يعلم الكثيرون أن روسيا القيصرية باعت منطقة ألاسكا إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، إلا أن لهذه الصفقة قصة طويلة وتاريخا يروى.
ولا مناص في مثل هذه الأحوال من العودة إلى البدايات الأولى لاقتفاء آثار الصلات بين روسيا القيصرية وألاسكا والتي تعود إلى بدايات القرن الثامن عشر، حين بدأ بالوصول إلى سواحلها تجار روس كبار بانتظام، لتتحول تدريجيا هذه المنطقة مع الزمن إلى ملكية خاصة لعدد من الأغنياء الروس، ثم انتقلت ملكيتها للدولة رسميا عام 1799 بتأسيس الشركة الروسية الأمريكية التي احتكرت النشاط الاقتصادي في ألاسكا، المنطقة التي حملت منذ ذلك التاريخ رسميا اسم “أمريكا الروسية”.
عقب هزيمة الإمبراطورية الروسية في حرب القرم والتي واجهت خلالها تحالفا يتألف من بريطانيا وفرنسا والإمبراطورية العثمانية ومملكة سردينيا بين عامي (1853 – 1856)، بدأت الولايات المتحدة مساع لشراء الأراضي الروسية في أمريكا الشمالية.
وفي 30 مارس من عام 1867 تم التوقيع على اتفاقية لبيع ألاسكا وجزر “ألوشيان” للولايات المتحدة مقابل 7 ملايين و200 ألف دولار ذهبي.
وبدأ حينها المواطنون الروس في النزوح عن ألاسكا، وغادرت آخر مجموعة منهم المنطقة في 30 نوفمبر عام 1868، في نفس اليوم الذي استلمت فيه رسميا الولايات المتحدة المنطقة.
وهكذا انتقلت أراضي بمساحة تفوق مليون ونصف كيلو متر مربع إلى الولايات المتحدة، كان معظمها تقريبا غير مأهول، وذلك لأن عدد السكان الروس آنذاك في سائر المنطقة لم يتجاوز 25 ألف شخص إضافة إلى 60 ألف من الهنود الحمر والأسكيمو.
وفي بداية القرن التاسع عشر كانت ألاسكا ذات جدوى اقتصادية بفضل تجارة الفراء، إلا أن انطباعا خاطئا ساد بحلول منتصف القرن لدى أصحاب القرار في روسيا القيصرية بأن تكلفة تأمين وحماية هذه المنطقة النائية تفوق المكاسب المحتملة من التمسك بها.
ومع ذلك لم يكن الجميع في الولايات المتحدة سعداء بهذه الصفقة، ولم ير البعض في ألاسكا أكثر من “صندوق من الثلج”، إلا أن هذا الانطباع تغير كليا بنهاية القرن التاسع عشر حين تم اكتشاف مناجم للمعادن الثمينة وبخاصة الذهب.
وعلى الرغم من تعدد الروايات بشأن الأسباب التي دفعت روسيا القيصرية إلى بيع ألاسكا، إلا أن أغلب المؤرخين يميلون إلى تفسير يقول إن روسيا في ذلك الوقت لم تكن تملك موارد كافية لاستغلال ألاسكا زيادة على مناطق سيبيريا الشاسعة، ولذلك قررت بيع هذه المنطقة النائية للولايات المتحدة للحفاظ على الدولة الروسية ولتركيز الجهود على تطوير وتنمية مناطق الشرق الأقصى.
بالمقابل يؤكد البعض أن روسيا القيصرية باعت ألاسكا خوفا من أن تتوسع بريطانيا انطلاقا من مستعمرتها كندا، وتقوم باحتلال المنطقة الأمر الذي سيكون من المستحيل تلافيه في تلك الظروف، في حين يؤكد آخرون أن كل ما في الأمر أن القيصر ألكسندر الثاني باع ألاسكا للولايات المتحدة لتسديد ديون اقترضها.
وبالطبع في مثل هذه الأحداث التاريخية النادرة، كل الاحتمالات واردة وكل الآراء مشروعة، إلا أنه وإن تعددت الأسباب، فإن الثابت أن ألاسكا التي وضع الروس يدهم عليها قبل الجميع، خرجت نهائيا وبلا رجعة من سيطرة بلادهم منذ ستينيات القرن التاسع عشر.
لمتابعة الخبر اضغط على موقع اضغط علىالرابط التالي