تعرف عدوها معرفة جيدة بالقدر الممكن، وأن لا تخشى من أن تكون قوية، وأن تستعمل القوة”.
 
ويحث الخبير العسكري الأمريكي في وصفته الثانية الدول التي تواجه مشكلة الإرهاب بأن تركز على الانتصار في الحرب الدعائية، لافتا إلى أن “الحرب الدعائية سلاح الإرهابيين القوي. إذا هزموا في هذا الميدان، فسيكونوا في موقف حرج جداً، لن يكون بإمكانهم تجنيد أعضاء جدد، ولا تلقي مساعدات مالية أو عسكرية”.
 
أما الوصفة الثالثة فهي التشديد على عدم إجراء حوار علني مع الإرهابيين وعدم الخضوع لشروطهم في جميع الأحوال، حتى لو كان ذلك من أجل إنقاذ حياة مدنيين أبرياء، مبررا ذلك بالقول إن نفوذ الجماعات الإرهابية وزعمائها تزايد بشكل مهول، وإن هؤلاء، إذا تم التفاوض معهم، سيتصرفون كأطراف لها دور شرعي في عملية سياسية كبرى بفضل عمليات القتل والإرهاب التي اقترفوها وأمنت لهم النجاح.
 
وصفة هذا الخبير الرابعة تنصح بالتمسك بالحزم و”الضرب بقوة أشد مما يبدو ضروريا”. لا يجب الاستماع بتاتا لأولئك الذين يعتقدون أن استخدام القوة ضد الإرهابيين، استخدام مفرط وقاس للقوة، ويجب أن لا تعتقد أنك إذا ما قللت من الهجوم المضاد، تقلل أيضا من مستوى الإرهاب”.
 
وتدعو وصية بيترس الخامسة إلى محاولة الحفاظ على حياة المدنيين، من دون استبعاد إمكانية سقوط أعداد منهم، لافتا إلى أن هذه المهمة تعد العائق الرئيس للعمليات المضادة للإرهاب، مضيفا أن “موت المدنيين الأبرياء لم ولن يوقف الإرهابيين”. علاوة على ذلك فالتغطية بالناس الأبرياء، بما في ذلك الأطفال والعجزة والمرضى، تكتيك أساسي للإرهابيين. الإرهابيون لا يرتدون زيا مميزا، ولا يلتزمون بأية تقاليد عسكرية، لذلك “فمن المستحيل التغلب على ملاكم بمحاولة اللعب معه بقواعد كرة السلة ، يمكنك قذف الكرة في الحلقة، لكن بعد ثانية تتلقى ضربة قاضية”.
 
وتتسم الوصية السادسة ببعض الغرابة، وتبدو أشبه بعظة أكثر من كونها وصفة من خبير متخصص، وهي تشدد، من دون شرح كيفية تنفيذ ذلك، على أنه “لا يجب أن نسمح للإرهابيين بأن يتستروا بالدين، فالدين كما هو، لا يمكن أن يكون مصدرا للإرهاب. السبب الحقيقي لارتكاب الأعمال الإرهابية يكمن في أفكار قادة نشطاء يسمون أنفسهم متدينين، وكذلك القتلة الذين يصغون لهم. لا يوجد دين من الأديان العالمية يدعو إلى القتل، ولا يوجد إنسان متدين واحد يسر لمقتل الآخرين. وبالتالي الإرهابيون وأئمتهم الإديولوجيون لا علاقة لهم بالدين على الإطلاق، هم يسعون إلى تحقيق أهدافهم بالاستعانة بالشعور الديني للمؤمنين، ولا يجب السماح لهم بفعل ذلك”.
 
يأتي بيترس في وصفته السابعة على ذكر إحدى الوسائل الهامة التي تستعملها الولايات المتحدة بشكل منتظم في منطقة الشرق الأوسط، إلا وهي استهداف قادة الجماعات الإرهابية، و”قتلهم أمام أعين أنصارهم والخاضعين لهم”.
 
الخبير العسكري الأمريكي وضع لهذا النهج شعارا يقول: “لا يجب أن ينشر الإرهابيون الرعب في المجتمع، بل على الأجهزة الأمنية أن تنشره بين الإرهابيين”.
 
وتشدد الوصفة الأمريكية الثامنة المضادة للإرهاب على ضرورة عدم الإعلان بتاتا عن تحقيق انتصار النهائي على الإرهاب، مشيرة إلى أنه يتعين إبعاد عبارة “الحرب على الإرهاب انتهت” من القاموس الرسمي، مبررة ذلك بالقول: “لا أحد يعرف لماذا يظهر الإرهاب. ستأتي حتما في مكان المنظمة التي تم سحقها منظمة أخرى. الإرهاب سيظل موجودا طالما وجد أشخاص تعودوا على تحقيق أهدافهم بقتل أناس آخرين”.
 
وتتناول التاسعة علاقة السلطات بالمثقفين، وتقول إن الاتفاق معهم ليس ضروريا دائما، لأن بيترس يرى وجود قصور نظر لدى هؤلاء المثقفين، لأنهم “ينظرون إلى الخسائر في الماضي لا إلى ما يمكن الحصول عليه من مكاسب في المستقبل”.
 
ويمكن وصف وصية بيترس العاشرة، بأنها مربط الفرس لأنه يدعو من خلالها إلى تجاهل التاريخ والتركيز على الحاضر في قوله: “لا يجب البحث عن وصفة الانتصار في التاريخ لأن سبب الانتصار والهزيمة غالبا ما يكون خفيا، ومرتبطا بفهم شخصيات محددة. النصر يجب أن يتحقق في الوقت الحاضر أو في المستقبل، وليس في الماضي.
 
 تلك هي وصفات الانتصار على الإرهاب كما يراها خبير عسكري أمريكي شهير، إلا أنه، بغض النظر عن الموقف مما يطرحه، يتعذر فهم الفائدة المتوخاة من تجاهل التاريخ، إذ لا يمكن فهم سر انتشار داعش وتمدده وتوحشه من دون أن نتذكر على الأقل كيف سقطت مدينة الموصل، وكيف سيطر هذا التنظيم العنيف على آلاف المدرعات وأعداد كبيرة من الصواريخ والمدافع وملايين من مدخرات مصارف المدينة تحت سمع وبصر الولايات المتحدة صاحبة اليد الطولى هناك.
 
 لقد سمحوا بذلك ولم يحركوا ساكنا. ولكن بعد أن صال وجال الإرهابيون هناك حتى وصلت طلائعهم إلى مشارف بغداد، حملت واشنطن عصاها وعادت إلى المنطقة لتضربهم بعد أن فات الوقت واستفحل أمرهم وباتت مهمة القضاء عليهم شاقة وطويلة الأمد.
 
محمد الطاهر

لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي

تعليقات الفيسبوك

التعليقات مغلقة